تعقد العملية السياسية: انقسامات داخلية وخارجية بسبب انتخاب رئيس الوزراء في العراق

الانقسام والصراع الداخلي بين صفوف الائتلاف الشيعي الحاكم في العراق قد يترك مرشحه لرئاسة الوزراء مشلولا سياسيا وهو يحاول انقاذ البلد الذي يمزقه صراع طائفي.

فبعد اسابيع من المناقشات المحتدمة لجأ الائتلاف العراقي الموحد أكبر كتلة في البرلمان الى التصويت قبل ترشيح رئيس الوزراء الحالي ابراهيم الجعفري لتولي المنصب في الحكومة التالية بعد شهرين من اجراء الانتخابات يوم 15 ديسمبر كانون الاول الماضي.

وفاز الجعفري زعيم حزب الدعوة بفارق صوت واحد فقط على عادل عبد المهدي الشخصية البارزة في المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق. وبهذا التفويض الضعيف فان تشكيل حكومة قد يكون مهمة صعبة للغاية تزيد من توتر العلاقات داخل الائتلاف العراقي الموحد.

وستحتاج جهود الجعفري لتشكيل حكومة لحساسية في التعامل وهو يحاول ارضاء الفصائل الشيعية مع عدم اغضاب الاكراد الذين اتهموه باحتكار السلطة والتقرب الى العرب السنة المهمين لنزع فتيل التمرد السني.

ويقول المحللون السياسيون ان الجعفري يتعين أن يتخذ قرارات جريئة توجه رسالة قوية للفصائل داخل الائتلاف الحاكم وللسنة الذين حصلوا على 58 مقعدا من مقاعد البرلمان البالغ عددها 275 مقعدا بعد ان قاطعوا الانتخابات في يناير كانون الثاني من العام الماضي.

وقال حازم النعيمي الاستاذ بجامعة المستنصرية ان الجعفري يحتاج لتشكيل حكومة من الفنيين المطلوبين في مناصب رئيسية والحاجة الى العلمانيين غير الملتزمين بجدول أعمال طائفي أكثر في أماكن مهمة مثل وزارة الداخلية.

لكن ذلك لن يكون سهلا على زعيم كان أسلوبه في التعامل مع الازمة اثناء فترة ولايته الاولى التي استمرت عشرة أشهر هو الدبلوماسية الهادئة التي اعقبتها وعود حكومية كبيرة وانجازات محدودة.

والسيطرة على وزارة الداخلية من المتوقع أن تكون واحدة من اعنف المعارك مع محاولة الجعفري تشكيل أول حكومة ذات فترة ولاية كاملة منذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003.

ويهيمن عليها المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق وهو حزب موال لايران وعلى صلة بميليشيا كتائب بدر التي يتهمها السنة بادارة فرق اعدام تقرها الحكومة التي يقودها الشيعة. وتنفي الحكومة هذا الاتهام.

وتعهد الجعفري بمكافحة الانتهاكات لكن ذلك قد يتطلب عملا ينطوي على مخاطر سياسية ضد ميليشيات مرتبطة بأعضاء في الائتلاف الشيعي.

وقال ليث كبة المتحدث باسم الحكومة هذا الاسبوع ملقيا الضوء على المشكلات المتوقعة ان النظام السياسي الراهن الذي يسمح للاحزاب بالحصول على وزارات يجعل من المستحيل على الجعفري أن يسيطر على وزارة الداخلية.

وتخفيف قبضة الاحزاب الشيعية والكردية على الوزارات أمر حيوي لكسب تأييد السنة الذين يتهمون المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق بانتهاج سياسة طائفية تتمثل في اعطاء المناصب الافضل لاعضائه وابعاد الاقلية السنية.

وينفي المجلس الذي يفتقر للشعبية بين العديد من السنة لعلاقاته الوثيقة مع ايران العدو السابق للعراق هذه الاتهامات.

ويهون بعض أعضائه من شأن الانقسامات داخل الائتلاف الشيعي الذي يضم كذلك رجل الدين مقتدى الصدر الزعيم المتمرد السابق الذي تمرد على القوات الامريكية والعراقية.

والجعفري يحظى بمساندة الصدر لكن الزعيم الشاب من الصعب التكهن مسبقا بتصرفاته.

وقال رضا جواد تقي العضو باللجنة السياسية للمجلس ان هناك الكثير من الصعوبات لكنه يعتقد أن بالامكان التغلب عليها مذكرا بأن الحكومة كانت مؤقتة وان ذلك يمثل مشكلة قائلا "هذه ليست سويسرا".

ولم يعرض الجعفري من جانبه دلائل تذكر على كيف يعتزم التعامل مع عمليات التفجير الانتحارية واطلاق النار اليومية وانعاش الاقتصاد المدمر الذي لا يجتذب المستثمرين.

وقال في مؤتمر صحفي هذا الاسبوع انه سيواصل بناء قوات الامن وتحقيق الاستقرار السياسي والعمل على تشكيل حكومة قوية لتحسين الاداء بالعمل الجماعي.

لكن وعوده لم تبعث على الارتياح بين أشخاص مثل نزهان علوان في بلدة بلد شمالي بغداد.

وخلص علوان بعد ان قتل مسلحون ثمانية من أقاربه يوم الثلاثاء منهم طفلة في الخامسة من عمرها الى انه مستهدف ببساطة لانه شيعي.

