لقد شكلت القارة الإفريقية إحدى الإطارات التي تدور فيها السياسة
الخارجية المغربية، بحكم ارتباطه التاريخي بالصحراء الكبرى، فتأكيدا
لإفريقيته راهن كثيرا على تنشيط علاقاته مع دول المنطقة منذ حصوله على
الاستقلال، وقد تجلى ذلك بالطبع في تأكيد استقلال القارة الإفريقية
التي كانت لا تزال ترزح تحت الاستعمار بل وتقديم العون السياسي والمادي
وفي أحيان كثيرة العسكري إلى حركات التحرير الإفريقية، لتدخل إلى مرحلة
انتقالية جديدة، فرضت أوضاعا مستجدة في العلاقات المغربية الإفريقية،
الأمر الذي دفع بهذه الدول إلى العمل على صياغة أساليب وآليات مستحدثة
تتكيف مع الأحداث والمستجدات التي تعرفها السياسة الدولية، والتي أدت
إلى إفلاس شعارات ودعوات التعاون والتضامن التي كانت سائدة في الحرب
الباردة وحركة التحرر الوطني والاستقلال وحركة عدم الانحياز...الخ، حيث
ظهرت متطلبات بديلة، منها التحول الديمقراطي والتعاون الاقتصادي،
وتحقيق التنمية الإفريقية، التي أصبحت كأولوية أساسية في أجندة
السياسات الدولية عموما، والسياسة الخارجية المغربية خصوصا، ولعل هذا
الاهتمام راجع إلى التغيير في تركيب النخب الحاكمة في إفريقيا وماله من
انعكاس على علاقات التعاون بين المغرب ودول إفريقيا، ويبدو أن هذا
التغيير لم يتحدد على مستوى الأشخاص والأسماء إنما أيضا في المفاهيم
التي تعلنها هذه النخب والقيادات ، حيث أن هذه النخب التي تعاملت مع
الجانب المغربي منذ منتصف القرن العشرين وخلال فترة الحرب الباردة
أصبحت غير موجودة، وما تبقى منها صار غير فاعل في السياسة الخارجية
الإفريقية، وذلك لظهور نوع جديد من القادة الشباب اللذين يؤمنون بضرورة
إدخال المزيد من الديمقراطية، ويتطلعون للقيام بتفعيل أدوارهم على
مستوى ترتيب وتنظيم العلاقات الأفرومغربية.
وهوما أكده الملك محمد السادس في ندوة حول "العالم العربي وإفريقيا....تحديات
الحاضر والمستقبل" في أكتوبر 2003 حيث قال"... التزامنا الثابت
بالتضامن الفاعل مع الدول الإفريقية الشقيقة وتعميق التعاون معها في
الميادين السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية ومساندة المبادرات
الإفريقية البناءة داعين المجتمع الدولي إلى تقديم دعم ملموس
لإستراتيجية النيباد التي تتوخى التنمية المستدامة للقارة الإفريقية"،
مما يعكس مدى الوعي السياسي المتنامي لدى القيادات الإفريقية
بمسؤوليتها عن صياغة مستقبل القارة وإخراجها من دائرة الفقر والتهميش
في إطار تعاون جنوب جنوب ، حيث بات من المعروف اليوم أن الأوضاع
الاقتصادية العالمية القائمة قادت إلى توسيع الهوة الاقتصادية والمالية
بين الشمال والجنوب، لذلك أصبحت الظروف الدولية الراهنة تتطلب من
الأفارقة عموما، في الشمال كانوا وفي الجنوب أن يتعاونوا أكثر من أجل
تطوير مشاريعهم الاندماجية وإخضاعها للواقع ، حيث يتم القضاء على
التجزئة والتفكك.
ولعل هذا ما أصبحنا نلمسه فيما يخص علاقات المغرب مثلا بدول
إفريقيا جنوب الصحراء في إعطاء دفعة قوية لاقتصاديات القارة بما يضمن
اندماجها في الاقتصاد العالمي، حيث ساهم المغرب في العديد من المشاريع
الرامية إلى تحقيق تنمية اقتصادية واجتماعية،وتأتي في إطار ذلك
المبادرة الملكية لإلغاء الديون على البلدان الأقل نموا منها، وإقامة
نظام جمركي تفضيليي لتشجيع صادراتها نحو المغرب.
والجدير بالذكر أنه ليس هناك من لايخفي قناعته، أن الزيارات الملكية
المغربية والمنتظمة إلى إفريقيا تحمل أكثر من دلالة، فبالإضافة إلى
تأكيد الطرف المغربي على تعزيز التعاون مع الدول الإفريقية، إلا أن هذه
الزيارات يحكمها أيضا عنصر المصلحة السياسية والمرتبط بالأساس بقضية
الصحراء المغربية الذي ظل ملفا سياسيا يخيم ولا يزال على العلاقات
المغربية بدول إفريقيا جنوب الصحراء وما يترتب عنه من منافسة إقليمية
بين كل من المغرب والجزائر على مناطق النفوذ في إفريقيا، غير أنه يلاحظ
أن الجزائر لا تمثل المنافس الوحيد لموقع المغرب في القارة السمراء، بل
أيضا تحظى هده الأخيرة باهتمام كبير من لدن القوى الدولية كفرنسا
والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وذلك بدافع تعزيز حضورها ونفوذها
السياسي والأمني والاقتصادي ضمن الموازين التي تشهدها العلاقات
الدولية. ومن ثم فإن صانع القرار المغربي لا خيار أمامه إلا إعادة
تحديد أولوياته تجاه إفريقيا جنوب الصحراء عبر تكييفها مع توجهات القوى
الدولية بشكل براغماتي يضمن تحقيق المصلحة السياسية للمغرب.
*هند بطلموس
باحثة في قسم العلاقات الدولية،
جامعة محمد الخامس
الرباط،المغرب |