أزمة المراهقة واقع ... والعبرة بأسلوب المعالجة

تحقيق: ختام محمد

* 95% من الشباب يعانون من مشكلات بالغة يواجهونها عند محاولتهم عبور فجوة الأجيال التي تفصل بين أفكارهم وأفكار آبائهم.

* أن أول صدام للمراهق مع المجتمع، يكون هناك تردد وصراع نفسي لنيل متطلبات الجسم واثبات الذات..

* إن استعدادنا لتقبل الحديث عن الجنس مع أبنائنا أكثر فائدة من أوضح الكتب المصورة عن الأعضاء الجنسية..

 تعتبر المراهقة فترة حرجة جداً، فهي فترة انتقالية بين الطفولة المتأخرة والنضوج، يعمل فيها المراهق أو المراهقة على التخلص من الطفولة المعتمدة على الكبار ويبدأ في البحث عن الاستقلال الذاتي والحرية التي يتمتع بها الراشد .

وترى المتخصصة النفسية ستيفان كليرجيه، مؤلفة كتاب “المراهقون والازمة الضرورية” الصادر عن دار مارابو الفرنسية، بأن هذه المرحلة من حياة الإنسان مهمة رغم أنها تختلف من فرد إلى آخر.

حيث ترى أنه إذا كانت صحة الطفل جيدة ولديه اصدقاء ويحب اللعب والذهاب الى المدرسة فسيكون مهيئاً بصورة أفضل لخوض إشكالات هذه السن، ولكن لن يكون بمقدوره الإفلات منها، فالتغيرات الطارئة على جسده واكتشافه الحياة الجنسية واكتسابه رؤى جديدة حول العالم، كل هذه المسائل لا يمكن أن يمر بها من دون التعرض لأي اضطرابات, بعض المراهقين يعبرون عنها بصورة قوية والبعض الآخر يعيشونها على نحو رتيب.

أو بتبنيهم أسلوب  حوار عدواني، يحاول المراهقون أن يثبتوا مقدرتهم على التخلص من سلطة آبائهم. وهذا امر غير مقلق إذ كل ما يحتاجه الأبناء هو أن يكف الوالدان عن معاملتهم كأطفال صغار.

 ويقول د. محمد أحمد مدرس جراحة المخ والأعصاب كما ذكرت جريدة الرياض أن مرحلة المراهقة تبدأ بشكل بيولوجي «عضوي» وهو البلوغ ثم تكون في نهايتها ظاهرة اجتماعية، حيث يقوم المراهق بأدوار أخرى ما كان يفعلها من قبل وبهذا المعنى فإن المراهقة عملية بيولوجية نفسية اجتماعية تسير وفق امتداد زمني متأثرة بعوامل النمو البيولوجي والفسيولوجي وبالمؤشرات الاجتماعية والحضارية والجغرافية، فهي مرحلة مرتبطة بتغيرات فزيولوجية في الجسم، ومنها تغير الأعضاء الجنسية التي يكتمل نموها

 مشاكل المراهقة

أهم مشاكل المراهقة هي حاجة المراهق في أن يتحرر من القيود المفروضة عليه من أسرته  وحاجته للشعور بالاستقلال الذاتي وهذه أمور ممكن أن تكون من الأسباب الجوهرية للخلافات  التي تحدث بين المراهق وأسرته ومن أمثلة ذلك الخلافات التي تحدث نتيجة اختيار الأصدقاء  وطريقة صرف النقود أو المصروف والتأخر في العودة إلى المنزل في المساء  ومشاكل الدروس وطريقة اختيار الملابس وقص الشعر

إن كلا من الأسرة والأبناء يجب أن يعترفوا بوجود هذه المشاكل الطبيعية حتى يستطيع الجميع التكيف معها وأن يبذلوا جهدهم ويغيروا سلوكهم حتى يتجنبوا الصدام العنيف والوصول إلى بر الأمان حتى يسود الأسرة جو من المحبة والطمأنينة

وتدل الكثير من الدراسات والبحوث التي أجريت حول مشكلات المراهقة ومعاناة الشباب أن أكثرهم يعانون من فجوة الأجيال التي تتسع تدريجيا والتي يزداد اتساعها يوما بعد يوم ، بين ما يقومون به من أعمال وبين توقعات آبائهم فيما يجب أن يمارسونه فعلا بما يتفق مع معاييرهم الأسرية

وتشير الدراسات إلى أن 95% من الشباب يعانون من مشكلات بالغة يواجهونها عند محاولتهم عبور فجوة الأجيال التي تفصل بين أفكارهم وأفكار آبائهم.

