افادت منظمة الشفافية الدولية في لندن في تقرير خاص بقطاع الصحة ان
الفساد وتقليد الادوية والمنتجات الصيدلية يتسببان بوقوع الاف الضحايا
كل سنة في العالم.
واعلنت المنظمة غير الحكومية التي تتخذ من برلين مقرا لها ان
استئصال الفساد من قطاع الصحة هو "مسألة حيوية" بالنسبة لملايين
الفقراء.
واشارت باصابع الاتهام في تقريرها الى "متاهة الانظمة المعقدة وغير
الشفافة" التي تفسد نظام الصحة العالمي وتقدر ميزانيتها الاجمالية بحسب
المنظمة بثلاثة الاف مليار دولار (2400 مليار يورو).
وتساءلت رئيسة منظمة الشفافية هوغيت لابيل خلال مؤتمر صحافي في
العاصمة البريطانية "كيف نقيم ماليا وفاة طفل اثناء عملية جراحية لان
الحقنة التي كان يفترض ان تنعش عمل قلبه لم تكن تحتوي على مادة
الادرينالين بل على ماء؟".
وجاء في التقرير ان "الفساد معشش في كل حلقات سلسلة الخدمات الصحية
سواء في القطاع الخاص او العام" حتى ان بعض المستشفيات تحولت الى مراكز
"خدمة ذاتية" يستخدمها البعض للاثراء غير المشروع.
واوردت منظمة الشفافية الدولية مثل كوستاريكا مشيرة الى ان نحو 20%
من قرض دولي بقيمة اربعين مليون دولار (33 مليون يورو) مخصص لتجهيز هذا
البلد صحيا "اختفت في صناديق خاصة".
كما ذكرت المنظمة مثل اللجنة الوطنية لمكافحة الايدز في كينيا التي
تحولت الى "مصدر ثروات يستغله بعض كبار الموظفين" لصالحهم الخاص حصرا
من خلال "منظمات واجهة" انشئت خصيصا لاختلاس اموال تقدمها الاسرة
الدولية لمكافحة الايدز.
وقالت المنظمة في تقريرها إن الفساد يحرم الناس من الرعاية الطبية
اللازمة لهم ويشجع ظهور أمراض مقاومة للعقاقير، فيخلق بذلك دورة
متعاظمة باستمرار من الأوضاع الصحية المتجهة نحو الأسوأ.
ويكشف التقرير الذي أصدرته المنظمة من مقرها في برلين عن علاقة
مباشرة بين الفساد وسوء الرعاية الصحية في بعض البلدان.
وقال التقرير أن هناك علاقة بين الزيادة في الرشاوى التي يتلقاها
العاملون في القطاع الصحي الفليبيني وبين تقلص تلقيح الأطفال ضد
الأمراض بنسبة 20 بالمئة.
كما عزت منظمة الشفافية الدولية الانخفاض في مؤشرات الرعاية الصحية
في كمبوديا إلى اختلاس الأموال التي كان ينبغي إنفاقها على قطاع الصحة
العامة.
وقال التقرير إن الفساد شوه أيضاً أسواق المستحضرات الصيدلية وشجع
ظهور سوق سوداء للعقاقير المزيفة، وهما أمران كان لهما تأثير مباشر على
الأشخاص الذين كانوا يأملون في أن تخفف هذه العقاقير من آلامهم وتؤدي
إلى شفائهم.
وقال مدير منظمة الشفافية الدولية التنفيذي، ديفد نوسباوم: "من حق
الناس أن يتوقعوا أن تكون العقاقير التي يعتمدون عليها حقيقية."
وأضاف أن "من حقهم الاعتقاد بأن الأطباء يضعون مصلحة المريض فوق أي
ربح. والأهم من كل شيء أن من حقهم الاعتقاد بأن قطاع الرعاية الصحية
موجود للشفاء لا للقتل."
وجاء في تقرير المنظمة أيضاً أن الفساد يقوض حالياً الجهود العالمية
لزيادة علاج المصابين بمرض نقص المناعة المكتسبة/الإيدز ومضاعفة جهود
الوقاية منه، مستشهداً بمثال من كينيا حيث قام عدد قليل من كبار
الموظفين المدنيين الحكوميين باختلاس المخصصات الحكومية من مجلس الإيدز
القومي.
