اصدارات جديدة: النشر الإلكتروني الطباعة.. هل كسرت الأقلام..؟

الكتاب: النشر الالكتروني (الطباعة والصحافة الالكترونية والوسائط المتعددة)

المؤلف: الدكتور محمد جاسم فلحي

إصدار: دار المناهج للنشر والتوزيع، عمان، الأردن،عام 2005

قراءة وتلخيص: حسين العبودي

 أصبح العصر الرقمي الإلكتروني يطرق عقولنا وحواسنا مثلما تُدَقُّ الأبواب والشبابيك المغلقة بعنف،ولا يمكن لأي عاقل أن يتجاهل هذا الخليط العجيب من الأرقام الحروف والأصوات والصور، التي تملأ  الفضاء وتقتحم مدارك الإنسان، وتفرض أنماطاً من التحديات والسلوكيات التي يتعين فهمها، ثم الاستفادة من معطياتها،لكي يظل العقل الإنساني متحكماً في إرادته، وفاعلا ً في مصيره، ومشاركاً في مستقبله. ويؤكد الكاتب والباحث الإعلامي الدكتور محمد جاسم فلحي في كتابه الجديد الموسوم " النشر الالكتروني: الطباعة والصحافة الالكترونية والوسائط المتعددة" الذي صدر في عمان أخيراً من دار المناهج للنشر والتوزيع: أن لكل عصر لغته وأسلوبه في التعبير عن أفكاره، ونحن اليوم نعيش عصر اللغة الرقمية الإلكترونية،التي اندمجت فيها كل وسائل التفكير والتعبير، التي ابتكرها الإنسان،وهو ما يسمى بالوسائط المتعددة والمتفاعلة.

    ويضيف المؤلف في مقدمة الكتاب: لقد تغيرت الكثير من جوانب الحياة، تبعاً لتطورات وسائل الاتصال، بيد أن التقنيات الإلكترونية الحديثة تكاد ترسم صورة مختلفة لعالم جديد، لعل من أبرز خصائصه وفرة المعلومات وكثافتها وتدفقها بسهولة وسرعة فائقة، فضلاً عن التنوع في استخدام تلك المعلومات، والتحكم في مساراتها وتوجهاتها، وتوظيفها من قبل بعض القوى الدولية، لأغراض سياسية وإستراتيجية.

لم يعد الحاسوب( الكومبيوتر) آلة مبتكرة لإجراء العمليات الحسابية والإدارية والإعلامية فحسب، بل أصبحت  هذه الآلة وما يرتبط فيها من النظم والشبكات الإلكترونية، وبالأخص شبكة(الإنترنيت)،تدخل في نسيج الحياة البشرية، وتؤثر في جميع النشاطات الاجتماعية والفكرية.

    ويرى المؤلف فلحي أن ثمة أسئلة ملحة يفرضها هذا العصر الرقمي الإلكتروني، يمكن أن يرد في مقدمتها:هل انتهى عصر النشر الورقي وبدأ عصر جديد، ليس فيه مكان للكتاب المطبوع؟.. هل كسرت الأقلام وبُعثرت الأوراق وطويت الصحف وجفّت الأحبار، في انتظار يوم عظيم؟.. وما نحن فاعلون في ذلك اليوم الذي لا ريب فيه؟!..هل أن قدرنا أن نكون متلقين ومستهلكين فقط، أم أن أمامنا فرصة لنشارك وننتج ونتفاعل وسط سيل المعلومات الإلكترونية الجارف؟!..كيف نستطيع استخدام الأدوات والتقنيات الحديثة في مجالات الإبداع العلمي والثقافي؟.. ما مواصفات الرسالة الإعلامية، وما دور المرسل والمستقبل في صياغتها ونشرها؟..كيف نواجه التأثيرات الناجمة عن الإغراق ألمعلوماتي، وانعكاساته المتوقعة على الفرد والمجتمع؟ أين مكاننا  في عصر المعلومات  وانفجار المعرفة، وكيف نستطيع  تطوير وسائلنا الإعلامية والعلمية  لتلاءم احتياجاتنا الاجتماعية والفكرية ؟.. هذه الأسئلة المطروحة، أصبحت اليوم محور تفكير الكثير من المفكرين والباحثين على امتداد المعمورة، حيث تقف البشرية برمتها  على مشارف عصر جديد، يتميز بما يشبه الطوفان، لا يمكن أن ينجو منه سوى من يجيد السباحة وسط تياراته الجارفة، أما الذين يستلذون الاسترخاء والتفرج عند الشواطئ، فلسوف تجرفهم أمواجه العاتية بعد حين، حيث لا ينفع الندم.

يضم الكتاب، فضلاً عن المقدمة والخاتمة، خمسة فصول، الفصل الأول بعنوان: الفضاء الإلكتروني والتحديات الراهن، ويتناول العلاقات الجديدة بين المرسل والمتلقي، من خلال  التساؤل، هل انتهى عصر المطبوع؟..وماذا تعني ولادة جيل الكتروني، ما الاتجاهات الإعلامية المتوقعة، كما يطرح إشكالية ثقافة الرؤية وسقوط الحواجز بين الحقيقة والخيال، من خلال عصر السينما والملحمة الصورية  والصورة التلفازية الحية والخيال والواقع.. بلا حدود وأطفال الفيديو كليب!

