بعد أن كثر إنشاء عديد من المنظمات المدنية وبشكل منقطع النظير لم
يسبق لتاريخ العراق له مثيل، ويمكننا القول بأن التجربة العراقية من
حيث النوع والكم سبقت كل الدول العربية والمجاورة. ولهذا العدد الهائل
من التنظيمات المدنية سلبيات وإيجابيات وأن أي تغيير مفاجئ له فوائد
ومشاكل ولعل مشاكل المؤسسات المدنية بهذا الكم الكبير له آثار صحية
وأخرى مشوشة لواقع الحال العراقي. لأن الشـــعب العراقي كان مرغما
بالعيش تحت سطوة حكم استبدادي لم يفسح للإنسان العراقي بالإطلاع لما
يجري من أمور خارج السور الفولاذي العراقي المصطنع...ولكون الشعوب
المتحضرة والمتطورة من ناحية التنظيمات المدنية التي أصبح لها تجارب
عديدة وأعطيت دورا مهما في تغيير مجتمعاتها في أطر متنوعة ذات طابع
حضاري ينمي الإنسان من جوانب عديدة ويجعله حقا صانع قرار.
المنظمات المدنية العراقية وبهذا الكم الهائل لا يمكنها من وضع حلول
للمشاكل التي يعاني منها أبناء الشعب العراقي لكونها لم تتخصص بمواضيع
حسب الحاجة والواقع الجغرافي التي أنشأت فيه، بل نلاحظ أكثر هذه
المنظمات شاملة في التعبير والأهداف والمصالح ولدى معظمها خلط كبير بين
المفاهيم والمصطلحات، ولا تفرق بين الدولة والسلطة، ولا تعي بعضها
الفرق بين المصطلح والمفهوم...ولا يمكنها أن تفرق بين المجتمع المدني
ومؤسسات المجتمع المدني...وليس لديها جواب شافي وكافي حول أن العراق
مجتمع مدني أم لا...وليس لديها الأسلوب العلمي الدقيق في تعاملاتها مع
المؤسسات الحكومية. ولم ترسم خطوط للروابط لا بينها ولا بين المؤسسات
الحكومية. ولم نحاول من صياغة قانون تنظم عمل المنظمات داخليا وخارجيا.
حتى أن أكثر الأنظمة الداخلية للمنظمات هي بمثابة استنساخ لأنظمة
داخلية لمنظمات قد عملت بدون أي قيود وأحكام بل وضعت أنظمتها على أساس
التعبير الخاص والخبرة المستوحي من تنظيمات أخرى عربية كانت أم أجنبية،
وأخرى طبقا لما كان سابقا مع بعض التغييرات الطفيفة لكي يلائم الواقع
الحالي المفروض.
السلبيات:
الكثرة لا تعني الإيجابية، ويقال النوع ولا الكم....قد تكون لكثرة
وجود المنظمات سلبيات عديدة ظاهرة منها وأخرى خفية لا تظهر إلا في حالة
التصادم مع الواقع العملي.
الشعب العراقي يعيش في حالة يأسى لها ويدمى لها الجبين، ويعيش تحت
خط الفقر أكثر من تسعة مليون عراقي ومثلهم عاطلين عن العمل....ويدفع
العراقي لكي يحصل على وظيفة عشرات الآلاف من الدنانير بعد أن يرهن داره
(بل بالدولار- 3 ورقات أو أكثر) إذا كان يملك دارا أو يستقرض مبلغ كبير
لكي يوفيه بعد أن يحصل على الوظيفة التي وعد بها... ويصطدم هذا
الإنســـان بأناس لا ذمة لهم ولا ضمير فيستغلون وتذهب أموالهم هواء في
شبك. وقد تكون بعض هذه المنظمات وسطاء بين السماسرة وبعض المسؤولين في
أجهزة الدولة المختلفة. وهذا من مؤشرات السلبية بل أساس الفساد –
والمصيبة أعظم حينما يكون الأمر بمشاركة من ما يسمى بمنظمات مدنية....
لو أن منظمة دولية أرادت أن تخصص مبلغا للعوائل المتعففة، ويصل مثل
هذه المبالغ بأيدي بعض المنظمات فكم من تلك الأموال تصل للعوائل
المعنية وكم من المال يستهلك في الطريق بطرق غير مشروعة...ليس لدينا
إحصائيات دقيقة حول مثل هذه القضايا، بل ما يصلنا أخبار ووشايات منها
قد تكون صحيحة وأخرى قد تكون كيدية.
