غونتر غراس الألماني يعطي لأدونيس ومحمود درويش درسا في الجرأة والشجاعة

يمثل كتاب (الحيوان الباكي) مسرحا تتشابك عليه رؤى وأفكار طرفي نقيض حول قضايا تبدأ بالسياسة وتنتهي بها أيضا فيما يخص علاقة الغرب واسرائيل بمحارق النازي ونظرة اللبنانيين للحرب الاهلية وصولا الى حالة الاستلاب لدى بعض الادباء العرب.

مؤلف الكتاب الالماني ميشائيل كليبرج كان حريصا على أن يبدو موضوعيا لكن رؤيته بدت في بعض لحظات عفويته كأنها من ميراث الروح الاستشراقية.

وترجم الكتاب الى العربية المترجم المصري المقيم في ألمانيا سمير جريس الذي زار القاهرة في الآونة الاخيرة مشاركا في أنشطة نظمها معهد جوته بمصر بمناسبة اختيار ألمانيا أول ضيف شرف لمعرض القاهرة الدولي للكتاب الذي انتهت دورته الثامنة والثلاثون الجمعة الماضي.

والكتاب الذي يقع في 169 صفحة متوسطة القطع حمل عنوانه الفرعي (يوميات الرحلة اللبنانية) وصدر في دمشق عن دار كنعان بالتعاون مع مشروع ليتريكس لدعم ترجمة الادب الالماني ومؤسسة الثقافة الاتحادية ضمن برنامج (ديوان الشرق والغرب) الذي تموله الحكومة الالمانية وينظمه معهد جوته. ويدعم البرنامج فكرة حوار الثقافات من خلال قضاء كاتب عربي بضعة أسابيع في برلين يرافقه كاتب ألماني يرد الزيارة لاحقا.

هكذا جاء كليبرج (47 عاما) ليرد زيارة الشاعر اللبناني عباس بيضون (61 عاما) ويرصد بذكاء محاورات بيضون واخرين في مقدمتهم الروائي رشيد الضعيف.

في الصفحات الاولى يقول ان موقفه "المبدئي مؤيد لاسرائيل... رغم جهلي بالشرق الاوسط وبالبلاد العربية أو الاسلامية أو ربما بسبب ذلك كان شرطي الوحيد ألا يجمعوني بعربي يرفع شعار.. الموت لليهود." لكنه امتلك الشجاعة ليعترف أيضا بسطوة الاساطير على أفكاره الشخصية اذ " يمثل العهد القديم منبعا لتاريخنا. ومعه يقفز اللاهوت الميثولوجي قفزة الى أوروبا التي تغدو مسرحا لكل شيء... ربما يستغل الاسرائيليون هذه الاساطير أبشع استغلال حتى يغتصبوا قطعة أرض ليست لهم. ولكن هذه الاساطير تحديدا هي الموجودة لدي والمترسخة في أعماق لا تستطيع أي محاجاة عقلية الوصول اليها."

وسجل حديثا دار في مطعم ببرلين بين شخصين قال أولهما ان "الفلسطينيين يلقون العذاب" فرد الاخر "صحيح ولكن هل ينبغي على العرب أيضا أن يعانوا من الهولوكوست الذي تسببنا نحن فيه وذلك باغتصاب أراضيهم رغم أنهم لم يذنبوا في شيء بحق اليهود؟" كما سجل تعريف وزير الخارجية الالمانية السابق يوشكا فيشر للهولوكوست أو المحارق التي تعرض لها غجر ويهود على يد النازي بأنها الرابطة التي تجمع الالمان. في مقابلته مع المفكر الفرنسي اليهودي المعروف بمعاداته للعرب برنار هنري ليفي "الذي كان قد سأل الوزير عن الرابطة التي تجمع الالمان معا.. القاسم المشترك للالمان.. الشيء المناظر لعام (الثورة) 1789 بالنسبة الى الفرنسيين. انذاك رد فيشر.. الهولوكوست تمثل ذلك بالنسبة للالمان المعاصرين."

هنا علق الضعيف وهو أستاذ جامعي مرموق "ولكن دولة تقوم على الهولوكوست لا يمكن أن تسير سوى الى غاية واحدة.. أن تختفي."

وحكى له الضعيف عن وجود الجنود الاسرائيليين فوق دبابات كانت تخترق شارع الحمراء "عن الاحتقار الفظيع في نظرتهم التي أرسلوها الى الجنس الادنى من البشر... لم تكن هذه نظرة من انسان الى انسان."

وقال كليبرج ان الضعيف "له نظرية مرعبة فيما يخص اسرائيل. انها دولة لا يمكن أن تستمر على قيد الحياة الا بالحروب وفي حالة حرب... أتعلم ما هي اسرائيل.. جيش و150 عائلة... اذا عم السلام وأصبحت اسرائيل دولة علمانية ديمقراطية بدون نظام فصل عنصري فانها ستختفي من الوجود خلال جيلين."

ويبدي المؤلف الالماني دهشته من القاء جميع من قابلهم اللوم على الاسرائيليين باعتبارهم "المذنبين الرئيسيين في الصراع الفلسطيني. هذا أمر ببساطة لا أقبله."

ويوضح له بيضون أن المنطقة العربية في حالة جمود منذ نصف قرن ولا ديمقراطية بدون "حل القضية الفلسطينية. الشعوب العربية كلها رهينة أنظمتها طالما بقيت هذه المشكلة بلا حل." كما يشير الى تحمل المثقف العربي جانبا من المسؤولية عن ذلك مدللا بلقاء أدبي في اليمن شارك فيه مع كتاب بارزين وفيه أعطى جونتر جراس الالماني الحائز على جائزة نوبل الشاعرين الكبيرين أدونيس ومحمود درويش "درسا في الجرأة والشجاعة الادبية حيث تحدث أمام الرئيس اليمني (علي عبد الله صالح) عن كاتب يلاحقه المتدينون وهو ما لم يخطر على بال الشاعرين أبدا رغم علمهما بالقضية ورغم نفوذهما الواسع."

شبكة النبأ المعلوماتية -الثلاثاء 14  /شباط /2006 -15 /محرم الحرام/1427