قصص قصيرة جدا

  عبد الكريم حسن مراد

 1-   خفافيش تبحث عن أجنحة

حين داهمني فجأة أحسست بأن الأشياء من حولي صار لها أجنحة تشاركه المداهمة أفق طائري اصبح ضيقاً في مداراته, راح يتخبط في تحليقاته كمن يعاني العشو في عتمة ليل لا تاريخ له, دخان نرجيلتي المتدفق يرسم شباكاً رمادياً فيغلق منافذ الروح ينتهك جدار جسدي الصلد, يهشمه, تأوهات بائعة الحلوى تراودني تخترق مسامعي, كانت تلاعب ما بين فخذيها من خلف عباءة سوداء, تحدت حروباً ثلاثاُ باردة, أحاول من خلال تلك الهمهمات ان اشغل نفسي عن ذلك الذي راح يضيق الخناق علي, ولكن دونما جدوى فتحت ضرباته يتبعثر كل ما أصبو اليه, حاولت استحضار وجه سلمان العبد لأشرح ذلك الأفق المتخم بوجه الكمد الموشوم في خارطة الذهن لكنه يتلاشى كغيمة مطر في يوم بارد ثمة نغم يصلني يحلق كطائر ابيض فوق مساحة تواجدي يكبر ويكبر حد الزعيق يغطي سعة الأفق يحملني من مكاني, يدفعني نحو الشارع المكتظ بالوجوه التي اتعبها دوي الانفجارات يسير بي نحو طريق مفتوح يخترق بي الأجساد المتعرقة. الأشياء من حولي تتهشم اجنحتها فتسقط على وجه الرصيف فيموت وجه ذلك المداهيم يصطدم جسده بعمود رخامي صلب وقد نقشت حروف اسمه على الجدار بكلمات (خوف منتحر]..

2 -    عندما تتقاطع الارصفة

حين شعر بتعب شديد القى بكل ثقله على قدميه. حملتاه على وهن عند اقرب مصطبة رمى بجسده تحت مظلة انتظار منسية منذ زمن بعيد. مدد ساقيه اجتر شيئاً من هواء المدينة الملوث. خفقات قلبه كانت تتباطأ. عيون ذئبية كانت تمرق من امامه. تتلصص على نزعاته. صوت حفارة سيارة الشرطة تشرخ اخر رشقات الهواء من رئتيه. ظله كان بمنائى عنه. يقف على مسافة خطوات. يبصر امراة تقف على خطوات منه تلاعب بتناغم حلمة ثديها الايمن. الاشياء من حوله تتقلص تدريجياً. يرتعب ثانية. يرفع يده الى فمه. يحاول ان يصرخ فتموت الهمهمة. فيموت وصدره محتضنناً راسه بينما كان ظله يتبادل الاحاديث مع المراة الواقفة قرب المظلة..؟

3-   صلاة

(الى وجعي الذي يراهن عليه الآخرون)

الضؤ الساطع يضيء جسده , الألم يرقص فوق متاهاته , وقع خطواته يتناغم مع صفير الريح , هواء بارد يلفح وجه الساحة . مصطبة بائعة الحلوى تتلوى تحت ضربات الهواء , اصطفاق أجنحة الخفافيش يموت تحت انثيالات الخيط الآصفر , يخطو متكئا على أحزانه . رنين خطوه يمزق فراغات الطريق , ظله يكبر , يتشظى , ينشطر . تبهت خيوطه عند أول وهج للضؤ ثم يعود ليلتحم مع الجسد , ناقوس الكنيسة يدق , الصليب يشع نورا , يضيء جانبا من البيوت ,عند الباب يقف برهة ,يشعل شمعة ضوئها يضيء جانبا من وجهه , شرطي الحراسة يخطو نحوه , يخرج من علبته سيجارة يشعلها من الشمعة , يبتسم له يتآلف الوجهان , الشرطي يمج شيئا من الدخان ثم يربت على كتفه بحنان ليعود الى مظلته لينضوي تحتها , برودة الجسد ,أخذت تخفت قليلا . يدخل الضؤ كل مكان , بياض الجدران أشبه ببياض النوارس , رائحة البخور تعبق , يتضوع , سكون , شيء من ألمه يسكن , الجسد المصلوب يواجهه , جراحاته تتحول الى عصافير ملونة . تحلق فوقه, يضع الشمعة أمام الأيقونة .

شبكة النبأ المعلوماتية -الثلاثاء 17/كانون الثاني/2006 - 16/ذي الحجة/1426