وخلص التقرير في توصياته إلى أنه يجب أن تكون الشفافية الخطوة
الأولى في مكافحة الفساد، مقترحاً على الحكومات تمكين الجهات المهتمة
بالأمر من الحصول بسهولة على المعلومات المتعلقة بالمشاريع الصحية
والميزانيات المخصصة لها.
كما أوصى التقرير بتبني مجموعة قواعد تشكل قواعد السلوك المهني
للعاملين في القطاع الصحي وللشركات، وقوانين تتعلق بتضارب المصالح في
عمليات تنظيم العقاقير وشرائها، مع فرض تطبيق تلك القواعد.
وقال التقرير إن على الحكومات أن تقوم بعمليات مقاضاة صارمة لتبعث
برسالة توضح أنه لن يتم التسامح بشأن الفساد.
ويمكن الاطلاع على النص الكامل لـ"تقرير الفساد العالمي للعام 2006"
على موقع منظمة الشفافية العالمية الإلكتروني.
* العقاقير المزيفة تقتل الآلاف في كل عام
وتعجل في انتشار الأوبئة المقاومة للعقاقير
جاء في "تقرير الفساد العالمي للعام 2006" الذي أصدرته منظمة
الشفافية الدولية اليوم، أن الفساد في قطاع الرعاية الصحية يحرم من هم
أمس الناس حاجة إلى الرعاية الصحية الأساسية ويساعد في توليد سلالات
أمراض فتاكة مقاومة للعقاقير.
ويشكل القضاء على الفساد في الرعاية الصحية مسألة حياة أو موت
بالنسبة للملايين من الفقراء الذين يقعون فريسة لمقدمي الرعاية الصحية
عديمي الأخلاق والضمير. وقالت هيغيت لابيل، رئيسة مجلس إدارة منظمة
الشفافية الدولية أن "الفساد في قطاع الرعاية الصحية يفرض ثمناً يتعدى
مجرد النقود. فكيف نحدد الثمن عندما تموت طفلة رضيعة أثناء إجراء عملية
جراحية لها لأن حقنة الأدرينالين التي أُعطيت لها لجعل قلبها يعود إلى
الخفقان كانت في الواقع مجرد ماء؟ إن المعاناة البشرية هي ما ندفعه
ثمناً للفساد في الرعاية الصحية."
* استنزاف موارد الأنظمة الصحية
يسلط التقرير ضوءاً قوياً على قطاع خدمات الرعاية الصحية العالمية
التي تبلغ قيمتها 3 ترليون ( والترليون رقم مؤلف من واحد إلى يمينه 12
صفرا) دولار أميركي، كاشفاً عن وجود متاهة من الأنظمة المعقدة العويصة
التي تشكل ميداناًً خصباً للفساد. ورغم أن غالبية العاملين في هذا
القطاع يدأبون على تأدية وظائفهم بأمانة ومثابرة، فإن هناك أدلة على
وجود الرشوة والاحتيال في مختلف مجالات الخدمات الطبية، من السرقات
التافهة والابتزاز إلى التحريفات الضخمة للسياسة الصحية والتمويل
المخصص لها التي تغذيها الأرباح/الرشاوى التي تدفع للمسؤولين. وقد
استشرى الفساد في قطاعات تقديم الخدمات الصحية الحكومية والخاصة،
البسيطة والمعقدة المتقدمة، على حد سواء.
- يفسد المسؤولون عديمو الضمير والأخلاق ميزانيات قطاعات الصحة
العامة لاستعمالاتهم الشخصية.
- تستخدم المستشفيات كمخازن يخدم فيها الزبون نفسه ويأخذ ما يريده
للإثراء غير المشروع، مع وجود عمليات شراء غير واضحة للتجهيزات
والمعدات والإمدادات ووضع أسماء موظفين خياليين على جداول الرواتب.
- يطلب العاملون في القطاع الصحي أجراً لقاء تقديم خدمات يجب أن
تكون مجانية. وفي بلغاريا، كما هو الحال في الكثير من أنحاء جنوب شرق
أوروبا، يقبل الأطباء في الكثير من الأحيان أجوراً صغيرة غير رسمية أو
هدايا لقاء خدماتهم الطبية. وتتراوح قيمة ذلك من 10 دولارات أميركية
إلى 50 دولاراً وقد ترتفع في بعض الأحيان إلى 1100 دولار.