أما الفصل الثاني: بعنوان النشر الطباعي (الورقي) فيتناول عصر الكتابة والتدوين وتطور وسائل المعلومات والنشر وتاريخ مهنة القلم وعصر الطباعة والنشر ألورقي،وأنواع الآلات الطابعة وأنواع الطباعة  والورق ألطباعي والأحبار الطباعية وأزمة النشر ألورقي.

وفي الفصل الثالث يتحدث المؤلف عن النشر الإلكتروني من خلال عدة مباحث من أهمها مفهوم النشر الإلكتروني ومزايا النشر الإلكتروني والنشر الإلكتروني ومعالجة وتجهيز الوثيقة  وأدوات النشر الإلكتروني والنشر الإلكتروني بواسطة الأقراص المرنة والمدمجة والوسائط الإلكترونية المتعددة.

ويطرح الفصل الرابع موضوع الصحافة الإلكترونية من خلال  التحول من الصحافة المطبوعة إلى الصحافة الالكترونية وأنواع المواقع الإلكترونية ومواصفات ومعايير الصحافة الإلكترونية ومستقبل الصحافة الإلكترونية

وفي الفصل الخامس يوضح المؤلف مفهوم الكتاب الإلكتروني والمكتبة الإلكترونية.

أما الخاتمة فقد جاءت بعنوان "وقفة أخيرة في طريق المستقبل"، حيث يقول المؤلف: من حقنا أن نتساءل نحن الذين تعودنا على استيراد واستهلاك السلع والنظريات الغربية،واستخدام التقنيات الجديدة بطريقة سيئة ومدمرة أحياناً، ونلح في السؤال، عن مصيرنا وموقعنا في خرائط المستقبل التي يتم رسمها الآن..لماذا يجري تغييب متعمد لمشاريعنا الحضارية المستقبلية، بل لماذا يتم تجاهل ماضينا و تغييب حاضرنا وسحق أحلامنا وطموحاتنا ؟!

   معطيات التقنية الرقمية، التي تكاد تغير وجه العالم، لم تعد بعيدة عن حياتنا،فقد  جلبناها واستعملناها، في مكاتبنا وبيوتنا،وقد بهرتنا بشاشاتها المتوهجة،بيد أن المضمون الذي نضعه، في داخل هذه الأدوات ولأوعية المعلوماتية،ما زال ينتمي لعصر ماض، فاغلب المحطات الفضائية العربية مثلاً،مشغولة بأخبار الصراعات والتحليلات السياسية والدينية،ولم يتورع بعضها عن تخصيص ساعات عديدة من البث حول حجاب المرأة،هل يغطي كل الوجه أم نصفه أم ربعه؟!..وثمة مواقع الكترونية(إسلامية) تخصصت بنشر عمليات الذبح والتمثيل بجثث الضحايا، التي تنفذها جماعات خطفت الدين الإسلامي الحنيف، وحولته إلى سيف مشرع للقتل،وهو في حقيقته رحمة للعالمين!

ثمة حكومات فتحت الأبواب لطوفان التقنية الرقمية،وهي خطوة سليمة، ولكن ماذا صنعنا نحن لأنفسنا، وماذا قدمنا لأجيالنا من منتجات هذا العالم السحري.

وفي جانب آخر من المشهد نجد بعض المنظرين يتحدثون عن مخاطر العولمة، وكيفية مواجهتها قبل أن تسرق هويتنا الوطنية، وتمسخ شخصيتنا القومية!

  ويؤكد الدكتور فلحي أن العصر الرقمي لم يعد اختياراً بل هو نوع من القدر، الذي يفرض علينا أن نتعامل معه،باللغة التي يفهمها،لغة الحوار والعقل وتقبل الآخر،لأن المسافة بين البشر باتت متقاربة جداً ولا تسمح إلا بالتفاهم بدلاً من الصراع!

  ويمكن القول أن المؤلف حاول في هذا الكتاب، ومن خلال تجربة تزيد على ربع قرن، في مجال النشاط الإعلامي المتنوع،سواء من خلال الكتابة الصحفية، أو العمل الإذاعي والتلفزيوني، فضلاً عن البحث والتدريس الأكاديمي،أن يقدم رؤية عميقة للمشهد ألاتصالي والإعلامي،في أبعاده المختلفة، ويسعى إلى تقديم إجابة علمية، على تلك التساؤلات والتحديات ، التي يفرضها العصر الرقمي وتقنياته المتنوعة.

 وأخيراً ينبغي أن يكون هذا الكتاب مثاراً للحوار الثقافي والتفاعل الفكري بين المتخصصين في ميدان الإعلام والمعلومات، مثلما يسعى إلى تغطية بعض مفردات المنهج الدراسي لطلبة كليات وأقسام الإعلام والمكتبات في الجامعات العربية،ومن ثم فإنه يمثل خلاصة جهد علمي، وتصور فكري مستقبلي.

تجدر الإشارة إلى  أن المؤلف الدكتور محمد جاسم فلحي، كاتب وباحث وأستاذ جامعي عراقي، مقيم في الجماهيرية العربية الليبية،ويعمل أستاذاً في قسم الإعلام في كلية الآداب، جامعة عمر المختار، ومدير تحرير مجلة( المجال) للثقافة والعلوم التي تصدر في مدينة البيضاء في ليبيا. وسبق أن صدر للمؤلف كتاب بعنوان(صناعة العقل في عصر الشاشة) عن دار الثقافة في عمان.

شبكة النبأ المعلوماتية -الثلاثاء 31  /كانون الثاني/2006 - 1/محرم الحرام/1427