رد الشاعر الكبير ادونيس على سؤال كان قد طرحه عليه صديقه الراحل
هشام شرابي فقال في ذكرى غياب شرابي السنوية الاولى مجيبا عن السؤال
بقوله إن لون تاريخنا العربي هو لون الدم.
وقال ادونيس مستعيدا بعض أحاديثه مع شرابي الاكاديمي ورجل الفكر
الفلسطيني انه مرة روى له بعض ما جاء في المأثور التاريخي ومؤداه ان
بلقيس الملكة سألت سليمان الحكيم حين التقته سؤالا هو "ما لون الرب.."
اضاف ادونيس يقول "لا نعرف جواب سليمان او انه لم يجب ولا نعرف ان كانت
بلقيس سألته لتمتحنه أم لامر اخر." وقال ادونيس ان شرابي بادره قائلا "ما
لون عصرنا العربي..". وكان ادونيس يلقي كلمة في ذكرى صديقه ورفيقه
لسنوات طويلة في الحزب السوري القومي الاجتماعي قبل ان يفترقا عنه وذلك
في احتفال اقيم في الذكرى السنوية الاولى لرحيل شرابي دعت اليه "مؤسسة
سعادة للثقافة" و"اللقاء الثقافي الفلسطيني" و"دار نلسن للنشر" وجرى
برعاية رئيس وزراء لبنان فؤاد السنيورة الذي مثله وزير الثقافة طارق
متري والقى كلمة في احتفال اقيم في "قصر الاونيسكو".
الشاعر والصحافي نصري الصايغ قدم المتكلمين ممهدا للتقديم بكلمة
وجدانية مؤثرة عن الفلسطيني الذي يعود دائما ولا يعود. استهل الاحتفال
بالنشيد الوطني اللبناني وتبعه شريط وثائقي قصير عن حياة شرابي.
وكان أول المتكلمين علي غندور رئيس مؤسسة سعادة للثقافة الذي تحدث
عن "شرابي المتفاعل مع الثقافة الامريكية من دون الذوبان فيها كما فعل
الكثيرون.. والمثقف الملتزم بقضايا مجتمعه العربي" وعن شعوره بالاحباط
لاستنتاجه " أن المثقفين في المجتمع العربي يريدون إيصال الحقيقة الى
ذوي السلطة وهؤلاء يرفضونها فهم لا يريدون حقيقة المثقفين ولا فلسفتهم
بل ولاءهم الشخصي."
اما كلمة الدكتور انيس صايغ رئيس اللقاء الثقافي الفلسطيني فقد
القاها عنه سليمان بختي لان متفجرات إسرائيلية استهدفت الصايغ أدت الى
تاثير سلبي في نظره. مما قاله انه يرى في هشام شرابي "بحرا واسعا
وكبيرا فهو كالبحر تغوص فيه وتغوص.. تهبط الى اعماقه فلا تغرق ولا تصل
الى قاع وكلما أطلت المكوث او تماديت في الهبوط تملكتك الرغبة في
الاستمرار... انه شعور التوق الى التعرف والمعرفة وما أكثر معارف هشام
وما اغناها."
وكلمة الدكتور كلوفيس مقصود الذي حال طارىء صحي دون قدومه من
الولايات المتحدة القاها عنه الاكاديمي اللبناني المغترب الدكتور عاطف
قبرصي. جاء في الكلمة "نستحضر ما تعنيه تجربة هشام شرابي ومساهماته في
ثقافتنا النهضوية وتحريضه لنا جميعا وسط حالات التردي والاحباط على
الامل والتفاؤل... واذ نتناول في هذه اللحظة عطاءات هشام شرابي الفكرية
نفعل ذلك لكونه أرسى لنا مرجعية منيرة نحن باشد الحاجة اليها في الظروف
الحالية لهذه الحقبة المفصلية من تاريخ أمتنا." وأضاف متحدثا عن ابرز
اكاديميين ورجلي فكر عربيين في الولايات المتحدة في هذه المرحلة فقال
إن هشام كان "مغتربا جغرافيا لكنه بقي منغمسا في ارض وطنه ومعاناة شعبه
مما جعله كما كانت حال ادوارد سعيد خارج المكان ولكن دائما في المكان
اي في افقه العربي الاوسع ياخذ منه ويعطيه... واذ يحتضن لبنان امثال
هشام شرابي وادوارد سعيد ليكون مثواهما الاخير في لبنان عندئذ ندرك
المعنى الاسمى ان كلا منهما كان وسوف يبقى في ذاكرة الامة يحرضان على
استئناف الفكر النهضوي."
وبعده تكلم البروفسور مايكل هدسون زميل هشام في جامعة جورجتاون
فتحدث عنه قائلا "منذ رحيل هشام ونحن نفتقده كنموذج للعربي المفكر. كان
العربي الوحيد الذي نقل بوضوح المعاناة العربية وعكس مبادئه السياسية
في حياته الشخصية وليس فقط في كتاباته... كان هشام شرابي بطل الكثير من
النساء والرجال الذين عرفوه وكان صوتا للدفاع عن حرية الانسان." وتحدث
وزير الثقافة طارق متري الذي كانت كلمته الاخيرة قبل كلمة العائلة التي
جاءت في شكل رسالة من ابنة هشام ناديا شرابي شهابي عن هشام وهجرته
وانشغالاته الكثيرة وكيف عاش تجربة استثنائية "ستؤثر في مجرى حياته اذ
يمضي ستة اشهر الى جانب انطون سعادة كانت الاخيرة قبل اعدامه."
وقبل ذلك تكلم الشاعر ادونيس فتحدث عن صداقته مع شرابي واستذكر ما
جذبه وجذب شرابي الى الحزب السوري القومي الاجتماعي فلخص ذلك في ثلاث
نقاط فكرية. الاولى "هي العلمنة لكي يمكن التأسيس لمجتمع مدني..."
والثانية هي "السلالة التاريخية لكي يمكن ان نتخطى الانتماءات العرقية
وما قد يرتبط بها من الممارسات العنصرية." والفكرة الثالثة هي
"الخلاسية الحضارية توكيدا على التعدد والتنوع والاختلاف وعلى الانفتاح
الخلاق والتفاؤل السمح." وقال " كانت صداقتنا تنمو وتتعمق في المناخ
الثقافي الذي تخلقه هذه الافكار او توحي به. هكذا كانت افكارنا تتنوع
حتى التضاد. احيانا في قضايا كثيرة ترتبط بنشاط الحزب وافكار انطون
سعادة ومفهوماته. كان كل منا يصغي الى الاخر من غير ان يتهمه بالانحراف
او يخونه كما كانت العادة جارية."
وختم ادونيس مخاطبا صديقه الغائب "وما هذه اللحظة التي تجمعنا الان
في هذا الليل الشامل الذي يلف الخريطة العربية.. شخصيا اكرر ما قاله
سقراط مرة "الشيء الوحيد الذي اعرفه هو انني لا اعرف شيئا. او فلنقل
بصيغة اخرى اقل تشاؤما.. من يقدر ان يتكلم لا يعرف ومن يعرف لا يقدر ان
يتكلم" انه عصرنا وها انت تخترقه قبلي وتدخل في ذلك العالم الذي لا
عودة منه والذي ذقنا طعمه الفاجع في كلام جلجامش قبل الاف السنين. انه
عصر ضياع وشقاء قد لا يكون لهما مثيل ومع ذلك عشناه وفكرنا فيه واحببنا
وكتبنا واحتضناه بصفته مقدمة للامل والاستبصار حتى ونحن غارقون في
رماده. |