أجزم
بأن أكبر المظلومين من حيث التغطية الإعلامية هو الإمام الحسين (ع) وكل
الفعاليات و المفاهيم المرتبطة به ، على مر التاريخ بدءاً بالتظليل
الإعلامي الذي مارسه بنو أمية في حق أبيه الإمام علي (ع) ، ومروراً
بتكميمهم للأفواه في عهد معاوية ويزيد ، ومروراً بالحقبة العباسية
القاسية على أهل البيت (ع) عموماً ، وإلى الأزمنة التي سبقتنا والتي
نعيشها الآن ، فلم يحض الأمام الحسين (ع) بإعلام حر نزيه يعرض الحسين
ومسيرته وتفاعلاتهما في الحياة ، بصورة حقيقية معبّرة عن عمق ما يعبر
عنه الحدث.
لقد كانت الأداة الإعلامية الوحيدة هي المنبر الحسيني الذي حافظ
بنسبة من النسب على الثقافة الحسينية في عقول المجتمعات الشيعية
الموالية ، والمنابر لم تغط مساحة واسعة من المجتمع إلا مع ظهور
التسجيل المسموع ثم المرئي الخاص ، وهذا لا يحقق انتشاراً كبيراً على
مستوى الآخر ، لأنه مرهون بالقصد وباهتمام الشخص نفسه بهذه المادة ،
بينما واقع الفضائيات العابر فوق القارات يتيح المجال بشكل واسع لكي
يطلع الآخر على محتوياتها.
وها نحن نقف أمام معطيات جديدة للإعلام الإسلامي والحسيني ، بإنبثاق
عدّة فضائيات تنتمي من الناحية العقيدية للإمام الحسين (ع) ، وهي
مدعوّة بحس الواجب لأن تطل على العالم بإعلام حقيقي معبّر بصدق عن
المسيرة الحسينية بأبعادها الحضارية المختلفة ، لكي تكون تلك الحقائق
ضمن الخيارات المتاحة للناس في بيوتهم وفي غرف جلوسهم ونومهم ، من دون
عناء البحث ، وبهذا يكون العالم أمام تصاعد لبلوغ الحجة في معرفة
الإمام الحسين (ع) ونهجه.
فما الذي ينبغي أن تعطيه الفضائيات الشيعية خلال موسم
إحياء ذكرى كربلاء الحسين (ع) ، بل وفي سائر الأيام ، مما لم نره في
الفضائيات الأخرى؟
في تصوّري هنالك إشارات ثلاث هي أهم ما ينبغي أن يظهّرها
إلاعلام في راهننا ، وهي كالتالي:
1/ هذا هو الحسين (ع)
إن سرّ القوّة في الثقافة الحسينية هي شخصية الإمام الحسين (ع) ،
بما تمتلك من مصداقية عظمى عند كافة المسلمين بمختلف مذاهبهم ، وهذا ما
يخشى إظهاره الإعلام المظلل ، فيذهب بعيداً عن شخصية الإمام الحسين ، و
يسلّط الضوء على شخصيات تاريخية سيئة الصيت مارست الظلم والتشويه
للإسلام ، فتحاول تلميعها على حساب الشخصيات الحقيقية ، هروباً مما قد
يترتب على ذلك من أثر الإتباع ، وخوفاً من تكاثر المنتمين للإمام (ع).
فشخصية الإمام الحسين (ع) التي أظهرها الرسول الإعظم لكافة المسلمين
في الكثير من المناسبات ، وقال فيه الكثير من المقولات ، هي من أهم
المسائل التي ينبغي أن يسلط عليها الإعلام الشيعي الضوء. لتصل الرسالة
واضحة للناس جميعاً ، بأن الإمام الحسين (ع) الذي قال عنه الرسول (ص)
أنه سيد شباب أهل الجنة و أنه إمام قام أو قعد ، وأنه من الرسول
والرسول منه ، هو ذاته الذي قام بدور الإصلاح العظيم للمسيرة الإسلامية
، وقدّم دمه وأهله وأصحابه قرباناً لرأب الصدع الذي أحدثته الطغمة
الأموية ، وهو المثال والقدوة التي ينبغي أن يتّبع ، وقد عرّف الإمام
بنفسه قائلاً : (إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ،
وبنا فح الله وبنا يختم..) ، وقال تعالى : (ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ
اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل
لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي
الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ
اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ )[الشورى : 23].