في العراق منظمات أجنبية تقدم الدعم المادي للمنظمات من خلال مشاريع
متنوعة، لكن كم من هذه المنظمات التي حصلت عل هذه المنح مستحقة أو
بالأحرى منظمات فاعلة وكم منها وهمية ليس لديها أي عناصر..بل تستغل
المشاريع لغايات خاصة ...وكم هو حجم الفساد بين المنظمات الأجنبية
والمنظمات المنظمة لعملية المشاريع وإيصال المنح.
أصل عمل المنظمات المدنية آتية من عملية تطوعية، تفيد الأعضاء
والمستهدفين، وليس عملهم ربحي كما هو ملاحظ ومشاع في الشارع العراقي.
وكم من هذه المنظمات المدنية تتبع سياسة أحزاب معينة يستغلون أوقات
وأموال الناس لأجل مصالح حزبية ضيقة.
وكم من هذه المنظمات ترفع عناوين إنســـــانية وفي واقع عملها تهدم
الإنسان وتحطمه من خلال أمور كثيرة ومتنوعة، وقد تكون من أدواة الإرهاب
المحلي والعالمي. وكم من هذه المنظمات تعمل مع عصابات نهب واحتيال، ولا
علم للمسئولين بها...لكن إذا تطرق أحد لمثل هذه المواضيع نرى أصوات
تتعالى بأن الحكومة تتدخل بشؤون المنظمات المدنية. وهناك رواية تقول: (لا
تجعلوا أنفسكم عرضة للشبهات) السؤال...هل الخطاء في الحكومة أم الخطاء
في المنظمات ذاتها.؟
أهم وأخطر هذه السلبيات بأن رأي الشــــــــعب العراقي يتحول من
إيجابي نحو المنظمات المدنية لرأي ســـلبي وبالتالي تنعدم الثقة بعمل
المؤسسات المدنية ويخلط الطالح بالصالح وهذا يعد بمثابة كارثة، لأن
المستقبل يعد للمنظمات المدنية بأن تقود المجتمع العراقي نحو التطور
لكي يكون مجتمعا مدنيا.
ما العمل ..ما الحل؟
في بداية الأمر لا يمكننا أن نقول بأنه لدينا الحلول المثالية لأي
من تلك المشاكل التي عرضناها، لكن التجربة علمتنا الكثير وما نطرحه ليس
بأمر يجب التقييد به دون غيره من أفكار وطروحات.
هناك مثل أوربي يقول: من لم ينظف أمام داره لا ينتظر جاره لينظفه...
والمنظمة المدنية التي تريد أن تعمل بنزاهة عليها مراجعة بعض الأمور
لكي لا تقع في أخطاء قد يكون من الصعب أن تسترجع سمعتها في المجتمع.
- كل منظمة مدنية بحاجة أن تحدد أهدافها لكن شرط أن لا تكون هذه
الأهداف شمولية وكأن المنظمة تحاول لعب دور
سلطة تنفيذية في الدولة...
- أي منظمة لا بد أن تكون لها هيكلية حسب حجم المنظمة ودورها في
المجتمع.
- كل منظمة لا بد أن تخضع للقوانين الوطنية، لذلك لابد من تسجيلها
في الدائرة المختصة، والشروط المفروضة من مكتب تسجيل المنظمات شروط
واقعية.
- كل منظمة يجب أن تخضع للرقابة المالية، فلابد أن يكون لها سجل
الحسابات اليومية وميزانية.
- كل منظمة المدنية لها خصوصية تختلف عن باقي المنظمات فهذه
الخصوصية لابد أن تعلن في النظام الداخلي وبشكل واضح...وتبني سياستها
على أساس الخصوصية. وهنا نعني بأن منظمة تهتم بشؤون المرأة فلماذا تذكر
في أهدافها خصوصيات قد لا يلائم واقع عمل المنظمة. ومنظمة تهتم
بالرياضة والشباب فما علاقتها بخصوصيات أخرى قد لا قدرة لها عليه.
القصد هناك 4000 منظمة أو أكثر ومنها مئات متخصصة بحقوق الإنسان...فلماذا
لا تتوحد هذه الجهود وتعمل على أساس الرقابة الداخلية لعمل هذه
المنظمات وتنشأ شبكة منظمات حقوق الإنسان...وشبكة منظمات المرأة ..وشبكة
منظمات زراعية...وشبكة منظمات طلابية..وشبكة منظمات المعوقين...والمثقفين..والصحفيين..والكتاب..وشبكة
منظمات إنســــانية إغاثة وغيرها..وأرامل..وموهوبين..وحقوقيين وأطباء
ومهندسين وعمال وعاطلين عن العمل ..إلخ.
