هل تمسك أمريكا العصا من الوسط في قضية الصور المسيئة للاسلام ؟!

اكدت ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش التي تحاول تبني موقفا متوازنا انها تتفهم غضب المسلمين ضد الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد لكنها تأمل ايضا في ادانة "خطاب الكراهية" ضد المسيحيين واليهود.

وقال سكوت ماكليلان المتحدث باسم الرئاسة الاميركية التي اربكتها قضية الرسوم الكاريكاتورية للصحافيين الاثنين "نتفهم تماما ان يعتبر بعض الاشخاص ان يعتبر مسلمون هذه الرسوم مهينة". واضاف "لكننا ندين ايضا كل اعمال العنف المرتبطة (...) بهذه الرسوم ايا كان مصدرها". واكد المتحدث الرئاسي الاميركي "نود ايضا ان يعبر الناس الذي ينتقدون هذه الرسوم عن معارضتهم بقوة كل خطاب ينم عن كراهية بما في ذلك الرسوم والمقالات في العالم العربي التي تتبنى في معظم الاحيان وجهات نظر معادية للسامية ومعادية للمسيحيين".

وتعكس هذه التصريحات بعض التراجع في حدة الخطاب الرسمي الاميركي.

وكغيرها من حكومات اوروبا تشعر الادارة الاميركية بالارتباك بسبب العنف الذي ادت اليه الرسوم الكاريكاتورية. وهي تبدو مترددة بين الدفاع عن حرية التعبير ودعم حلفائها الاوروبيين ومن بينهم الدنمارك التي تنشر جنودا في العراق من جهة واحترام الديانات والضرورات السياسية في الشرق الاوسط حيث لا ترى اي مصلحة في تأجيج الكراهية ضد الاجانب.

وشدد ماكليلان على "اهمية حق الناس في التعبير عن افكارهم وحرية الكلام في المجتمع". لكن في بلد يشكل فيه الدين موضوعا مهما للجدل السياسي اعتبر ان هذه المبادئ تترافق مع "مسؤوليات" مؤكدا انه "من المهم وجود تسامح واحترام الافراد من جميع المجموعات وجميع المعتقدات الدينية". وكانت وزارة الخارجية الاميركية اكتفت الجمعة بالقول ان التحريض على الكراهية الذي تمثله الرسوم الكاريكاتورية غير مقبول. ومع تصاعد التوتر غير البيت الابيض تدريجيا خطابه. وقد لاحظ البيت الابيض ان اعمال العنف اندلعت في بعض الدول خصوصا في سوريا التي تخضع لضغوط اميركية شديدة ولبنان الذي تحاول واشنطن تخليصه من النفوذ السوري وافغانستان والاراضي الفلسطينية حيث يحاول الاميركيون تسوية النزاع. وحول عمليات التخريب والحرق التي طالت السبت مبنى يضم سفارتي الدنمارك والسويد في دمشق اتهم المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية شون ماكورماك مجددا نظام الرئيس بشار الاسد بتنظيم هذه التظاهرات. وقال ان "سوريا ليست بلدا تجري فيه تظاهرات عفوية". واضاف "على حد علمي لم تعبر سوريا عن اسفها ولا عن اي اعتذار لاي من الحكومتين لما حدث لسفارتيهما" داعيا الى "التسامح وليس الى العنف". ويمكن لهذا الموقف ان يتغير اذا مست المصالح الدبلوماسية الاميركية. وحاليا تؤكد الادارة الاميركية "تضامنها" مع حلفائها الاوروبيين وتدعو في الوقت نفسه الى "حوار بناء وسلمي يشدد على احترام كل المعتقدات الدينية".

وقال ماكورماك ان وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس اجرت اتصالا هاتفيا في عطلة نهاية الاسبوع مه نظيريها النروجي والدنماركي للتعبير عن تضامن الولايات المتحدة معهما.

على صعيد مشابه انتقدت الولايات المتحدة المسابقة التي تريد ايران تنظيمها للرسوم الكاريكاتورية عن محرقة اليهود ردا على نشر رسوم من هذا النوع للنبي محمد معتبرة انها "مشينة". ورأى المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية شون ماكورماك ان هذه المبادرة التي اتخذتها الصحيفة الاوسع انتشارا في ايران تشكل امتدادا لخطاب الرئيس محمود احمدي نجاد المعادي لاسرائيل. وقال ان "اي محاولة للتهكم او لنفي فظاعة محرقة اليهود مشينة". واكد ماكورماك دعم الولايات المتحدة لحرية التعبير في العالم بما في ذلك في ايران لكنه رأى انه لا مجال للمقارنة بين صحيفة "همشهري" التي تنظم المسابقة والصحيفة الدنماركية التي نشرت الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد. وقال "لا اعتقد ان اي شخص في العالم يمكن ان يقارن بين +حرية الصحافة+ في ايران وحرية الصحافة في اوروبا الغربية والولايات المتحدة". واكد ماكورماك ان اعلان "همشهري" عن هذه المسابقة ليس صدفة. وقال "اعتقد اننا نسمع صوت الرئيس احمدي نجاد في اقتراح هذه الصحيفة".

