باحث غربي يرى أية قوى عظمى لا تستطيع السيطرة على أي من دول الشرق الاوسط

استبعد باحث بجامعة كويزنزلاند الاسترالية أن تتمكن أية قوى عظمى من السيطرة على أي من دول الشرق الاوسط في الشام أو العراق مدللا على ذلك بشواهد تاريخية تعود الى نحو 3700 عام. وقال تريفور برايس زميل الاكاديمية الاسترالية للعلوم الانسانية في كتابه (رسائل عظماء الملوك في الشرق الادنى القديم) انه يصعب على أية قوة عظمى "في عصرنا الحالي بكل ما يحمله ويقدمه من مزايا الاتصالات الحديثة والاسلحة الفتاكة السيطرة الدائمة على أية منطقة من مناطق الشرق الادنى شديدة التعقيد."

وأشار في مقدمة الكتاب الذي صدر عام 2003 بعد الاحتلال الامريكي للعراق الى أن الشرق القديم تسمية غير دقيقة للمنطقة لكنها تشمل دولا تمتد من مثلث يضم تركيا شمالا الى العراق شرقا ومصر غربا. والكتاب الذي ترجمه المصري رفعت السيد علي يحمل عنوانا فرعيا هو(المراسلات الملكية في العصر البرونزي المتأخر) الذي قال انه يغطي نحو خمسمئة عام تبدأ من مطلع القرن السابع عشر قبل الميلاد. وصدرت الترجمة العربية للكتاب في القاهرة هذا الاسبوع عن مكتبة دار العلوم للنشر والتوزيع خلال معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي تنتهي دورته الثامنة والثلاثون الجمعة القادم. ويقع الكتاب في 392 صفحة متوسطة القطع.

ويستعرض الكتاب بعض الممالك القديمة في المنطقة ملقيا أضواء على ما يمكن أن تقدمه الدبلوماسية من أدوار تجنبها مزيدا من الحروب اضافة الى اضاءة زوايا انسانية في المكونات الشخصية لهؤلاء الملوك الذين كان بأيديهم مصير المنطقة.

وقال برايس ان الرسائل المتبادلة بين البلاطين الحثيني والمصري تكشف طبيعة العلاقة بينهما حيث "هيمنت مصر والمملكة الحثينية (في الاناضول) على المشهد العالمي لذلك لا يدهشنا أن نجد أنهما لعبا الدور الاكبر في شبكة الاتصال الدولي وفي التواصل الدبلوماسي أكثر من الممالك الكبرى الاخرى التي تشاركهما نظريا في الهيمنة على شؤون ذلك العالم." وأشار الى أن ملوك سومر في العراق بسطوا نفوذهم على منطقة جنوب بلاد ما بين النهرين في الالف الثالث قبل الميلاد "ولم يكن بامكان أي انسان أن يتنبأ بأن تلك المدينة الصغيرة الواقعة بشرق (نهر) الفرات ستصبح ذات يوم مركزا لاهم حضارة ومركزا لنفوذ طاغ في حضارات الشرق الادنى القديمة... صمدت مدينة بابل وحين استولى نبوخذ نصر على عرشها عام 605 قبل الميلاد واعتلى عرش المملكة في عاصمة كان عمرها قد ربا على ألفي عام وهو أطول عمر لمدينة خارج مصر في منطقة الشرق الادنى بأجمعها."

وأضاف أن الممالك المجاورة كانت تسعى الى المختصين المهرة من أهل بابل في مجالات الطب والنحت والكتابة والخطوط حيث كانت تحتل "مكانة مرموقة وضعتها في مصاف البلاد العظمى." ويظهر الكتاب أن حكم النساء يميل الى انتهاج لغة الحوار أو ما يطلق عليه التوافق السلمي الذي قال ان الملكة المصرية حتشبسوت (نحو 1503 - 1482 قبل الميلاد) انتهجته على خلاف من سبقها أو تلاها على عرش مصر في الاسرة الثامنة عشرة الفرعونية (نحو 1567 - 1320 قبل الميلاد). وقال ان تحتمس الاول كان "أول من وضع مصر في مصاف القوة العالمية الاولى بعد أن حقق انتصارات عسكرية متوالية في سوريا حتى وصل الى نهر الفرات. كانت انجازاته العسكرية مبهرة ومع تقلص النفوذ المصري في سوريا في مرحلة لاحقة رأت حتشبسوت أن استراتيجية الحوار والاحتواء أفضل وسيلة في التعامل مع العدوانية المتزايدة والجوع العسكري لقوة مملكة الحوريين الصاعدة والمتنامية في شمال سوريا."

في حين كان خليفتها تحتمس الثالث( حكم حتى عام 1450 قبل الميلاد تقريبا) "أكثر صرامة وعدوانية فبمجرد أن استوى على عرش البلاد تم اعادة صياغة العقيدة العسكرية المصرية. ومرة أخرى عادت الى الظهور شخصية الفرعون المصري قاهر الاسيويين. وكانت سبع عشرة حملة عسكرية على غرب اسيا كفيلة بتأسيس شهرة تاريخية لتحتمس الثالث كأعظم قائد عسكري في عصره."

