قال أكاديمي وكاتب اصلاحي فلسطيني مقيم في أوسلو ان بعض علماء الدين
وبعض الانظمة العربية استغلوا أزمة الرسوم الدنمركية المسيئة للنبي
محمد لترسيخ نفوذهم محذرا من أن ردود الفعل الغاضبة على وجه الخصوص
تسيء لصورة المسلمين في أوروبا وتضعف موقف الاصلاحيين والليبراليين في
العالم العربي والاسلامي.
وقال أحمد أبو مطر (62 عاما) وهو أكاديمي وكاتب نرويجي من أصل
فلسطيني في مقابلة مع رويترز ان ردود الفعل العنيفة كانت "أكبر هدية
لليمين الاوروبي" الذي توقع أن تزداد شعبيته لاسيما بعد حرق السفارات
والبعثات الدبلوماسية في دمشق وطهران وبيروت.
وأضاف أن "ردود الفعل العنيفة أساءت للعرب والمسلمين أكثر من اساءة
رسوم (الكاريكاتير) للرسول."
وأشار الى أن ردود الفعل في العالم العربي والاسلامي دفعت العديد من
كبريات الصحف ووسائل الاعلام الاوروبية الى اعادة نشر الرسوم بعدما
كانت اعادة النشر محدودة في صحيفة نرويجية من الدرجة الثانية أو
الثالثة.
وقال أبو مطر "عندما نشرت الرسوم في الصحيفة الدنمركية في 30 سبتمبر
(أيلول) 2005 لم تصدر أي ردود فعل سلبية أو ايجابية من المسلمين في
الدنمرك بما في ذلك الرابطة الاسلامية في كوبنهاجن...
"لم نسمع عن هذه الرسوم في أوسلو عندما نشرت. وهذا يضع علامة
الاستفهام الكبرى.. لماذا تم التغافل عنها أربعة أشهر كاملة لتثار
تحديدا في قمة المؤتمر الاسلامي المنعقدة في المملكة السعودية في أوائل
ديسمير الماضي.."
وكان البيان الختامي الصادر عن الدورة الثالثة لمؤتمر القمة
الاسلامي الاستثنائي التي عقدت في مكة في السابع والثامن من ديسمير
كانون الاول الماضي أعرب عن قلق المؤتمر "ازاء تنامي الكراهية ضد
الاسلام والمسلمين وندد بالاساءة الى صورة نبي الاسلام... في وسائل
اعلام بعض البلدان."
ويرى أبو مطر أن اثارة هذه القضية من السعودية وبعد أيام قليلة من
موسم الحج "أعطاها زخما شعبيا أكبر مما لو انطلقت من عاصمة عربية أو
اسلامية أخرى." ومضى يقول "ظاهر هذا الهيجان هو الانتصار للرسول... لكن
من الذي أثاره.."
وقال أبو مطر الذي كان في زيارة للقاهرة لالقاء محاضرة عن الاستبداد
في العالم العربي "أعتقد أن هناك سببين (لاثارة قضية الرسوم المسيئة)
الاول هو صراع وكالات تجارية عربية ثم دخول أنظمة كما فعل النظامان
السوري والايراني."
واستبعد الاكاديمي الفلسطيني وهو مراقب عن كثب للتطورات في الدول
الاسكندنافية أن تكون ردود الفعل العربية والاسلامية بسبب اعادة نشر
الرسوم في صحيفة سويدية في يناير كانون الثاني الماضي مشيرا الى أن
صحيفة مجازينت نشرتها بعد ردود الفعل الغاضبة في العالم العربي وكنوع
من التضامن مع الصحيفة الدنمركية.
وبينما يخشى كثيرون تأثير ردود الفعل العنيفة على أوضاع المسلمين
والعرب في أوروبا قال أبو مطر "حتى هذه اللحظة لم يحصل أي تبدل في
التعاملات الاوروبية نحو العرب والمسلمين."