وفي السياق نفسه نشرت صحيفة "واشنطن تايمز" الاميركية المحافظة الاربعاء اطارا فارغا ارفقته بتعليق يندد بفتور الرد الاميركي على الجدل حول رسوم النبي محمد فيما استقال رؤساء تحرير الاسبوعية "نيويورك برس" احتجاجا على قرار عدم نشر الرسوم. وكتبت "واشنطن تايمز" تحت الاطار الفارغ في صفحة مخصصة للافتتاحيات "حرية التعبير الاميركية كما تمارس في الوقت الحاضر في مواجهة خطر العنف الاسلامي". ورافق الاطار افتتاحية انتقدت موقف البيت الابيض الملتبس عند اندلاع الازمة حيث لم يعلن تاييده للدنمارك سوى متأخرا ما سدد ضربة لـ "تصميم اوروبا على حماية الحضارة الغربية". واعتبرت الصحيفة انه يجدر بالحكومة الاميركية تقديم دعم اكبر للحكومات الاوروبية التي تتركز عليها الهجمات في العالم الاسلامي. وكتبت ان "اوروبا تدرك في نهاية الامر المشكلة هو ما كانت تريده الولايات المتحدة وهذا يعني الحصول على تعزيزات في الحرب على الارهابيين".

وفي نيويورك استقال رؤساء تحرير "نيويورك برس" الاربعاء احتجاجا على قرار ناشري الاسبوعية عدم نشر رسوم النبي محمد. وكتب رئيس التحرير هاري سيغل ان "نيويورك برس شأنها شأن العديد من المنشورات الاخرى خانت المبادئ التي تدعو اليها" مبررا قرار الاستقالة بضرورة الدفاع عن حرية الصحافة. وابدت المجموعة اسفها لان الصحيفة لم تجد "الحد الادنى الضروري من الشجاعة لاعادة نشر الرسوم البسيطة وغير المسيئة بدرجة استثنائية التي لا تزال حتى اليوم ذريعة لاعمال عنف ضخمة وخطيرة جدا ضد الصحافيين والرسامين والمتطوعين في منظمات انسانية والدبلوماسيين وكل من يمثل قيم الغرب".

وقرر سيغل والمسؤول الاداري والمسؤول عن الفنون والمشرف على تغطية اخبار بلدية نيويورك وكلهم اعضاء في هيئة التحرير تقديم استقالتهم بعد تلقي امر بسحب الرسوم التي كان من المقرر نشرها في عدد خاص. و"نيويورك برس" هي ثاني اسبوعية توزع مجانا في نيويورك. ولم تنشر الرسوم التي اثارت موجة استنكار وعنف في العالم الاسلامي في الولايات المتحدة بصورة عامة. وحدها صحيفة "فيلادلفيا انكوايرير" الصادرة على الساحل الشرقي نشرت واحدا منها ما اثار جدلا بين قرائها.

على الصعيد ذاته استقال محررو صحيفة صغيرة تصدر في نيويورك تسببت في انتقادات في العام الماضي عندما استخفت بصحة البابا يوحنا بولس الثاني بشأن ما وصفوه برفض مديريهم نشر رسوم كاريكاتير تصور النبي محمد.

وأثارت الرسوم غضب بعض المسلمين واحتجاجات عنيفة عند سفارات الدنمرك واهداف اوروبية اخرى في الشرق الاوسط.  وقال هاري سيجيل في مقال نشر في موقع صحيفة نيويورك اوبزرفر على الانترنت يوم الاربعاء انه وثلاثة من زملائه في مجلس تحرير نيويورك برس استقالوا بعد ان صدرت اليهم الاوامر بعدم نشر رسوم الكاريكاتير في عدد مخصص للموضوع المثير للجدل.

وكتب سيجيل "نيويورك برس مثل مطبوعات اخرى كثيرة تجاوزت مبادئها المعلنة." وقال بيتر بوليمينو مدير عام صحيفة نيويورك برس ان الصور ليست حيوية للسماح للقراء بتكوين رأي بشأن القضية ونشرها يمكن ان "يشعل أكثر نيران موقف مشتعل." وقال بوليمينو في بيان "توصلنا الى نفس النتيجة مثل أي صحف مسؤولة اخرى ومنافذ اعلام اختارت عدم نشر الرسوم الدنمركية."

وصحيفة نيويورك برس لها تاريخ في اثارة مثل هذه القضايا. وفي العام الماضي تعرضت لانتقادات لانها استخفت بصحة البابا يوحنا بولس الثاني في أحد الاعمدة. ثم عوقب المحرر جيف كوين واختار الاستقالة بدلا من قبول ايقافه عن العمل.

شبكة النبأ المعلوماتية -الاحد 12   /شباط /2006 -13 /محرم الحرام/1427