التصّدق بالخاتم في أبعاده الإنسانية

محمد العرادي

 

القيم السامية كثيرة ومتشعبة، ولكل قيمة من هذه القيم انعكاساتها القيمية في المجتمع، ولو تتبعنا القاعدة الأساسية لتلك القيم، لوصل بنا تتبعنا لأساس انطلاقتها إلا وهو الدين الإسلامي، الذي جسد الأبعاد الإنسانية والقيمية في هذا العالم، المتعدد الأعراق والثقافات، فقيمة التعاون ومساعدة الآخرين نجدها قد تبلورت في الفكر الإسلامي، فهو المنبع الوحيد لتلك القيمة والآمر بها، وقد يأتي التعاون بصيغ أخرى مثل التكافل والتضامن الاجتماعي، ومهما تعددت المسميات فلا تبعدها عن قيمتها الاصيله وأبعادها الإنسانية.

فالتكافل على الرغم انه لم يذكر بشكل صريح في الآيات الكريمة، أو في حديث النبي صلى الله عليه آله والعترة الطاهرة عليهم السلام، إلا انه يؤدي معناه فهناك العديد من الآيات والروايات التي تتحدث عن البذل والإنفاق في سبيل الله وتحث على إعانة المحتاجين والفقراء وقضاء حوائج المؤمنين بل كل إنسان (1)

وحين نقرأ الآية المباركة ((إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا * الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)) (2) ونتسأل بشغف في محاولة منا لمعرفة تلك الشخصية، التي جسدت الأبعاد الإنسانية لقيمة التعاون بكل ابعادها، حتى نزلت بحقه آية مباركة يقرأها الأولين والآخرين من المسلمين، لابد أنها شخصية لا يقاس بها أحد من العالمين بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

وقد روت العامة والخاصة أن هذه الآيات نزلت في علي أمير المؤمنين عليه السلام لما تصدق بخاتمه وهو في الركوع، وفي بعض الأخبار أنه تصدق قبل ذلك أيضاً في صلاة أخرى بحلة قيمتها ألف دينار أرسلها النجاشي إلى النبي صلى الله عليه وآله فأهداها إلى علي عليه السلام (3)، وأمير المؤمنين عليه السلام كان يجسد الإسلام بكل معانيه،ويجسد آياته وكيف لا وهو القران الناطق، فقد نزلت هذه الآية المباركة عندما تصدق أميرالمؤمنين عليه السلام، بخاتمه على ذلك الفقير الضعيف المسكين الذي جاء إلى المسلمين، لكي يعينوه على أعباء الحياة ولو بجزء ضئيل يتصدقون به عليه عله يصل لحد الكفاف، فدخل المسجد باحثاً عن تلك الصدقة، من يد ذلك المتصدق ولكن لاأحد مد له يد العون، ماالذي حصل أين المسلمون أين المتصدقون؟؟ وبينما كان مستغرقاً في بحثه عن تلك اليد المتصدقة، وقع ناظريه على يد تومئ إليه في حالة الركوع والخشوع، وقف متسأل من هذا المتصدق في حال الركوع والخشوع ؟

اتجه لتلك اليد الخاشعة المتصدقة ليأخذ ما جادت به، وإذا بخاتم يقدم له من يد بيضاء نقية تملئها العبادة والصلاح.

لقد ادخل أمير المؤمنين عليه السلام السرور على قلب هذا الفقير، فإدخال السرور على قلب المؤمن لها من الأجر الكثير ((قال رسول الله صلى الله عليه وآله.. من سر مؤمناً فقد سرني ومن سرني فقد سر الله)) (4) وعن أبي عبد الله عليه السلام قال ((من أحب الأعمال إلى الله عز وجل إدخال السرور على المؤمن إشباع جوعته أو تنفيس كربته أو قضاء دينه)) (5).

إن تصدق أمير المؤمنين عليه السلام، بخاتمه على هذا الفقير المحتاج قد أبرزت الأبعاد الإنسانية للإسلام، وما الإسلام إلا مبادئ يجسدها أمير المؤمنين عليه السلام أحسن تجسيد.

ولو حاولنا ربط تلك الحادثة في أبعادها الإنسانية بما نراه اليوم في عالم الصراع على المادة، وعصر الحداثة والعولمة سوف نجد من خلال ربطنا هذا، إن حادثة التصدق تحوي من المبادئ الإنسانية، ما تصلح أن تكون دستوراًَ حياتياً يحمي العالم من الانفلات، في ظل ما نراه اليوم من التفاوت الكبير والمخيف،على كل الأصعدة والمستويات من خلال ما أفرزه سوء استخدام وتطبيق العولمة بكل فروعها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وغيرها من مصطلحات العولمة الحديثة.

إن النظام الاقتصادي العالمي، المعبر عنه بالعولمة الاقتصادية، يشكل تأثيراً كبيراً على البلدان الإسلامية واقتصادياتها، إذ وراء هذه العولمة خبراء اقتصاديون وحكام سياسيون لا يفكرون إلا في مصالحهم الشخصية ومنافعهم الفردية، وهذا ينذر الإنسانية كلها وليس المسلمين فحسب بالشر والخطر.(6) وأمير المؤمنين عليه السلام لم ينظر لمصالح شخصية ومنافع فردية وإنما ينظر إلى طاعة الله أولا وأخيراً وان يسعد العالم بالرخاء في ظل العولمة الإسلامية وأقصد هنا نشر الاقتصاد الإسلامي في العالم كله لكي يعيش العالم حياة اقتصادية سليمة لا كما نراه اليوم من تغليب المصالح الفردية على المصالح العامة للناس.

نحن اليوم بأمس الحاجة لإستلهام الروح المعنوية واستخلاص الأبعاد الإنسانية وذلك بإتباع نهج الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وأهل بيته الطيبين الطاهرين المعصومين.

إن الحكمة من حادثة التصدق بالخاتم، لا تكمن في طريقة وممارسة التصدق، ولو كان كذلك لنفع من تصدق بخواتم كثيرة بعد هذه الحادثة ولكن دون جدوى، فالحكمة إذاً تكمن في مدى خشوع وروحانية المتصدق، وأمير المؤمنين يتفجر الخشوع منه سلام الله عليه، حقاً كانت حادثة التصدق بالخاتم حادثة عكست كل المعاني والأبعاد الإنسانية وعكست بذلك إنسانية الإسلام.

الهوامش

1)     فقه السلم والسلام للسيد الشيرازي (قدس سره)

2)     سورة المائدة الآية رقم (55)

3)     تقريب القرآن إلى الأذهان للسيد الشيرازي (قدس سره)

4)     الكافي الجزء الأول

5)     نفس المصدر

6)     فقه العولمة صفحة (7 للسيد الشيرازي (قدس سره)

alaradimohd@hotmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية -الخميس 26  /كانون الثاني/2006 - 25/ذي الحجة/1426