ندوة في واشنطن تناقش مسيرة المحافظين الجدد ونهاية الإمبراطوريات الكبرى

نظم مركز الحوار العربي في منطقة واشنطن ندوة تحدث فيها الباحث السياسي علاء بيومي مدير الشؤون العربية بمجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (CAIR) حيث استعرض خلاصات عدد من أهم الكتب الأمريكية عن المحافظين الجدد، ومن بينها كتاب المرشح السابق لانتخابات الرئاسة الأمريكية سنة 2000، بات بيوكانن بعنوان: " أين أخطأ اليمين؟" والذي حذر فيه من المصير الذي آلت إليه الإمبراطوريات الكبرى في العالم وكيف أنها انهارت بسبب الإفراط في شن الحروب الخارجية. ويتهم بيوكانن وهو من المحافظين التقليديين في كتابه مجموعة المحافظين الجدد بأنهم اختطفوا السياسة الخارجية في عهد الرئيس بوش وغيروا أفكاره من انتقاده لفكرة أن تلعب الولايات المتحدة دور الشرطي في العالم إلى اتباع سياسة شن الحروب الاستباقية الإجهاضية لدعم إسرائيل ومن أجل نشر الديمقراطية في العالمين العربي والإسلامي وإعادة تشكيلهما، وهو أمر سيصل بالولايات المتحدة في نهاية المطاف إلى الدخول في صراع لا نهاية له وحرب تلو الأخرى لفرض الديمقراطية العلمانية والثورة الاجتماعية على العالم الإسلامي.

وقد خلص بيوكانن في كتابه إلى أن أيديولوجية المحافظين الجدد تنطلق من مبدأ أساسي وهو تطابق مصالح أمريكا مع إسرائيل، وبالتالي فهم يدفعون الولايات المتحدة إلى محاربة أعداء إسرائيل ولذلك دفعوا أمريكا إلى شن الحرب على العراق، والتي كانت حسب رأي بيوكانن أكبر خطأ استراتيجي أمريكي خلال أربعين عاما، واستخدموا لتبرير تلك الحرب مقولة أنها حرب على الإرهاب بينما هي حرب للسيطرة على الشرق الأوسط، وهي سيطرة لن تقدم حلا لمشكلة الإرهاب بل كانت وستكون سببا للإرهاب.

قوة اليمين في أمريكا

وانتقل الباحث علاء بيومي في ندوة مركز الحوار العربي في واشنطن إلى عرض كتاب آخر بعنوان: "أمة اليمين: قوة المحافظين في أمريكا" والذي ركز فيه الكاتبان إدريان ولدريدج وجون مايكل ثويت على أن تيار المحافظين الجدد هو تيار ظهر في أمريكا ليرضي نزعات أطياف مختلفة من اليمين تشكل نسيج الأمة الأمريكية من الناحية السياسية، وقال إن اليمين الأمريكي ينقسم من حيث الأداء الوظيفي إلى مجموعتين:

أولا: مراكز الأبحاث اليمينية التي تركز على إصدار الدراسات التي تنطوي على أفكار وطروحات لإدارة السياسة العامة في الولايات المتحدة والسعي لإقناع الإدارة والكونجرس بتبني هذه السياسات. وتتزعم هذه المجموعات مراكز بحثية مثل معهد أمريكان إنتربرايز ومؤسسة هيريتدج ومعهد كاتو للأبحاث العامة.

ثانيا: المجموعات اليمينية على المستوى الجماهيري ومهمتها حشد أصوات الناخبين اليمينيين وربطها بالقضايا والسياسات والترويج لساسة معبرين عن مصالح اليمين الأمريكي. ويمثل هذا التيار منظمات مثل التحالف الأمريكي المحافظ والتحالف المسيحي.

وأوضح الباحث علاء بيومي لحشد من المثقفين العرب الأمريكيين في مركز الحوار العربي بواشنطن كيف أن أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بوسطن آندرو باسيفتش رأى سببا مختلفا لنفوذ المحافظين الجدد عبّر عنه في كتاب بعنوان: " النزعة العسكرية الأمريكية الجديدة"، فأعرب عن اقتناعه بأن من أحد أهم أسباب تنامي النزعة العسكرية الأمريكية ظاهرة المحافظين الجدد الذين تميزوا منذ نشأتهم في الستينيات من القرن الماضي بإيمانهم القوي بوجود قوى للشر في العالم وبدور أمريكا في محاربة ذلك الشر كقائدة للعالم وباستخدام مختلف الأساليب وعلى رأسها القوة العسكرية. وشرح الباحث كيف أن الجيل الثاني من المحافظين الجدد والذي ظهر في التسعينات من القرن العشرين تميز بجرأة أكبر في الترويج للجوء إلى القوة.