- في الفيليبين، تم إثبات كون ازدياد ابتزاز العاملين في القطاع
الطبي للرشاوى بنسبة 10 بالمئة أدى إلى تقليص معدل تلقيح الأطفال ضد
الأمراض بنسبة وصلت إلى 20 بالمئة.
– في كمبوديا، ساءت بعض المؤشرات الصحية جزئياً نتيجة للاختلاس
المباشر للأموال المخصصة للصحة العامة رغم الزيادة في المساعدات الصحية.
وعلى العكس من ذلك، أدت آليات السيطرة الأكثر تشدداً في المملكة
المتحدة إلى تقليص بلغ 300 مليون دولار أميركي في الخسائر الناجمة عن
الفساد منذ العام 1999.
- في كوستا ريكا، انتهى الأمر بحوالى 20 بالمئة من 40 مليون دولار
من قرض دولي لشراء معدات طبية إلى جيوب عدد من الأشخاص.
وقال المدير التنفيذي لمنظمة "الشفافية الدولية" ديفد نوسباوم: "إن
الفساد يقوض تدريجاً ثقة الشعب في العاملين في القطاع الطبي. إن من حق
الناس أن يتوقعوا أن تكون العقاقير التي يعتمدون عليها حقيقية. ومن
حقهم الاعتقاد أن الأطباء يضعون مصلحة المريض فوق أي ربح. والأهم من كل
شيء أن من حقهم الاعتقاد أن صناعة الرعاية الصحية موجودة لتشفي لا
لتقتل."
* التلاعب بحركة الأسواق والعقاقير المزيفة
تشتري أساليب التسويق الاقتحامية المندفعة دعم الأطباء لعقاقير
محددة، مما يؤدي إلى معدل مرتفع من وصفات طبية لعقاقير لا توصف دوماً
بناء على حاجة المريض. ومع إدرار عقاقير "ناجحة جدا" عشرات آلاف
الملايين من الدولارات سنوياً على شركات المستحضرات الصيدلية، تخطت
ميزانيات التسويق ونشاطات الضغط والتأثير المتخمة الميزانيات المخصصة
للأبحاث والتطوير الضروريين لصنع عقاقير جديدة هناك حاجة ماسة إليها
يمكن أن تنقذ الأرواح في الدول ذات الدخل المنخفض.
ويشكل الفساد القاعدة التي ترتكز إليها تجارة العقاقير المزيفة
المربحة جدا. وتيسر الأرباح/ الرشاوى التي تدفع في كل خطوة من الخطوات
في السلسلة تدفق العقاقير المزيفة من مصدرها إلى المستهلك الجاهل
بأمرها. ونظراً لكون الإنفاق على المستحضرات الصيدلية يفوق ما تنفقه
العائلات في الدول المتقدمة على أي أمر آخر يتعلق بالرعاية الصحية، إذ
تقدر قيمته بما بين 50 إلى 90 بالمئة من مجمل ما ينفقه الفرد من جيبه
الخاص على الأمور الصحية، فإن للفساد في صناعة المستحضرات الصيدلية (العقاقير)
أثراً مباشراً مؤلماً على من يكافحون للبقاء على قيد الحياة.
* تقويض مكافحة نقص المناعة المكتسبة/الإيدز
أعاق الفساد نجاح الجهود العالمية في كبح انتشار وباء نقص المناعة
المكتسبة/الإيدز العالمي. وقد كان الرد الدولي على الأزمة المتفاقمة
زيادة المساعدات لتمويل برامج الوقاية وتوزيع العقاقير الطامسة
للفيروسات (المضادة للانتكاس) المنقذة للحياة. ولكن زيادة المساعدات
وحدها لن تكون فعالة في حال عدم كبح الفساد. ومن الضروري وضع آليات
للمساءلة والمحاسبة للحيلولة دون تسرب الأموال على كل صعيد.
- نهب الوزارات ومجالس الإيدز القومية للأموال المخصصة لعلاج
المصابين تترك من يعانون منه بدون الرعاية الحاسمة الأهمية. وقد سيطرت
حفنة من الموظفين الحكوميين الكبار في كينيا على مجلس الإيدز القومي
فحولت الموارد المالية بالغة الأهمية إلى جيوبها عن طريق منظمات وهمية
أًسست خصيصاً لتحويل أموال الدولة إليها.
