الرسوم المسيئة تثير جدلا عربيا داخليا وتساؤلات عن الديمقراطية والحريات

دفعت موجة الغضب العارمة التي اجتاحت العالم الاسلامي احتجاجا على رسوم كاريكاتير تسخر من النبي محمد كثيرين في الشرق الاوسط الى التساؤل بشأن ندرة التعبئة الاسلامية لمواجهة قضايا ملحة اخرى مثل الديمقراطية وحقوق الانسان.

فلم تشهد المنطقة التي يهيمن على معظمها حكام يتمتعون بسلطات مطلقة قوة دافعة تذكر للتظاهر ضد القيود المفروضة على الحريات السياسية او معدلات البطالة العالية او انتهاكات حقوق الانسان التي تكشف عنها المنظمات الدولية بشكل متواتر.

غير ان الالاف خرجوا الى شوارع عواصم الشرق الاوسط احتجاجا على الرسوم الكاريكاتيرية التي نشرت اول الامر في صحيفة دنمركية ثم اعادت نشرها عدة صحف اوروبية اخرى.

واحرق المتظاهرون اعلاما لدول اوروبية ورددوا شعارات مناهضة للغرب كما احرقوا السفارة الدنمركية والنروجية في سوريا والمبنى الذي يضم القنصلية الدنمركية في بيروت.

وكتب علي مهدي في رسالة نشرتها صحيفة السفير اللبنانية "لماذا الان فقط كل هذا التضامن الذي نشاهده اليوم لصور... اعتبرتموها هي فقط مسيئة للنبي الكريم."

واضاف "اليست صور الظلم والعذاب والامية وتقديس الحكام وكم الافواه وتقييد الحريات تعتبر اهانة لنبينا الاعظم...الذي حث على احترام حقوق الانسان.."

وكان تقرير للامم المتحدة قد ذكر في سبتمبر ايلول ان من غير المرجح ان يحقق العالم العربي اهداف المنظمة الدولية الخاصة بمكافحة الفقر والجوع والبطالة بحلول عام 2015 لأسباب قال ان من بينها التوزيع غير العادل للثروات.

ونشرت عدة مدونات الكترونية عربية الرسوم واستضافت نقاشات على الانترنت حولها كما تداول العديد من المسلمين اصحاب الميول اليسارية والعلمانية الرسوم عبر البريد الالكتروني.

وكتب احد المصريين في مدونته على الانترنت "ما الجدوى ان اغضب للنبي وفي حارتي الف فقير لا يملكون الا الصلاة على النبي."

واضاف في مدونته التي تحمل عنوان العدالة للجميع "ما جدوى ان انشر مليون رسالة عن (عظمة) النبي وانا اتبول على نفسي عندما تمر عربة الشرطة خلف بيتي."

كما كتبت امرأة عراقية تعرفها مدونتها باسم فايزة العرجي ان العرب والمسلمين مهتمون بالرسومات اكثر من الوجود العسكري الامريكي في العراق والاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية.

واوحى رسام كاريكاتير اردني بالرسالة نفسها عندما رسم صورة لرجل عربي عملاق يحمل لافتة تدعو لمقاطعة السلع الدنمركية في حين يمر طابور من الدبابات الامريكية بين ساقيه.

غير ان جهاد الخازن الكاتب البارز في صحيفة الحياة التي تصدر في لندن قال ان هناك اجماعا بين المسلمين على ان الرسوم اساءت لدينهم وهي ميزة لا تتمتع بها قضايا اخرى مثل الديمقراطية والسياسة.

وقال الخازن لرويترز "اكثر من مليار مسلم في كل بلادهم يجمعون على ان الرسوم اهانت دينهم ونبيهم وهم يرفضون ذلك. ليس هناك اجماع على الديمقراطية. بعض العرب يقول ان الديمقراطية واردة من الغرب وفاسدة..لا نستطيع ان نفصل دنيانا على قياس الاخرين."

ويصور احد الرسوم الكاريكاتيرية النبي واضعا على رأسه عمامة على شكل قنبلة.

بيد ان المحلل السياسي اللبناني اسامة صفا كان له رأي مغاير.

وقال صفا "معظم المظاهرات كانت مباركة ان لم تكن منظمة من قبل الانظمة المحلية التي تشجع مثل هذه الاعمال طالما انها لا تمس امن النظام او تهدده."

واضاف صفا ان "معدل البطالة العالية في المنطقة يرغم العديد من الشباب العربي على وضع مطالبتهم بالديمقراطية وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية في مرتبة اسفل على قائمة اولوياتهم."

وكان تقرير الامم المتحدة قد ذكر ان معدل البطالة بين الشبان العرب عام 2004 قد بلغ 21 بالمئة وهو ما يزيد على ضعفي معدل البطالة بين البالغين.

