الاستعمار الفرنسي صفحة سوداء مليئة بالعار

عندما غادر عبد الكريم كليش الجزائر وهو طفل صاح حشد غاضب في الميناء في أسرته

داعيا أن يذهبوا للجحيم وألا يعودوا من فرنسا مرة أخرى.

 واعتبر والد كليش خائنا وواجه تهديدات بالقتل من جيرانه لانه حارب في صف المستعمر الفرنسي أثناء حرب التحرير الجزائرية.

 لكن وصول الاسرة الى فرنسا جاء بصدمة أخرى. فقد احتجزوا هم وألوف غيرهم من الجزائريين المسلمين الذين قاتلوا مع فرنسا في معسكرات لسنوات معزولين بأسلاك شائكة عن بقية فرنسا.

 وقال كليش البالغ من العمر 55 عاما الان "نحن الدليل الحي على أن الاستعمار الفرنسي كان صفحة سوداء مليئة بالمعاناة."

 وأعيد فتح هذه الصفحة منذ أن أقر البرلمان الفرنسي قانونا يتضمن بندا يحث المدرسين على التأكيد على "الدور الايجابي للوجود الفرنسي في الخارج خاصة في شمال افريقيا."

 وتم تمرير القانون بهدوء في فبراير شباط من العام الماضي لكنه أصبح قنبلة سياسية في نوفمبر تشرين الثاني عندما رفض المشرعون الغاءه بعد أعمال شغب قام بها شبان أغلبهم من أبناء المهاجرين اجتاحت الضواحي في مختلف أرجاءالبلاد.

 واتهم بعض الشبان باريس باتباع "اسلوب استعماري" تجاه الاقليات الفرنسية.  ووضع القانون نواب محافظون بهدف مساعدة المواطنين الفرنسيين والجزائريين الذين حاربوا في صفوف فرنسا الذين عادوا من حرب الجزائر بين عامي 1954 و1962 مشيرين الى "المعاناة والتضحيات".

 وفي الاراضي الفرنسية في الخارج والمستعمرات السابقة اثار هذا البند مناقشات محتدمة بشأن ما اذا كانت فرنسا التي انتهت امبراطوريتها بحروب دموية في الهند الصينية والجزائر قد تعلمت أي شيء من التجربة الاستعمارية.

 وحكمت فرنسا أكثر من ثلث افريقيا وقت ذروة امبراطوريتها ومازال لها نفوذ قوي في العديد من المستعمرات السابقة فلها قوات حفظ سلام في ساحل العاج -تذكر بدروها كشرطي افريقيا- واستثمارات كبيرة في العديد من دول غرب افريقيا.

 وفي حين يعترف العديد من الافارقة ببعض الجوانب الايجابية للاحتلال مثل تحسين البنية الاساسية الا أن البعض يشعر بالغضب مما يصفه باستمرار تدخل فرنسا في السياسات والاعمال.

 وشكل الوجود الفرنسي المستمر والمثير للجدل في المستعمرات السابقة خلفية للنزاع حول القانون الجديد الذي تعقد بتوترات داخلية كشفتها أعمال الشغب.

 وقال مدرسون واكاديميون فرنسيون ان التاريخ لا يكتبه المشرعون. ويعارض العديد من النواب الاشتراكيين المعارضين القانون كذلك.

 وسعى الرئيس جاك شيراك لتهدئة الاجواء بالحث على تغيير صياغة القانون.

ومن المقرر ان يقدم رئيس مجلس النواب مقترحات جديدة في فبراير شباط.

 وبالنسبة لبعض المؤرخين فإن أسلوب معاملة الجزائريين الذين حاربوا في صفوف الفرنسيين يمثل كيف فشلت فرنسا في التعامل مع ماضيها الاستعماري.

 وقال المؤرخ جيل مانسيرون "الدولة وضعتهم في معسكرات تابعة للجيش أو في معسكرات معزولة في غابات مبعدين عن بقية الشعب الفرنسي. وتقارن هذه العزلة بمعاملة السكان الاصليين في المستعمرات."

 وكليش الذي وضع في أحد هذه المعسكرات لم يذهب الى المدرسة حتى بلغ عمره 16 عاما. وقال "والدتي لا تتحدث الفرنسية واخوتي لا يكتبون وحبسونا في معسكرات لسنوات. هل تسمون هذا الاثر الايجابي للاستعمار.."

 وانضم نحو 260 ألف جزائري للجيش الفرنسي كقوات اضافية في الجزائر.

ولكن عندما خرج الفرنسيون من الجزائر في عام 1962 لم يتمكن سوى 20 الفا منهم من الفرار عبر البحر المتوسط مع أسرهم وحصلوا على الجنسية الفرنسية.

 ووجهت أوامر للضباط الفرنسيين بعدم اجلاء المقاتلين الجزائريين. ويقدر المؤرخون الفرنسيون أن ما بين 50 الفا و150 الفا قتلوا في الجزائر على يد جبهة التحرير الوطني الجزائرية.

 وأصبح شيراك في عام 2001 أول رئيس فرنسي يقر علنا بفشل فرنسا في وقف الاعمال الانتقامية الوحشية.

