جذور صفة الكرم والإكرام

اعداد: المحرر الثقافي

رغم صخب الحياة اليومية لكن صفة الكرم عند الإنسان العربي الأصيل ما تزال قائمة ولم تصبح من المنسيات فقد نقلت الأجيال تلو الأجيال المثل العربي القديم المعتد بهذه الصفة إذ جاء نصه (الكرم عند العرب).

وأول سمات الكرم العربي القديم هو إكرام الضيف وهذه الصفة ليست مقرونة بوجهاء القوم كما كانوا يطبقونها ويتفاخرون بها بل هي سمة أمتاز بها معظم الناس وكان الـ(جود لديهم بقدر الموجود) لديهم حتى قالوا عن كم الكرم ضمن مثل نصه(الجود من الموجود) وهكذا فعامة الناس القدماء من منطقة الصحراء العربية أمتازوا بالكرم وعلى قدر مستطاعهم رغم أن الجدب كان يحيط بحياتهم ومعيشتهم ببعض السنين وبهذا الواقع يستشهد( فيلسوف تونس العربي ابن خلدون) عن ميزة أهل العراق في إكرامهم للضيف حيث لمس ذلك منذ أول ما وطئت قدماه في الصحراء العراقية حيث كانوا أناساً بسطاء لا يملكون سوى قليل من الحلال أي الأغنام لكنهم ينحرون له منها إكراماً له وهم لا يعرفون منزلته العلمية أصلاً. في حين دلت تجربة ابن خلدون أن الكرم والإكرام كانت صفة مفتعلة عند عرب آخرين مما يعني أن أحباء الكرم وراءه التكريم هي من ميزات الإنسان العربي في بلاد نجد القديمة (المملكة العربية السعودية) ودول جزيرة العرب وامتدادها الجغرافي في العراق في حين تقل ظاهرة الإيثار بالتكرم والكرم الفعلي قليلاً قليلاً كلما تم الابتعاد عن جغرافية العراق ومنطقة الجزيرة العربية التي تمثل بلاد نجد رمزها الأول حيث كان قد ظهر فيها أناس اشتهروا بالكرم على مستوى العالم مثل (حاتم الطائي).

إن أداء الكرم عادة ما يبدأ منذ مرحلة النمو أي بُعيد نعومة الأظفار وهناك عوامل تلعب دورها في خلق الإنسان الكريم منها صفات وراثية وفطرية تنتقل من الأبوين أو من أحدهما إلى الطفل لينشئ وهو يحس أنه صاحب كرم ولذا يأتي أدائه للكرم بإتقان ومواظبة تنال إعجاب الغير من المحيطين به رغم أن هذا الإعجاب غير معبر عنه لدى شرائح اجتماعية قريبة من الكرماء.

طبعاً الكرم والإكرام خيار شخصي فبإمكان كل إنسان أن يكون بخيلاً لكن ليس بإمكان أي كان أن يكون كريماً لأن صفة الكرم الحميدة يشعر بها الكارم كـ (واجب عليه) أكثر من الشخص المكرم من قبله. وهكذا فليس من حق أي كان الادعاء بأنه كريم أو مجتمعه كريم ما لم يقل ذلك أناس آخرون ممن اختبروا وخبروا شرائح الناس في مجتمع ما، فليس كل من هو عربي كريم ولا من هو غير عربي بخيل فمسألة التحكم بالكرم تبقى مسألة نابعة من النفوس الزكية الخيرة مهما كانت جنسيتها ولون أو جنس صاحبها أو صاحبتها إذ يتساوى في ذلك الرجال مع النساء.

شبكة النبأ المعلوماتية -السبت 18  /شباط /2006 -19 /محرم الحرام/1427