وخلص من قراءته لكتاب النزعة العسكرية الأمريكية الجديدة إلى أن مؤلفه يفرق بين جيلين من المحافظين الجدد؛ الجيل الأول جاءت أفكاره كرد فعل للظروف الدولية والتحديات الداخلية التي واجهتها أمريكا في الفترة ما بين الحرب العالمية الأولى حتى نهاية حرب فيتنام في منتصف السبعينات من القرن العشرين، من الكساد الكبير إلى صعود النازية وتراجع دور أمريكا واقتناع هذا الجيل بأن صعود الشر مرهون بالتواني عن مقاومته وأن القوة العسكرية هي أداة قهر لقوى الشر. لكن ذلك الجيل ترعرع في فترة خيم فيها الشعور بعدم الثقة في القوة وفي السياسة الخارجية الأمريكية بسبب ما حدث في فيتنام.

أما الجيل الثاني من المحافظين الجدد، فقد ظهر بعد فوز أمريكا في الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي الذي وصفه الرئيس ريجان بإمبراطورية الشر، ثم جاءت عملية عاصفة الصحراء وما أظهرته من قدرة القوات الأمريكية على تحقيق نصر كاسح بأقل قدر من الخسائر لتغير المعايير ولتفتح شهية أمريكا للنزعة العسكرية وتزيد الطلب على خدمات الجيش في شن الحروب الخارجية. ولذلك اعتنق الجيل الثاني من المحافظين الجدد خمسة أفكار أساسية:

أولا: أن العالم يبحث عن قائد وأن أمريكا هي القائد الحتمي ولذلك يتعين على الغرب وغيره من دول العالم أن يتوحد تحت القيادة الأمريكية لإعادة تشكيل النظام العالمي الجديد.

ثانيا: أن فشل أمريكا في استغلال فرصة قيادتها المنفردة للعالم حاليا لإعادة تشكيله سيؤدى إلى الفوضى.

ثالثا: أن قوة أمريكا العسكرية هي أداة رئيسية لنجاحها في قيادة العالم وأن السلام الحقيقي هو الذي يأتي كنتيجة للانتصار في الحرب، ولذلك يجب استخدام هذه القوة في مشاريع حاسمة وطموحة لصناعة نظام عالمي تسيطر عليه الولايات المتحدة.

رابعا: ضرورة الالتزام المطلق بدعم القوة العسكرية الأمريكية وتحديث وتطوير وتسليح القوات الأمريكية لخدمة أهداف كبرى مثالية في العالم.

خامسا: رفض الساسة الواقعيين مثل هنري كيسنجر والساسة المترددين مثل كولن باول باعتبار أن الواقعية والتردد يمثلان مرضين خطيرين يحولان دون قيادة أمريكا للعالم.

مستقبل المحافظين الجدد

وكان الكتاب الأخير الذي استعرضه الباحث السياسي علاء بيومي أمام رواد "مركز الحوار" في واشنطن بعنوان: "ثورة المحافظين الجدد: المثقفون اليهود وتشكيل السياسة العامة" للكاتب والمؤرخ اليهودي الأمريكي موري فريدمان، وهو متعاطف مع أفكار المحافظين الجدد ليس كما يشاع عنهم  كعصابة غامضة قليلة العدد سعت إلى اختطاف السياسة الخارجية الأمريكية في عهد الرئيس بوش، وإنما كتيار يضم أعدادا كبيرة من الأمريكيين الذين تحولوا إلى محافظين جدد نتيجة لتوجههم اليميني وكذلك للظروف التي مر بها المجتمع الأمريكي خلال القرن العشرين. وشرح الباحث في ندوة مركز الحوار كيف أن الكاتب فريدمان ينظر إلى تيار المحافظين الجدد على أنه صراع بين اليهود الأمريكيين الليبراليين واليهود الأمريكيين المحافظين من أجل السيطرة على أيديولوجية اليهود الأمريكيين. وبين كيف أن غالبية قيادات المحافظين الجدد هم من المثقفين اليهود الأمريكيين الذين سعت مجلة كومينتاري، التي بدأت في الصدور عام 1945 عن اللجنة اليهودية الأمريكية إلى ربطهم ببعض، ثم ساعدت الحركات الفكرية والسياسية الكبرى التي مر بها المجتمع الأمريكي خلال الخمسينات والستينات على تشكيل ما وصفه ببيئة خصبة لنمو أفكار المحافظين الجدد. ومن أهم هذه التحولات:

أولا: تلاقي المحافظين الجدد مع الجماعات اليمينية المحافظة على أرضية معاداة ثقافة اليسار الأمريكي الجديد ومواقفه الاجتماعية والأخلاقية.

ثانيا: ربط المحافظين الجدد بين الشيوعية والنازية بعد بروز وحشية ستالين مع الأقليات الدينية بما فيها اليهود السوفييت وتصعيد الاتحاد السوفييتي لصراعه مع الغرب، وسعي المحافظين الجدد للبحث عن حلفاء أمريكيين أكثر رغبة في المواجهة مع المعسكر الشيوعي.

ثالثا: هزيمة اليمين الأمريكي التقليدي في الانتخابات خلال الخمسينات وأوائل الستينات وظهور جيل جديد من الناشطين المحافظين سعى لتطوير الخطاب اليميني الأمريكي بشكل يقرب بين المحافظين الجدد واليمين الأمريكي الجديد في بداية السبعينات.

رابعا: نمو التيار الأمريكي المحافظ داخل الجامعات والمؤسسات الفكرية والبحثية الأمريكية من خلال تعاون اليمين الأمريكي المعدل مع المحافظين الجدد في بناء شبكة واسعة من الجماعات الفكرية النشطة داخل الجامعات ومؤسسات الأبحاث في أمريكا.

خامسا: تقرب المحافظين الجدد إلى اليمين الأمريكي من خلال طرح فلسفة اقتصادية واجتماعية متميزة. وقد ظهرت قوة ذلك التقارب في تصويت الجانبين معا وبقوة لصالح رونالد ريجان بل وفي تمكن المحافظين الجدد من العمل في إدارته.

وردا على سؤال عن تصوره لمستقبل المحافظين الجدد في صياغة السياسة الخارجية الأمريكية خاصة في الشرق الأوسط، قال الباحث السياسي علاء بيومي:

"يجب أن نتوقف عن تحويل المحافظين الجدد إلى شماعة لتبرير أخطاء السياسات الخارجية الأمريكية خاصة في الشرق الأوسط وأن نبدأ في فهم أعمق لحقيقة أن المحافظين الجدد ليسوا قوة مهيمنة على صانع القرار السياسي في الولايات المتحدة وإنما هم إحدى مجموعات عديدة مؤثرة من تيار عارم لليمينيين في الولايات المتحدة يضم كذلك أبرز القادة المسيحيين المتشددين في أمريكا، تمكنت من استغلال أحداث سبتمبر 2001 للترويج لمبدأ وجود قوى للشر في العالم وأن القوة العسكرية والحروب الاستباقية هي الحل الوحيد لمواجهة تلك القوى. وبالتالي يجب ألا نقع في خطأ توهم أن الأخطاء التي وقعت فيها الإدارة الأمريكية في العراق مثلا ستجبر المحافظين الجدد على التسليم بالهزيمة والانزواء. ونقل عن وليام كريستول محرر مجلة ويكلي ستاندرد والمدير السابق لمكتب دان كويل نائب الرئيس الأسبق جورج بوش الأب والذي يعد الأب الروحي للجيل الحالي من المحافظين الجدد قوله إنه لا مفر أمامنا من إثبات قدرتنا على النجاح في العراق لأن فشل المشروع الأمريكي في العراق سيشكل انتكاسة كبرى للمحافظين الجدد، ولكنهم لن يختفوا من المسرح السياسي الأمريكي".

شبكة النبأ المعلوماتية -الأربعاء 1 /شباط /2006 -30 /محرم الحرام/1427