تجمع أدبيات العلوم السياسية أن هنالك استراتيجيتين اثنين تستعين
بها البلدان المتخلفة وبعض النظم الشمولية في السابق، لتصريف ميكانزمات
السلطة وضبط أداء الدولة وعلاقتها بالمجتمع.
المنظومتان تتمثلان في استراتيجية الخوف واستراتيجية الأمل، فالأولى
تستعين بها السلطة السياسية من أجل سوس الجماعة في اتجاه ترسيخ سيادتها
وبسط نفوذها وسلطتها، عن طريق سلك سبل الترهيب والتهديد وغير ذلك من
أشكال التنكيل التي تحز في نفوس العامة شكل من أشكال التردد والإحساس
بالخطر والخوف من آلة الدولة وبالتالي الرضوخ التام لسياسة هذه الأخيرة.
أما الشكل الثاني من استراتيجية الحكم فهو يسلك سبيل آخر مغاير
لسابقه من خلال بعث الأمل في النفوس من خلال إشاعة الوعود البراقة التي
تجعل العامة تواقة للغد وأكثر ثقة في السلطة وآليات اشتغالها، إلى درجة
تفوق ثقتها في المؤسسات والتنظيمات السياسية الأخرى.
وبإسقاط بسيط لهذه المنظومتين على الواقع السياسي المغربي وآلية
تدبيره وميكانزمات اشتغاله منذ سنوات الاستقلال حتى اليوم.
نجد أن الهاجس الأساسي الذي وسم منظومة السلطة السياسية في المغرب
منذ بداية الاستقلال إلى بداية التسعينات ، كان يمزج مابين
الاستراتيجيتين مع الميل أكثر إلى استراتيجية التعنيف والتخويف من
السلطة، ولعل ما يبرر ذلك هو السياق السياسي العام الذي طبع هذه الحقبة
من تاريخ المغرب وما امتاز به من تقلبات وتغيرات فرضتها العديد من
الضغوطات سواء الداخلية أو الخارجية .فالنظام السياسي وجد في
استراتيجية الخوف أو بمفهوم أدق السياسة الأمنية وما عرفته من إنفلاتات
جمة على مستوى حقوق الإنسان المخرج الوحيد لمعالجة ومقاربة المعضلات
الاجتماعية والاقتصادية من جهة، وآلية ناجحة في توطيد قواعده وحفظ
محيطة من الشوائب وجعله في منأى عن أي اضطرا بات من هذا الجانب أوذاك
من جهة أخرى.
فكانت النتيجة كما لا يجهلها أحد (بؤس اجتماعي، فقر مدقع، انتهاكات
بالجملة ووصاية على الحريات..).
لكن هذه السياسة سوف تعرف انفراجا كبيرا مع مطلع عشرية التسعينات
بتأسيس العديد من المؤسسات التي سخرت لحفظ كرامة المواطنين وكذا ضخ نوع
من الأمل في وسط الفاعلين السياسيين من خلال الإصلاح الذي طرأ على
المنظومة الدستورية وتوسيع صلاحية المشاركة السياسية..الخ.
وسوف تزداد هذه الاستراتيجية ـ أقصد استراتيجية الأمل ـ قوة مع ظهور
العديد من الشعارات التي ملأت الوسط السياسي صخبا، كالمفهوم الجديد
للسلطة والانتقال الديمقراطي والمصالحة مع الماضي، وكذا بالإقدام على
العديد من المبادرات التي خصت الحياة الاجتماعية والاقتصادية التي تهف
إلى إعادة الاعتبار للمواطنين وصون حقهم في التنمية والنمو.
لكن هل هذه الخطوات التي تدخل ضمن آليات استراتيجية الترغيب وبعث
الأمل وشحذ الهمم الشعبية، تشكل حقا إرادة حقيقة نحو إرساء قوام
الإصلاح الاجتماعي والذهاب قدما نحو المستقبل المجيد؟ أم مجرد خطوات
شكلية لا تخلو من نفس الفلسفة التي كانت تدار بها دواليب السلطة في
إطار الاستراتيجية الأمنية التي كانت تنهج في السابق والتي كان همها
الأساسي هو توطيد آليات النظام والحفاظ على حضوره الشامل داخل المجتمع.
هذا ما سنعرفه في السنوات القليلة القادمة.
*باحث في العلوم السياسية |