 ورغم أن بعض هؤلاء يرون القانون الذي يعترف بمساهمة جنود من شمال افريقيا في الدفاع عن فرنسا باعتباره جهدا بذل للتغطية على جوانب مؤلمة من المرحلة الاستعمارية الا ان البعض الاخر يرحب به وبالمساعدات المالية التي اشتمل عليها.

 واشاد حملاوي ميكاشيرا وزير الدولة لشؤون قدامى المحاربين وهو من أصل جزائري وقاتل مع الجيش الفرنسي اثناء حرب الجزائر بتمرير القانون باعتباره "لحظة تاريخية لاناس من مختلف الاصول أعيدوا لبلادهم."

 وأضاف "الجدل الدائر حاليا لا يجب أن يجعلنا ننسى النطاق الحقيقي للاجراءات التي يشتمل عليها (القانون)."

 وتقول فاطمة بيسناكي وهي ابنه أحد المقاتلين الجزائريين في صفوف الفرنسيين ورئيسة احدى جماعات الضغط الفرنسية ان القانون يستغل المقاتلين الجزائريين للترويج للاستعمار.

 وأضافت "انه قانون دعائي...نريد من فرنسا أن تعترف بمسؤوليتها وان تكتب انها استغلت المقاتلين الجزائريين ثم تخلت عنهم."

 وقال مانسيرون ان فرنسا تجد من الصعب عليها التعامل مع الجوانب الاكثر اظلاما لماضيها الاستعماري لان سياساتها كانت مرتبطة بشدة بتطور حقوق الانسان.

 وأضاف الفرنسيون يحبون الاشادة بالجمهورية و... الحديث عن تاريخهم المتعلق بحقوق الانسان. لكنهم لا يحبون الامر عندما لا تعكس هذه القيم الواقع على سبيل المثال فيما يتعلق بالعيش في الضواحي حيث يتطلع الشبان للعمل ولا يجدونه بسبب التمييز."

 وكانت فرنسا بطيئة في التعامل مع صفحات أخرى من ماضيها. في عام 1995 أصبح شيراك أول رئيس فرنسي يقر "بالخطأ الجماعي" الذي ارتكبته فرنسا بترحيل اليهود الفرنسيين الى معسكرات اعتقال النازي.

وفي هذا السياق دعا الرئيس الفرنسي جاك شيراك يوم الاربعاء الى الالغاء الجزئي لقانون مثير للجدل يشجع المدارس الفرنسية على رسم صورة إيجابية لماضي فرنسا الاستعماري.

وقال شيراك انه طلب من رئيس الوزراء دومينيك دو فيلبان ان يحصل على إذن من المحكمة الدستورية للحكومة لإسقاط البند المثير للجدل في القانون بدون الحاجة الى إصدار مشروع قانون جديد في البرلمان.

ويأتي القرار بعد ضغوط شديدة من المعارضة اليسارية في البرلمان من أجل الغاء القانون الذي يؤكد على "الدور الايجابي للوجود الفرنسي في الخارج ولاسيما في شمال افريقيا."

وفي بيان منفصل قال دو فيلبان انه اذا ما حكمت المحكمة لصالح الحكومة فسيرسل مشروع مرسوم الى مجلس الدولة وهو أعلى محكمة ادارية في البلاد لالغاء الجملة المسيئة من القانون.

وقال شيراك ان الجانب الاكبر من قانون 23 من فبراير شباط 2005 كان تكريما صحيحا لقدامى المحاربين والمواطنين الذي عادوا الى فرنسا في نهاية الفترة الاستعمارية.

وقال البيان ان جزءا من المادة الرابعة "أثار تساؤلات وسوء فهم بين العديد من مواطنينا..والامة يجب ان تكون متحدة بشأن تاريخها."

وأُجيز القانون في هدوء في فبراير الماضي ولكنه برز في الخريف عندما جرى تصويت بأغلبية كاسحة من قبل النواب المحافظين ضد محاولة الغاء الجملة.

وأثار ذلك نقاشا بشأن ما اذا كانت فرنسا التي انتهت امبراطوريتها بالحروب الدامية في الهند الصينية والجزائر قد تعلمت من تجربتها الاستعمارية.

وأصبحت القضية متفجرة سياسيا بعد أحداث الشغب في اكتوبر تشرين الاول الماضي ونوفمبر تشرين الثاني من قبل شبان من شمال افريقيا وأصول افريقية سوداء.

واتهم بعض هؤلاء الشبان وزير الداخلية نيكولا ساركوزي باتخاذ "موقف استعماري" تجاه الاقليات أثناء الاضطرابات واضطر الى إلغاء زيارة الى جزر الهند الغربية الفرنسية في الشهر الماضي بسبب الغضب من عبارة "الدور الايجابي."

وقال ساركوزي ان القانون يتعين إعادة كتابته بدلا من إلغائه كما تقول المعارضة.

شبكة النبأ المعلوماتية -الجمعة 27  /كانون الثاني/2006 - 26/ذي الحجة/1426