2/ هذه هي الثقافة الحسينية
لقد خط الإمام الحسين (ع) نهجاً واضحاً وثقافة أصيلة ، يمكن للناس
أن يقتفوا أثرها ، تلك الثقافة القائمة على بث روح المسئولية الدينية
تجاه المجتمع ، وتأصيل قيمة الإصلاح للشأن العام ، ورفض الظلم والجور
بكافة أشكاله.
لقد كان دأب السلطات أن تمنع الحقائق كاملة ، وتكتفي بنصفها الذي لا
يضر مصالحها ، لأن إظهار الحقيقة كاملة من شأنه أن يعمل العقول لتميّز
الصواب ، يقول تعالى : (وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن
يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ
عِبَادِ . الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ
أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ
أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) [الزمر :17 ، 18] ، فإن استماع الحقيقة كاملة
يؤدّي إلى اجتناب الطاغوت والكفر به ، وهذا ما لا يريده كل طواغيت
الدنيا ، و سياسة منع النصف الآخر من الحقيقة هي ما سعى إليها بنو أمية
كما قال إلإمام الصادق (ع) : (إن بني أمية أطلقوا للناس تعليم الإيمان
ولم يطلقوا تعليم الشرك ، لكي إذا حملوهم عليه لم يعرفوه).
إن أهمية هذه الرسالة الإعلامية هي لكي يعرف العالم أن ذلك الإمام
الذي تحدّث عنه الرسول الأعظم (ص) وزكّاه ، والذي طهّره الله من الرجس
بنص القرآن الكريم ، يعبّر عن ثقافة ترفض الإستعباد ، وترفض الظلم ،
وترفض الفساد في الأرض بجميع أشكاله ، وتدعو إلى إصلاح كل ذلك ومقاومته
وعدم تبريره ، لكي تكون المسيرة في صالح المجتمعات لا في صالح حفنة من
الحاكمين على حساب العباد. عندئذ تأخذ هذه الثقافة مداها في المجتمعات
بتأثيراتها الإيجابية.
3/ هذه هي شيعة الحسين (ع)
كما أن مصدر التأثير وهو الإمام (ع) ، وأن المؤثّر وهي
الثقافة الحسينية ، قد لاقا نصيبهما من التجاهل الإعلامي ، كذلك الأثر
والمتأثر وهم الذين حملوا الولاء للإمام ولواء الثقافة التي أرساها ،
أيضاً لاقو ذات التجاهل الإعلامي ، وكان من مضمنها واقع الشيعة
وتفاعلات الحدث الحسيني في كل عام ، و الإستلهامات التي انعكست على
الواقع من تلك الثقافة ، فهذه الآثار والتفاعلات بأمس الحاجة إلى أن
يبصرها الناس ويعوها جيّداً ، فذلك الحدث التاريخي مازال مدوياً عبر
الزمن وما زالت حرارته مشتعلة في قلوب المحبين ، كما هي نبوءة الرسول
الأعظم (ص) حيث قال : (إن لقتل الحسين (عليه السلام) حرارة في قلوب
المؤمنين، لا تبرد أبداً).
لا يختلف اثنان على أن الفضائيات المتداولة تقوم متعمدةً
بتغييب تفاعلات احياء المراسيم الحسينية في كل عام ، وذلك عندما نرى أن
تلك الفضائيات تهرول وراء أحداث ومناسبات صغيرة وتافهة في أدنى الأرض ،
لتنقلها عبر شاشاتها ، وفي ذات الوقت لا تعير اهتماماً للملايين الذين
يحيون مناسبة عاشوراء في كل عام ، إلا أن الحدث فرض نفسه وشاهد العالم
تلك الملايين المتموّجة والذائبة في حب الحسين (ع) ، فهذا جانب لطالما
أخفي عن الناس بجميع تفاصيله كالمنبر الحسيني والموكب والمسرح والأدب
والأعمال الخيرية و التمحور حول الثقافة الحسينية ليكون الإنسان في
موعد مع استلهام الروح الحسينية والثقافة الحسينية في موسم مكثّف من كل
عام ، واليوم حان الوقت لكي يطلع العالم على تلك التفاصيل بكل
إيجابياتها ، وبتفسير أصحاب الشأن لا عبر تفسيرات المغرضين الذين
يحمّلون المناسبة محامل مهترئة لا تتناسب وعظمة هذه المناسبة.
فهذه إشارات ثلاث ، ينبغي أن تضعها الفضائيات الشيعية
المتنامية في حسبانها ، لكي لا يأخذ هذا الدور من لا يجيد تقديمه ،
فتقديمها بحلّة لائقاً وواضحة ومتكاملة ، يلقي الحجة ، و يعطي الأثر
،ويتم المسئولية.
www.mosawy.org |