كثيراً ما ترفع التيارات والتكتلات بمختلف توجهاتها وانتمائتها
السياسية والدينية والثقافية شعارات ومفاهيم مذيلة بكلمة أولاً , وكل
تيار يطرح شعاره بحسب نظرته لأولوليات عمله الحزبي أو الوطني أو الدعوي
وهو ما اعتاد عليه حراك التغيير والتجديد , الا أنه من المؤسف أن تجد
بعض من هذه الشعارات في بلادنا الحبيبة تخرج كرد فعل استفزازي مضاد على
الطرف الآخر لخلط الاوراق أو لمآرب سياسية وطائفية.
إن لحركة إطلاق الشعارات في البحرين وغيرها من المجتمعات لها
أسبابها ودوافعها الواقعية والحقوقية والمطلبية , كما أن لهذه الشعارات
تزامن مع المفاهيم التي تطرحها وتطالب بها المنظمات الحقوقية العالمية
بصرف النظر عن المضامين والمقاصد وما ترنو اليه هذه الجماعات الا أن
هذه المفاهيم تصب في الحريات والحقوق الإنسانية لبني البشر على العكس
مما نسمعه من الساسة والحكام باطلاق شعارات فضفاضة لا تغني ولاتسمن من
جوع بل أن شعاراتهم أضحت واضحة للجميع وخذ القطر العراقي مثالاً على
ذلك لما يحصل فيه من إحتلال وتدمير وانتهاك لحقوق الإنسان , والشعار
الحقيقي والصادق هو الذي يلامس الواقع ويلبي حاجة المجتمع بجميع
مكوناته.
ونحن نعيش أجواء ذكرى الملحمة الحسينية في هذه الأيام نسمع تفاصيلها
ونقرأ في أدبياتها وأخلاقياتها نجد أن الثورة الحسينية ثورة إصلاحية
حضارية لم تغب عنها الشعارات والمفاهيم الإنسانية الحضارية من مفاهيم
الحرية وحقوق الإنسان ومبادئ التغيير والثورية ومحاربة الفساد والباطل
وقامت الثورة على أساس مفهوم واسع وهو شعار الإصلاح والعدالة (إنما
خرجت لطلب الإصلاح) كما أن الإمام الحسين (ع) أسس شعاراً خالداً يدعو
للإصرار والثبات بالمواقف ولازال يردده الاحرار والمستضعفون في العالم
وهو(هَيْهَات مِنَّا الذلَّة) الذي يدل على العزة والكرامة والإباء وهو
ما يجب أن يتعلمه كل إنسان حر من الثورة الحسينية الإصلاحية لتحقيق
أهدافه أياً كانت هذه الأهداف حقوقية أم سياسية أم دينية.
ومن الشعارات والمفاهيم والكلمات الخالدة التي جاءت في خطابات
الحسين (ع) قبل يوم العاشر وحين القتال , شعارات وكلمات كانت تدل وتوضح
مدى قوة المبدأ والثبات لمعسكر الإصلاح الحسيني الذي يبينها في هذه
الكلمة (لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد) ,
وبعضها توضح مدى إصرارالإمام الحسين لمحاربة الظلم والظالمين والفاسدين
(على الإسلام السلام، إذ بُليت الأمة براع مثل يزييد) , (لا أرى الموت
إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما) , وتأكيده على مفهوم الحرية
والحوار حتى مع العدو والخصم (ما كنت أبدأهم بالقتال) , (إن لم يكن لكم
دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم).
وهناك الكثير من الأدبيات والكلمات دونها التاريخ عن المواقف
والمبادئ للثورة الحسينية الإصلاحية رغم قوة التضليل الإعلامي الأموي.
خلاصة الأمر أن الإمام الحسين منذ تلك الملحمة التاريخية قد سبق
الشرق والغرب وسبق العولمة والدمقرطة ليس في إطلاق وسن الشعارات
والمفاهيم فحسب بل في تفعيلها وتطبيقها على أمر الواقع ومن أهمها أن
الروح الحسينية الإصلاحية منذ ذلك اليوم الى يومنا هذا لازالت باقية
حية محتفظة بمبادئها ومواقفها الإنسانية , متجددة العطاء مطالبةً
بالتغيير وحفظ القيم وتحرير الإنسان وإن جاز لنا أن نرفع شعاراً لموسم
عاشوراء هذا العام لرفعنا شعار (الكرامة أولاً) لما لهذا الملف من
خطورة على الجميع وإلا كيف نفهم الإصلاح وتطبيق العدالة !,وكرامة
الإنسان منتهكة ومهانة ؟! |