لكنه استطرد قائلا "قبل ردود الفعل العنيفة هذه كانت هناك دعوات
أوروبية لإعادة النظر في قوانين اللجوء خاصة من العرب والمسلمين وخصوصا
بعد اشتراك العرب والمسلمين في أعمال عنف في الخارج أو داخل أوطانهم
الاوروبية. وكان المقصود من اعادة النظر هو وضع ضوابط شديدة تدقق فيمن
يأتي طالبا اللجوء."
وأضاف "حسب القوانين الاوروبية لا يستطيعون طرد أو ترحيل أي مقيم في
أوروبا بشكل غير رسمي لكنني متأكد أنهم بعد ردود الفعل العنيفة سوف
يسرعون باصدار قوانين تشدد على دخول اللاجئين الجدد وتجرم من يدعو
للعنف من المقيمين الحاصلين على الجنسية."
لكنه توقع أن تأخذ التعديلات "شكل تشديد القيود وهذا سيكون له رد
فعل سلبي."
وقال أبو مطر "أتوقع أيضا تغييرا كبيرا في القوانين الاوروبية التي
تسمح بإنشاء المساجد ودور العبادة الاسلامية أو النوادي العربية
والاسلامية."
كما توقع أن يكون لهذا تأثير سلبي على مواقف بعض الدول الاوروبية لا
سيما الاسكندنافية المؤيدة للقضية الفلسطينية.
وقال "المفارقة المؤلمة أنه قبل شهرين ونصف الشهر بدأت وزيرة
المالية النرويجية (كريستين هالفورسن) حملة من أجل مقاطعة البضائع
الاسرائيلية دعما لنضال الشعب الفلسطيني. وفجأة تبدأ الحملة العربية
لمقاطعة البضائع الدنمركية والنرويجية. كيف سيكون موقف وزيرة المالية
الان من شعبها ومن اليمين النرويجي الذي رفض دعوتها."
وكانت هالفورسن قد أعلنت تأييدها لحملة لمقاطعة البضائع الاسرائيلية
تضامنا مع الفلسطينيين كان مقررا أن يطلقها الحزب الاشتراكي الذي تنتمي
اليه في يناير كانون الثاني. وقالت وزارة الخارجية النرويجية وقتها ان
هذه الحملة لا تمثل سياسة الحكومة.
واستبعد أبو مطر أن تفتح هذه الازمة الباب أمام مزيد من الانتقادات
للاسلام في أوروبا. لكنه حذر من أنها قد تؤثر سلبا على دعاوى الاصلاح
في العالم العربي لا سيما ما يتعلق منها بتجديد الخطاب الديني ومسألة
فصل الدين عن الدولة.
وقال "هذا سيضعف حركة الاصلاحيين والليبراليين العرب خصوصا عندما
نتذكر حسب تقرير التنمية البشرية العربية الاخير أن نسبة الامية في
العالم العربي تقوق 60 في المئة. وعادة الخطاب الديني أكثر تأثيرا في
هذه النسبة."
وردا على سؤال عما اذا كانت الفرصة لا تزال قائمة للخروج من هذا
المأزق قال أبو مطر "أعتقد أنه بعد الاعتذارات الدنمركية والنرويجية...
الكرة أصبحت الان في الملعب العربي الاسلامي" داعيا علماء الدين
والمثقفين العرب والمسلمين الى بدء "حملة صريحة لتهدئة الخواطر."
وقال "لا بد من التهدئة لبدء الحوار الذي يوصل الى التفاهم والتعايش
السلمي بين الحضارات والاديان." واستطرد قائلا "المشجع على ذلك أن نفس
هذه الدعوة بدأت تنطلق من بعض رجال الدين المسلمين وفي أكثر من عاصمة."
وأضاف أن "الحاسم في ذلك هو موقف أنظمة الحكم العربية والاسلامية.
فاذا حصلت نفس التوجهات من الانظمة والحكومات سنصل الى اللحظة التي
تهدأ فيها الخواطر. عندئذ وكما طالب علماء وفقهاء الاسلام يبدأ الجميع
مسلمين ومسيحيين وأصحاب ديانات أخرى بمحاولة استصدار قوانين دولية تحظر
الاساءة للديانات ورموزها." |