نرى أنه من الأفضل تجمع المنظمات المتشابه في حلقة لتكوين لجنة
مختصة تسمى شبكة باختصاص مجموعة المنظمات وجمع مجموع الشبكات المختلفة
في هيئة تشمل جميع التنظيمات الجماهيرية لكي يكون لهم قوة كلمة موحدة...يتشاورون
في أمورهم ومشاكل البلد والشعب، ليكونوا رقباء على أنفسهم وعلى
المؤسسات الحكومية، وبالتعاون نبني عراق موحد ونســـعى جميعا لمجتمع
مدني متطور.
مؤسسات المجتمع المدني بحاجة لقانون تهيئ لها أرضية قوية تنبي على
أساسها منظمات واضحة المعالم وقادرة على أداء دورها المهم في خدمة
الإنســان العراقي لكي يتعرف على القوانين ويحترمها ويعمل من أجل
تطويرها من أجل أن نصل لمجتمع مدني متطور.
مؤسسات المجتمع المدني لابد لها أن تجتمع حسب الاختصاصات ضمن
تنظيمات توحيد جهودها، لكي يصبح لدينا عدد من الشبكات المدنية ومن ثم
نستعد للعمل من أجل الترابط بين مجموع هذه الشبكات وبالنتيجة نحصل على
تنظيم يحمل في طياته منظمات مترابطة عارفة بالقانون الخاص متراصة
الصفوف متوحدة في الكلمة وتصب جهود المجموع لخدمة الوطن والشعب.
الحلول المرحلية
أولا:الثقافة العامة.
المنظمات المدنية بحاجة ماسة لوعي متكامل حول مجمل قضايا
المجتمع، وأن كون لدى أعضائها تعريف واقعي وحضاري عن – المجتمع –
المجتمع المدني – مؤسسات المجتمع المدني – المؤسسات الحكومية- الدولة –
السلطات الثلاثة- المفاهيم والمصطلحات- المواطنة – الحقوق والواجبات -
وعي شامل ومتكامل حول الظروف التي تفرض على الشعب العراقي – العلاقات
العربية والدولية- كيفية عمل المنظمات المدنية في دول العالم.
ثانيا: الترابط بين المنظمات متشابهة الأهداف
والمصالح.
جمع المنظمات ذات الأهداف المتشابهة في مسار واحد موحد مع
المحافظة لكل منظمة على خصوصيتها في العمل بداية ومرحليا التوصل لنظام
يشمل عمل كل المنظمات المتشابهة في الأهداف والرؤى.
ثالثا:الترابط بين
الشبكات المدنية.
إيجاد أبســـط وأقرب المقترحات الممكن تطبيقها للتقارب بين
شبكات المنظمات المدنية، شريطة أن لا تفقد أي شبكة خصوصيتها ومنهاجها.
لكي تصل من خلال اللقاء والحوار لنظام متفق توحد عملها لهدف استراتيجي
معين.
رابعاً: إنشاء مؤسسة شبه رسمية.
الوعي الحكومي المتكامل لأهمية التعاون بينها وبين المؤسسات
المدنية، يكون ضروريا التوصل لصيغة عمل مشترك تسهم في عملية المشاركة
في صنع القرار الجماهير المنظم. لذا نقترح بإنشاء مؤسسة شبه رسمية
يتكون موظفيها من رؤساء شبكات مؤسسات المجتمع المدني وموظفي الحكومة
الذين لديهم خبرة في عمل المؤسسات المدنية.
إننا نحترم كل الآراء والمقترحات التي تصب في عملية تنظيم منظمات
المجتمع المدني وتدعم استقلاليتها الحقيقة البعيدة عن استغلال الأحزاب
السياسية لوجود المنظمات من أجل مصالحها. وبعيدة عن استغلال بعض
المنظمات عناوينها من أجل الكسب المادي الخاص، وبعيدة عن التورط في
استغلال مشاعر أبناء الشعب العراقي لمنفعة دول أجنبية لا تريد الخير
للشعب العراقي، إننا نســـعى من خلال هذه الأفكار لتطوير منظمات مدنية
وطنية وصادقة القول والعمل تضع نصب أعينها أن العمل التطوعي نابع من
وطنية الإنسان العراقي وإخلاصه لوطنه وشعبه، وأنهم يعملون ابتغاء مرضاة
الله....والله تبارك وتعالى يقول: (وأتبعوا رضوان الله والله ذو فضل
عظيم) – صدق الله العلي العظيم.
* رئيــــس الهيئة الوطنية المنسقة
لمنظمات المجتمع المدني الموحد في العراق |