وبعد انتصاره في معركة مجدو (نحو عام 1457 قبل الميلاد) التي غنم منها أكثر من 924 عجلة حربية "تغير المد العسكري كليا وتحول الغزاة (السابقون) الى خاضعين وأصبح حكام اسيا يرسلون اليه الهدايا والترضيات طمعا في كسب وده."

وتوقف برايس أمام أمنحوتب الرابع (نحو 1379 - 1362 قبل الميلاد) والذي عرف باسم اخناتون أول مناد بالتوحيد في مصر القديمة متسائلا.. "أي تقييم يصدق عليه.. هل كان نبيا دينيا عظيما.. هل يمكن اعتباره أو اعتماده كأول داع للتوحيد في التاريخ البشري.. أم يمكن اعتباره كافرا مرتدا دفع بلاده الى حافة الدمار والانهيار.. أم كان ناسكا منعزلا بذاته ومنغمسا فيها وترك الفساد يتفشى في الاجهزة الادارية للمملكة وخاطر بالمكانة الدولية المرموقة لبلاده.. أم كان ضميرا حيا عميقا ولكن بضعف في الشخصية مما دفع التقليديين المحافظين الذين...خسروا امتيازاتهم بسبب دعوته الى التجمع ضده للقضاء عليه والتخلص منه." وشيد اخناتون عاصمة جديدة للبلاد هي مدينة أخيتاتون (تل العمارنة بمحافظة المنيا الحالية) على بعد نحو 300 كيلومتر جنوبي القاهرة. لكن هذه المدينة تعرضت للتدمير. ويقول باحثون ان القائد العسكري البارز حور محب الذي حكم البلاد بين عامي 1348 و1320 قبل الميلاد هو الذي دمر المدينة تحالفا مع رمسيس الاول مؤسس الاسرة الفرعونية التاسعة عشرة (نحو 1320 - 1200 قبل الميلاد).

وقال المؤلف ان موضع مدينة أخيتاتون "عثر فيه على أهم وأخطر دار للمحفوظات التي تجمع المراسلات الدولية... يبرز بوضوح من مراسلات تل العمارنة أن الملوك الاجانب(في الشرق) كانوا يسعون بكل جهد الى الاحتفاظ بعلاقات دبلوماسية جيدة مع مصر طوال عهد العمارنة. كانوا يسعون الى تقوية أواصر تلك العلاقة أو التحالف مع مصر عن طريق زواج التحالف."

وأضاف أن المراسلات الخاصة باخناتون والمعروفة باسم رسائل تل العمارنة التي اكتشفت عام 1887 "أهم مجموعة مراسلات دولية على الاطلاق من العصر البرونزي. وظلت مخفية على مدى يزيد على ألفي عام حتى ظهرت للوجود على يد أكثر المكتشفين تواضعا.. فلاحة كانت تحفر مصادفة بين أنقاض ماكانت ذات يوم مدينة اتون العظيمة." وأضاف أن الرسائل المتبادلة بين اخناتون "وحكام الولايات التابعين للتاج المصري في سوريا وفلسطين تظهر بما لا يدع مجالا للشك أن فرعون مصر اخناتون ظل على اتصال منتظم لمتابعة الانشطة المختلفة في الاقاليم التابعة للتاج المصري بالرغم من الادعاءات القائلة انه لم يكن يستجيب لاغلب الشكاوى الواردة من حكام الولايات." ونوه الى أن اخناتون الذي ثار على الديانة السابقة وهي ديانة امون "لم يسجل أية اشارة عن معتقداته الدينية في أي من رسائله التي بعث بها الى نظرائه ولا تلك التي بعث بها الى الحكام التابعين لهيمنة التاج المصري."

ولم يسجل الكتاب اشارة الى ممالك يهودية في فلسطين وهو ما حرص عليه مؤلفون آخرون منهم الامريكي ايمانويل فليكوفسكي في سلسلة كتب عنوانها (عصور في فوضى) ترجمت في مصر كاملة العام الماضي وذكر مؤلفها أن تعاونا قام بين مملكة سليمان في فلسطين والمملكة المصرية وأن بلقيس التي تذكر الكتب المقدسة أنها عاصرت سليمان ليست إلا الملكة حتشبسوت.

وقال السيد مترجم الكتاب لرويترز ان هذه الدراسة "كافية للرد بالوثائق على أية مزاعم عن انتعاش أية مملكة في يهودا أو السامرة تحت حكم سليمان أو داود أو شاؤول أو غيرهم."

وترجم السيد أعمالا منها (التاريخ الاجرامي للجنس البشري) للبريطاني كولن ولسون و/توت غنخ امون.. مؤامرة الخروج/ للبريطانيين أندرو كولينز وكريس أوجيلفي هيرالد وكتاب (عصور في فوضى) لفليكوفسكي.

شبكة النبأ المعلوماتية -الثلاثاء 31  /كانون الثاني/2006 - 1/محرم الحرام/1427