دمشق.. "إني أغرق"..!!

عادل مرزوق الجمري

أصدر معهد بروكينغز Brookings Institute دراسة مهمة في بعنوان "وراثة سوريا-في العصر الحديث"، وتتعرض الدراسة لمعضلة سوريا عند صانعي القرار السياسي الأمريكي، وتنصح الدراسة إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش بعدم الإسراع في الطريق لدمشق، وبالتروي في التعامل مع الملف السوري"Do not Rush on the Road to Damascus" .

وترى الدراسة أن اقتصاد سوريا الضعيف حد الشماتة، وتنوعها السكاني، ووضعها الجيوستيراتيجي الهش، يجعل من السهل مستقبلا تصور دورا محدودا لسوريا في الشرق الأوسط الكبير. إلا أنه في عهد الرئيس السابق حافظ الأسد، والآن في ابنه بشار، لعبت ومازالت تلعب سوريا دورا هاما في الشرق الأوسط، وهو ما يجعل من الأهمية بمكان تحجيم هذا الوجود المزعج!!.

والدراسة الأمريكية مليئة بالتفاصيل الدقيقة عن نظام الحكم السوري تحت حكم بشار الأسد، ويقترح التقرير تبني الولايات المتحدة سياسية "العصا والحجر" بما يضمن تحقيق المصالح الأمريكية مع سوريا، وبما يجعل الأمور أكثر أمنا للحلفاء الباقين.

فلنعتقد مجازفة/جهلاً، ان مركز صناعة القرار السياسي الأمريكي كانوا متفقين مع هذه الدراسة ونتائجها، وقد أخذوا في تطبيقها كاملة. ولنا أن نترفع عن الجهل للحظات، إذا علمنا أن 95% من مجمل القرارات السياسية الأمريكية ليست سراً، بل هي منشورة ليقرأها الجميع على مواقع الدراسات والبحوث السياسية البالغة 350 مركزا بحثيا متخصصاً.

إذن كان الأمريكيون ببساطة يستخدمون حتى الآن سياسية "التقطير بالماء على رأس دمشق"، وهذه العملية في الغالب طويلة الأمد نسبياً، ورغم أني أميل إلى الاعتماد أكثر على تصديق نشرات مركز الدراسات السياسية والإستراتجية csis، وعلى  الإعتماد على مخرجات معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى Washington Institute for Near East Policy ، فإني سأعتقد أن الرئيس الأمريكي ومعاونيه كانوا قد فضلوا سياسية النفس الطويل في هذه المرة تحديداً.

إلا أن ما لم تستطع أي من مراكز الدراسات السياسية والإستراتيجية الأمريكية أن تتوقعه، هو أن تكون دمشق هشة، مستكينة، ضعيفة، إلى هذا الحد!!. لم يكن أحد يتوقع أن تكون سلسلة التراجعات والأوجاع السورية المتتالية بهذا السيناريو السريع.

لا أحد ينكر في المطلق أن النظام السوري إستطاع داخليا ان يصنع لنفسه خلال الفترة الماضية "نسقاً" إجتماعياً داعماً، فالخطاب السياسي التعبوي الذي انتهجته الأداة الإعلامية السورية كان نجاحه ملحوظاً، فالكثير من قوى المعارضة السورية صرح بأن خيار "عراق أخرى" هو خيار مرفوض. وهذا ما جعل الأمريكيين يستعجلون البحث عن "شخصيات" سياسية مؤثرة من المعارضة السورية يستطيعون الاعتماد عليها. إلا أن مجمل هذه التكتيك الأمريكي لم يكن ناجعا بالحد الكافي.

إلا ان عدة سيناريوهات جديدة ستكون جاهزة خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، لا أستطيع أن أراهن على أي خيار أو سيناريو مقترح، إلا أن التسارع السياسي في الهبوط السياسي الخارجي لدمشق يعطي دلالات واضحة أن ان الداخل السوري لن يستمر على هذا الهدوء النسبي لفترة طويلة. وأن الداخل السوري سيكون موضع الاستهداف السياسي المباشر للأمريكيين.

دمشق، حولت السياسة الأمريكية من تكتيك النقر بالماء إلى سياسة الغرق، ولم تحاول إعطاء نفسها مهلة سياسية كافية كالتي تحصل عليها صدام حسين في العراق قبل تحريره. وظاهر للعيان أن أي تحرك سياسي سوري "عاقل" سيكون مطلباً إستراتيجياً بالنسبة لدمشق، على أن لا يكون هذا التحرك متلازماً لضربات ثقيلة من وزن "خدام"، أو لخطاب سياسي "متعجرف" لا يعي خطورة ما يقول.

شبكة النبأ المعلوماتية -الخميس 26  /كانون الثاني/2006 - 25/ذي الحجة/1426