وعلقت نورا مراد وهي ناشطة سياسية لبنانية قائلة "يفضل الناس المشاركة في مظاهرة لن تغضب السلطات المحلية بدلا من المخاطرة بالقليل الذي يملكونه."

ويهاجم كتاب مدونات سعوديون الحكومة في عالم الانترنت مجهول الهوية بسبب ما يعتبرونه دورها في اثارة المسلمين في شتى انحاء العالم بسبب رسوم كاريكاتيرية للنبي محمد.

ويعرض هؤلاء افكارهم باللغة الانجليزية بشكل اساسي. وهي افكار لا يجرؤ احد على التعبير عنها في وسائل الاعلام السعودية المملوكة للدولة. ويتهم هؤلاء الكتاب السلطات السعودية باستغلال الرسوم بعد شهور من نشرها لاول مرة وتجاهل القضايا الاسلامية.

وقال سعودي اطلق على نفسه اسم جو "لا اتذكر حدوث رد فعل مماثل حينما تعرضت افغانستان والعراق للغزو.. وأهم من ذلك لم أر أي شيء يجرى بالنسبة للقضية الفلسطينية الى جانب المعاونة المالية".

وجاء الغضب العالمي بشأن الرسوم بعدما استدعت المملكة العربية السعودية سفيرها من الدنمرك الشهر الماضي استجابة للضغوط من جانب رجال الدين والحملة الشعبية ضد المنتجات الدنمركية في السعودية.

وعلى مدى اسابيع كانت هناك احتجاجات اغلبها عنيف في مختلف انحاء العالم الاسلامي واحرقت بعثات دبلوماسية دنمركية في سوريا ولبنان وايران.

وقالت فرح بشكل ساخر على مدونات"لم ينتابني هذا الاجلال لحالة الوحدة التي بدأت اشهدها اخيرا بين المناطق والقبائل والقرى في شبه الجزيرة العربية والتي هي متنافرة في العادة.. ولكن الان كل ما يمكننا قوله أو نفكر فيه هو.. هؤلاء الدنمركيين الملاعين.. اقضوا عليهم.. اهجموا."

وتخضع الانترنت لرقابة صارمة في المملكة ولكن كثيرا من الشبان يتمكنون من تجاوز المراقب الحكومي من خلال الاجهزة الخادمة الوكيلة. وبعض كتاب المدونات السعوديين على الانترنت مفوهون للغاية. وتم بالفعل اغلاق بعض المدونات السعودية.

وقال احد الكتاب سمى نفسه "الشرطي الديني" ان الحكومة تريد تشتيت الانتباه عن وفاة 436 حاجا في يناير كانون الثاني خلال موسم الحج.

واضاف "لكي يتم تشتيت انتباه الرأي العام عن الوفاة المؤسفة لعدد صغير من الحجاج فان الصحف السعودية تحيي موضوع الرسوم الذي ثار قبل اربعة شهور."

وكتب اخر يطلق على نفسه اسم "الرأي الموجه" يقول "لماذا لا أفهم كيف تصاعدت هذه القضية بعدما ظلت موجودة لمدة شهور."

وقال "من العبث اننا الان صرنا معروفين باننا نغضب أكثر بسبب هذه الرسوم مما نغضب من الفقر والاحتلال والارهاب والحرب والاضطهاد."

بدوره قال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الامريكية ان رد فعل الولايات المتحدة واوروبا تجاه الجدل بشأن الرسوم التي تصور النبي محمد يجب ان يكون تكثيف الجهود من اجل الاصلاح في الشرق الاوسط.

واتهم دان فرايد مساعد وزيرة الخارجية الامريكية لشؤون اوروبا ايران وسوريا بتأجيج الغضب الشعبي على الرسوم وقال ان الجدل يبرز الحاجة لدور اكبر لمسلمين معتدلين في المنطقة.

وقال فرايد الذي كان موجودا في اوروبا للتشاور مع عدد من الحكومات بشأن كيفية تهدئة التوتر الذي اثارته الرسوم التي نشرت في عديد من الصحف الاوروبية "احد ردود فعلنا في هذه القضية يجب ان يكون بذل مزيد من الجهود لمساندة الديمقراطية والاصلاح والاصلاحيين."

واضاف في مؤتمر صحفي انه يتعين "الا نترك الاعتقاد يسود بان الاصوات الوحيدة في الشرق الاوسط ردا على تلك الرسوم هي اصوات التطرف عديم التفكير او المشكك والمحرض لانني مقتنع بانها ليست كذلك."

ويرتبط الاتحاد الاوروبي منذ عقد مع عشر دول في حوض البحر المتوسط بشراكة في المجالات التجارية والسياسية والحوار الثقافي.

شبكة النبأ المعلوماتية -الخميس 16  /شباط /2006 -17 /محرم الحرام/1427