وتساءل قائلا "ليس لنا أي علاقة بالامريكيين لسنا متعاقدين معهم لا صلة لنا بالشرطة أو الجيش فماذا يمكن ان يكون السبب غير ذلك؟"

واحتدمت الصراعات الطائفية فيما يرجع جزئيا للجدل الذي ثار بشأن الدستور. فالاقلية السنية تريد ادخال تعديلات على بنود تتعلق بالفيدرالية التي يخشون قد تعطي الشيعة والاكراد سلطات كبيرة وسيطرة على الثروة النفطية العراقية.

وتشكيل حكومة مركزية قوية ربما يكون ما يحتاجه الجعفري لمساعدته في تحقيق الاستقرار في البلاد. لكن ذلك قد لا يكون ممكنا في ظل الدستور القائم.

وقال الاخضر الابراهيمي مسؤول الامم المتحدة الذي أسس العملية السياسية التي قادت الى الانتخابات في العراق لصحيفة الشرق الاوسط ان جميع المراقبين ينتقدون ان الدستور يوجد حكومة مركزية ضعيفة إذ ان الحكومات المحلية تتمتع بما يشبه الحكم الذاتي وهناك مشكلة انتشار التمرد.

وأضاف ان كل ذلك قد يقود الى تقسيم البلاد واستمرار وجود الانقسامات بدلا من انهائها.

بدوره اكد رئيس قائمة الائتلاف العراقي الموحد عبد العزيز الحكيم عدم وجود خطوط حمراء امام اي جهة للمشاركة في الحكومة القادمة في العراق مشددا على عدم التنازل عما اسماه الثوابت المتضمنة الالتزام بالحرية والدستور واجتثاث البعث.

وقال الحكيم ي تصريح للصحفيين عقب زيارة للمرجع الاعلى للشيعة في العراق علي السيستاني في النجف انه اطلع السيستاني على التطورات في الساحة العراقية وما توصلت اليه العملية السياسية في البلاد. واضاف الحكيم ان الية تشكيل الحكومة شخصت في الدستور وستجري اولا مباحثات مع الاطراف المختلفة وبعد ان يحصل التوافق يجب ان يجتمع البرلمان خلال 15 يوما وبعد ذلك سيتم تشكيل مجلس الرئاسة باغلبية الثلثين مضيفا ان الخطوة التالية هي تشكيل الحكومة العراقية وان الائتلاف عين رئيسا للوزراء. وعن توزيع الوزارات قال الحكيم انه "لم يتم حتى الان توزيع المناصب الوزارية وان تشكيل الحكومة يحتاج الى مباحثات مركزة ". وعن وجود خطوط حمراء ضد جهة معينة اثناء تشكيل الحكومة قال الحكيم "لم اسمع باي خطوط حمراء وان الجميع يعتقد بحكومة المشاركة" مشددا على عدم التنازل عن الثوابت التي "بيناها تكرارا وسوف نسير في العملية السياسية حتى النهاية".

من جهته قال الرئيس العراقي جلال طالباني انه ليس هناك استبعاد لقائمة الائتلاف العراقي الموحد معتبرا "اننا من دون الائتلاف لا نستطيع القيام بأي عمل جدي". واعرب طالباني بمؤتمر صحافي مشترك مع رئيس القائمة العراقية اياد علاوي والامين العام للحزب الاسلامي طارق الهاشمي عن امله بعقد اجتماع يضم الائتلاف والتحالف الكردستاني والمجلس المشترك للعمل الوطني الذي شكلته القائمة وجبهتي الحوار الوطني والتوافق العراقية قائلا ان "القرار ليس متوقفا علينا بل متوقف على الائتلاف". وجدد طالباني خلال رفضه وضع خطوط حمراء على مشاركة اي من الكتل السياسية في تشكيل الحكومة المقبلة قائلا "من يصر على وضع خطوط حمراء يضع نفسه هو خارج هذه الخطوط". وأكد "ان الاجتماعات مع قادة الكتل السياسية ستستمر حتى يتم حل جميع المشكلات" مشيرا الى "برنامج مطروح على الائتلاف وهو ان يوافق على ان تكون الحكومة حكومة مشاركة فعلية تضم القوائم الفائزة بالانتخابات وان تقوم معا بحل جميع المشكلات". وذكر "ان الاستحقاق الوطني هو السائد في رسم السياسة وتقرير المصير وادارة وقيادة البلاد اما الاستحقاق الانتخابي فيقبل في توزيع المناصب". واكد طالباني انه "من المبكر جدا الحديث عن المناصب السيادية" موضحا "اننا نريد الان ان نتفق على المباديء الاساسية وبعد ذلك تاتي مسالة المناصب". وقال "سادعو قريبا رؤساء الكتل السياسية الى اجتماع للاتفاق معهم على تحديد موعد لعقد اول جلسة للبرلمان الجديد".

والايام القادمة حبلى بالكثير من المشكلات بسبب تعقد التحالفات ورفض الكثير من الجهات الداخلية والخارجية لتصدي الجعفري لرئاسة الوزراء خصوصا انه قادم بالاستناد الى قوة التيار الصدري وحمايته.

شبكة النبأ المعلوماتية -الجمعة 17  /شباط /2006 -18 /محرم الحرام/1427