من المفترض ان تكون المؤسسات الأكاديمية المتمثلة بالجامعات منبراً
عالياً وراقياً من حيث قوة السياقات التعليمية المتبعة بها، والتي من
خلالها يتم تنشئة جيل ممكن ان يقود البلدان الى وجهات التطور والتقدم.
ولا يخفى على احد من ان هناك مقاييس مرسومة لجرد الجامعات
العالمية والمتمكنة في الاسلوب والاداء، فنسمع ونلمس جامعات غربية
وأوروبية تحتل مكانة ودرجة عالية في سلم التطور ووضع المناهج وبناء
الجيل الطلابي الناهض.
لقد اعتمدت تلك الجامعات الرصينة على عدة اساليب منطقية في كيفية
صناعة الشخصية الطلابية ومن ثم زجها لبناء المجتمع.
وذلك بان واضحاً في تقدم واحراز تلك الشعوب لمكاسب جعلتها مؤهلة
للتربع على عرش التطور والازدهار.
ان ما جعل كفة البلدان النامية غير راجحة من ناحية الأسلوب
الأكاديمي، هو اتباع اساليب غير مجدية نفعاً وغير ملائمة للجو
الأكاديمي، وهي ربما تلائم مراحل تعليمية ادنى على اقل تقدير.
يمكن القول ان العديد من جامعاتنا اليوم وحتى منذ فترة طويلة تتبع
اسلوب التلقين في التعامل مع الطلبة دون الاعتماد على بناء منهجية
واعية قادرة على بناء الشخصية دون درس المعلومات فيها فقط.
ان اغلب طلبة اليوم في البلاد العربية قد جاءوا وهم مولعين بصفة
التلقين، فلا يعرف ذلك الطالب سوى ان يرتاد الجامعة ليسمع ما يقوله
الأستاذ فقط ويستعد لحفظ تلك المادة في اغلب الأحوال لغرض الامتحان ليس
الا، وما ان تنتهي هذه الاختبارات لا يبقى اثر لتلك المعلومات في ذهنية
الطالب، لانها لم تأت من تفكير وبناء قواعد واضحة لها.
تُعد الجامعات من اخطر المؤسسات لإعدادها الكبير لجيل المستقبل،
لذا فأن من المهام الملقاة على عاتق تلك الجامعات هو إتباع قاعدة علمية
رصينة تقوم على نبذ اسلوب التلقين الذي لا يقوم ببناء الشخصية الطلابية
وانما مسخها دون الفائدة منها، والقيام بتحفيز الطالب الجامعي على
التفكير وصياغة الافكار وطرح التنظيرات والمداخلات والتعقيبات والتي من
الممكن ان تؤدي الى بناء فكرة سليمة تعود بالفائدة على التخصص والعلم
بصورة كلية ؛ الامر الذي يعود بالنفع العام على البلد وأبناءه.
لقد تهمش الطالب الجامعي الى الحد الذي بات لا يُعار للمكان
الأكاديمي أي أهمية تذكر، ففي قديم الزمان كانت الجامعات نوعاً ما
تتمتع بوجود عقول متحررة ومفكرة ومساهمة في تحريك عجلة المجتمع وفي
ابداء الرأي وتحديد المصير، الا ان الفترات الاخيرة قد نمتعن وجود فجوة
كبيرة بين الامس واليوم، اذ اصبحت جامعاتنا خاوية على عروشها بوجود جيل
طلابي غير متسلح بالعلم والمعرفة، وانما انجرف نحو الهاوية بشكلٍ كبير،
اضافة الى الدور غير الفاعل للاستاذ الجامعي في خلق الشخصية الطلابية
الناجحة.
فتقدم المجتمعات يكون بتقدم جامعاتها وما فيها من نشئٍ قادر على
تحمل مسؤوليات العلم والتفكير والابداع، وليس بالطلبة القابعين تحت
مظلات الاتكالية والتفسخ.
ان مسألة بناء الفكر تعتمد على شخص الاستاذ الجامعي في كيفية
تحفيز الطلبة لذلك، وبث روح المثابرة والمناقشة وكشف العيوب عن كل شيء
وتعريتها، مع الإيحاء لعقول الطلبة بأنها جاءت لتنظر وتبدع وليس لتتلقى
وتحفظ وتنسى فقط.
ربما تكون مهمة جامعاتنا في ذلك صعبة ولكنها ليست بعيدة المنال،
فأتباع فلسفة بناء التفكير تحتاج الى خصائص يجب توفرها في كيان الجامعة
ككل ليعم نفعها على المجتمع الطلابي بشكلٍ عام، وكذا الامر لا يقتصر
على المهمة الشاقة الملقاة على عاتق الكادر الجامعي وانما ما يجب على
الطالب فعله، الذي يروم بناء شخصيته وعقليته دون تعريضها الى القطع
المتمثل بحشوها بالمعلومات المستوردة الجاهزة البعيدة عن التمحيص
والتفكير.
فيجب على الطالب ان يعد نفسه للمساهمة في صناعة الفكرة وقولبتها
للتوصل الى فكرة نهائية صائبة تنم عند رواجها عن تفكير عقلاني يستحق ان
يقال انه ناجم عن مؤسسة اسمها الجامعة. |