1
اصبحت الجرأة على الله نوعا من انواع الرؤيا المتفوقة والتمرد
والشطارة والالمعية واكتناه الغيب والاسرار وخصوصا في الشبكة
الالكترونية ، فكل من يلهث وراء غرائزه واسمال وجوده يرسل طردا بريديا
الكترونيا الى الله سبحانه وتعالى يتوعده فيه او يسخر من ذاته العلوية
متوهما نفسه ندا للخالق يكافئه في الخلق والقوة والارادة والجبروت…
في عالمنا الارضي الذي نراه رؤية اليقين ثمة بديهيات لا يكتنفها
اللبس ، فهل يجوز للحشرة الصغيرة الضئيلة الحجم مثلا ان تبعث برسالة
الى الجبل الشاهق تطالبه فيها ان يتزحزح من مكانه جانبا كيما تمر ، وهل
يجوز للقشة التي يكاد ان ينعدم وزنها ان تجابه الاعصار لتحرفه عن وجهته
او تغير اتجاهات سيره؟!
ان كانت تلك الحقائق البسيطة لا تخفى على كل ذي لب وبصيرة فلماذا
يخاطب البعض من الكتّاب الله جل جلاله (( وهو القاهر فوق عباده ))
الانعام 18 ، بكلمات لا تكلفة فيها ولا حتى القليل من ادب المجاملة
وكأنه صديقهم الذي يحاورونه في الطرقات والمتنزهات العامة وينادمونه في
البارات والمقاهي والمراقص ويطالبونه بتغيير ملكوته الموعود ، لا بل
يشترطون عليه ان يعيد ترتيب خرائط الابدية فثمة نقصان في هذا المعمار
الكوني وثمة عجالة في الخلق واختلال في التناسق ، على طريقة لماذا خلق
الله كذا ولم يخلق كذا........؟
البعض منهم اعرفه جيدا وقد امضيت معه فترة ليست بالقصيرة في العراق
، فقد كان معي جنديا يخاطب نائب الضابط بكلمة سيدي ويشدّد على نهايات
احرفها مع انحناءة تنمّ عن الطاعة العمياء والخضوع التام ، اما الان
وقد اصبح خارج العراق في بلاد الحريات حيث لا اثر لنواب الضباط ولا
للثكنات الموحشة التي ارتضى الخدمة فيها ذليلا صاغرا فلا بأس من ان
يثأر لنفسه ويبعث برسالة الى الله مباشرة بلا طوابع ولا بريد كوني ودون
اية وساطة ولا احم ولا دستور ، فحرية التعبير تقتضي ذلك وهذه الحرية
غير مشروطة في نظره وغير مرتهنة بمحددات ولا نهاية لها وهي مثل لعبة –
الجعاب – التي كنا نلعبها في الطفولة وضربة الطنب : بيك وبالخطة!!
2
اية حكمة تلك التي يتوخونها واي درس يقدمونه في الاخلاق ، واية عقد
تلك التي نقلوها الى دول اللجوء ، فما ان يعثر احدهم على امرأة وصلت
اليه بعد ان مرت بآلاف المحطات وآلاف الاسرة وبعد مهرجانات لا حصر لها
من التعري في غرف الاخرين حتى يقيم الدنيا على ساق واحدة ويدعو الى
ادراج اسمه في قاموس غينيس للارقام القياسية فهو قد وجد ضالته وحبه
العذري المفتقد في بلاده في فترة قياسية ثم يطالب الله بعد ذلك ان يغير
قانونه السماوي لأنه عثر على فردوسه الارضي ولا داعي لفردوس السماوات ،
هكذا فعل البعض حين نشر نصوصه موبخا الله على حورياته القبيحات وجنائنه
التي لا تضاهي جنائن حبيبته التي وجدها بلا خطبة ولا خاطبة ولا مقدم
ولا مؤخر ولا حامض حلو ولا شربت!!
فاذا كانت حريتك هذه مسوّرة بالخوف في زمن نائب الضابط فتعسا لها من
حرية تجد في الاساءة الى ذات الجلالة مخرجا من كوابيسها المزمنة.
اما البعض الاخر فانه يحشر الله حشرا في نصه ويضعه في دائرة الهزء
والسخرية – تعالى الله علوا كبيرا – ويقذفه بحجارة مكبوتاته ونوازعه
المرضية ، هكذا دون خشية من الخالق ، وبدلا من الدعاء والتضرع الى الله
ذي العرش المكين فقد رأى ان يستبدل الدعاء والتضرع بالايميل والفاكس في
عصر الوسائط الالكترونية والسبرانو وان يزاحم السماء برسائله المتواترة
والموتورة ونباحة الذي لا ينقطع وهو يظن كل الظن ان الملائكة الان في
شغل شاغل لتصنيف ما ابرقه الى السماوات العلى...
الم يقرأ قوله تعالى :
(( تعرج الملائكة والروح اليه )) المعارج 4
(( اليه يصعد الكلم الطيب )) فاطر 10
انها النفوس الضحلة ، الهشة ، المتهتكة ، المنغمسة في اللذائذ
الحسية حد التطرف والمصابة بجرب العقول ولزوجة الفحيح الكلبي.
لن امارس الوصاية على الاخر فالمرء حر في اختياره في ان يؤمن وفي ان
يلحد ، وفقا للقوا القول القائل :
مادمتَ محترما حقي فأنت اخي آمنتَ بالله ام آمنتَ بالحجرِ .
ولكنه ليس حرا في سفاهته وعقده واورامه المستعصية ، فسفاهته له
وحده وليس من حقه ان ينشر غسيله القذر على الاخرين والمصاب بعاهة او
سعار داخلي فمكانه المصحات وليس التقيؤ على الاخرين.
ان الجرأة في غير موقعها ادّعاء وكل مدعٍ لابد له من يفتري ويخوض مع
الخائضين في الغي والضلالة والاساءة الى معتقدات الاخرين ويقينهم
الروحي...
الم يجدوا غير اسم الله لكي يتسلوا به؟!
لقد فعلها احد الشعراء في العصر الحديث عندما اراد ان يجمع دعاوى
المظلومين والمضطهدين والمحرومين ويرفعها الى الله ولكنه كان يخشى من
ان الله اميا لا يجيد القراءة والكتابة فتلقفها السلف الصالح من كتابنا
ومثقفينا وبشروا بها!!
اللهمّ انّا نلوذ بأسمك واسمائك الحسنى وبأسمك الاعظم في حياتنا
ومماتنا ويوم لا ظل الا ظلك.
** الموضوع يتحدث عن ظاهرة وليس عن شخص بعينه.
استراليا
jawaai@yahoo.co.uk |