- قد يسهم الفساد بشكل مباشر في انتقال العدوى عندما يصبح من غير
الممكن تطبيق إجراءات غير مكلفة نسبيا، كاستخدام الإبر المطهرة وتفحص
الدم المتبرع به، نتيجة لتأخير نظام شراء أو توزيع فاسد لوصول
التجهيزات والإمدادات.
* الأهداف الإنمائية للألفية مهددة
يقوض الفساد حالياً التقدم الذي يتم إحرازه لتحقيق أهداف الأمم
المتحدة الإنمائية للألفية، وخاصة الأهداف الثلاثة المرتبطة مباشرة
بالصحة: تقليص الوفيات بين الأطفال؛ وتحسين صحة الحوامل والأمهات؛
ومكافحة نقص المناعة المكتسبة/الإيدز والملاريا وغيرهما من الأمراض.
وقد أصبح المجتمع الدولي متأخراً في تحقيق الأهداف في الموعد المحدد
لها، والذي لم يبق على حلوله سوى تسع سنوات، ويشكل الفساد أحد الأسباب
الرئيسية لهذا التأخر.
وقالت هيغيت لابيل: "تواجه العائلات الفقيرة التي لا تستطيع تحمل
تكاليف الرعاية الصحية الخاصة، وخاصة في المناطق الريفية، خياراً مؤلماً
بين الطعام والدواء. إما أن تطعم طفلك أو أن تشفيه من مرضه، ولكن لا
يمكنك تحقيق الأمرين؟ يجب ألا يواجه أي والد أو والدة هذا الخيار
المرعب."
* توصيات منظمة الشفافية الدولية
يبدأ علاج قطاع الرعاية الصحية لشفائه من الفساد بالشفافية.
- يجب على الحكومات المانحة وتلك المتلقية للمنح أن توفر إمكانية
الوصول بسهولة إلى المعلومات المتعلقة بالجوانب الأساسية في المشاريع
والميزانيات والسياسات المتعلقة بالصحة. ويجب أن تكون المعلومات
المتعلقة بالميزانية متوفرة على الإنترنت وخاضعة لتدقيق في الحسابات
تقوم به جهة مستقلة.
- يجب تبني وفرض تطبيق قوانين سلوك مهني للعاملين في القطاع الصحي
ولشركات القطاع الخاص وتوفير تدريب مستمر على مكافحة الفساد.
- يجب إضافة قوانين خاصة بتضارب المصالح إلى إجراءات تنظيم العقاقير
والترخيص للأطباء (بممارسة مهنتهم).
- يجب أن تقوم جهات مستقلة برصد سياسات ومشاريع الصحة العامة، على
الصعيدين القومي والدولي، ويجب أن تكون التقارير التي تضعها علنية يمكن
للشعب الاطلاع عليها وتفحصها.
- يجب أن تكون عمليات الشراء تنافسية وعلنية وشفافة، ويجب أن يتوفر
فيها "الحد الأدنى من معايير (منظمة) الشفافية الدولية الخاصة
بالشفافية والعقود والصفقات الحكومية." ويجب تطبيق القوانين الخاصة
بتضارب المصالح ويجب منع الشركات التي تمارس الفساد من الاشتراك في أي
عطاءات ومناقصات في المستقبل. ويجب تبني سياسة قطع تعهد بعدم دفع
الرشاوى، كتعهد الأمانة والاستقامة الذي وضعته منظمة الشفافية الدولية،
لتحقيق الإنصاف والمساواة بين جميع مقدمي العروض.
- ستبعث المقاضاة الصارمة برسالة مفادها أنه لن يتم التسامح أو
التساهل بشأن الفساد في قطاع الرعاية الصحية. ولتيسير هذا الأمر، يجب
أن تكون هناك إجراءات حماية قوية للمبلّغين عن الفساد سواء كانوا
موظفين حكوميين أو عاملين في قطاع الرعاية الصحية الخاص وفي شركات
المستحضرات الصيدلية (العقاقير) وشركات التكنولوجيا الحيوية.
* الفساد على نطاق عالمي
يتضمن تقرير الفساد العالمي للعام 2006 أيضاً تقارير عن وضع الفساد
والحوكمة (أي آلية الحكم) في 45 بلداً في مختلف أنحاء العالم، بما في
ذلك أدلة مقلقة على وجود مخالفات مالية في عمليات الإغاثة التي تلت
وقوع كارثة أمواج المد العاتية (التسونامي). ويقدم الجزء الأخير من
التقرير عرضا لأحدث الأبحاث المتعلقة بالفساد. |