وتدل الدراسات أيضا أن أبرز ثلاث مشاكل يعاني منها الشباب في نطاق الأسرة- بناء على نتائج قياس حاجات التوجيه النفسي - مرتبة حسب درجة معاناتهم منها هي :

1.    الخوف من مناقشة مشكلاتهم مع أولياء أمورهم

2.    الخوف من معرفة آبائهم لما يقومون به

3.    وجود فجوة بين ما يفكر به الأبناء وما يعتقده الآباء صحيح من وجهة نظرهم

وبذلك نجد الكثير من الشباب لا سيما الذين لا يجدون من يسمعهم أو يصغي إليهم  يلجئون لأصدقائهم وأخذ مشورتهم لحل مشاكلهم ,أي يجدون في المجموعة التي ينتمون إليها الخلاص من واقعهم وإشباع لحاجاتهم التي فشلت الأسرة في تحقيقها , والخطر هنا أن يكون لبعض هؤلاء الأصدقاء تأثير سلبي في حين نجد للبعض الآخر  تأثير إيجابي

ويذكر الدكتور محمد أحمد أن أول صدام للمراهق مع المجتمع، يكون هناك تردد وصراع نفسي لنيل متطلبات الجسم واثبات الذات سواء عن طريق الأسرة أو المجتمع مما يؤدي إلى شتات التفكير وشرود الذهن في المرحلة السنية،وان هناك اختلافا سلوكياً وفكرياً مؤقتاً في هذه المرحلة،وهذا يفسر الاتجاه الديني عند بعض الشباب والسيطرة الجسمانية عند البعض الآخر، وقد يحدث أيضا بعض التغيرات التي تجعل التفكير يتشتت في كل الاتجاهات".

كما يؤكد على أهمية دور الآباء في التعامل مع هذه المرحلة نظراً لخطورتها وعدم إرجاع كل شيء إلى الناحية الجنسية فقط، بمعنى ان الحالة التي قد يظهر عليها المراهق من حالة الشرود والنسيان قد يكون سببها مشكلات نفسية أو ضغوط عصبية

فالمراهق لا يستطيع التحكم في مشاعره العاطفية وخياله الإنساني فيشعر بها رغماً عنه، ولكن على كل الآباء احتواء أبنائهم وصداقتهم واحتوائهم ، حتى لا يخجل الأبناء من التصارح مع آبائهم فيلجأ المراهق إلي خارج المنزل وهنا سيواجه خطراً حقيقياً .

وعندما تنتقل الفتاة من مرحلة الطفولة إلى مرحلة البلوغ و المراهقة فإنها تنتقل إلى عالم جديد تماما عليها يصاحبه ثورة عارمة فى جسدها و نفسها و لعل هذا التغيير يكون أهم تغيير فى حياتها كلها. و تكون الفتاة الصغيرة خلال هذا الانتقال شديدة الحاجة لأم تقف بجوارها تمدها بالحنان و الحب و تزودها بالمعلومة و الفهم الصحيح و الحوار الهادئ. و إن لم تجد الفتاة هذا العون فربما تنزلق لمشاكل نفسية خطيرة تشوه فترة حساسة فى حياتها.

تتأرجح الفتاة فى مرحلة البلوغ بين رغبتها فى أن تعامل كفتاة كبيرة راشدة و بين رغبتها وحاجتها أن يهتم بها من حولها مما يحدث ارباكا للوالدين ، و لكن لا مفر للوالدين من التحلى بالصبر فى التعامل مع التغييرات المتلاحقة التى ستمر بأبنتهما، و على الأم أن تتحمل مسئوليتها فى العبور بابنتها إلى بر الأمان فى هذه المرحلة الحساسة بالحوار الهادئ الذي يصاحبه زرع للثقة فى نفس الفتاة بأن تبين لها الأم أنها أصبحت الآن فتاة ناضجة لها شخصيتها و احترامها و أصبح لها حياؤها الذي يزينها و يزيدها جاذبية وجمالا و مما يساعد فى بث هذه الثقة  كذلك يجب أن تبتعد الأم تماما عن العتاب و التوجيه المباشر و أن تتجنب تعبيرات مثل (أنت لا  تفقهين شيئا) و(أنت مذنبة في كذا وكذا.. ) بل تبدأ الحوار فى كل مرة بأن تشعر أبنتها بأن لها رأي ووجود وأنها أصبحت ناضجة وقادرة على اتخاذ القرار الصحيح وتناقشها بما  سيحدث عندما يأتيها الحيض لأول مرة ، و هى تجربة شديدة الحساسية بعيدة الأثر فى نفس كل فتاة ، و توضح لها أنها تغيرات طبيعية جدا. و تغلف كل هذا بالمعانى الراقية. ويجب أن تحذر الأم من انزلاق الحوار المطلوب إلى جدال و خلاف فإن هذا يصيب العلاقة مع ابنتها بالفتور و الضيق ، ويجب أن تبدي مرونة يجعلها تلتقي مع ابنتها فى منتصف الطريق عند حدوث خلاف في الرأي لأن العصبية و التوتر الذي يصاحب فترة البلوغ تحتاج إلى سعة صدر لاحتوائها.

وهنا  ينبغي أن توفرللفتاة  مساحة أوسع من وقت والديها وتعطى فرصة أكبر للتعبير عما بداخلها، وعلى الوالدين أن يكون استماعهم لها أكثر من حديثهم إليها.

و ينبغي أن تشعر هذه الفتاة بأن أهلها يحبونها ويرحمونها وذلك لأنها إذا تشبعت في بيتها بالحنان فلن يكون في قلبها فراغ عاطفي تحتاج لأن يملأه الأشخاص غير المرغوب فيهم كالشباب الذين يعاكسون الفتيات ويسمعونهن من كلمات الحب والحنان ما افتقدته الفتاة في بيتها.

كذلك يجب على والديها أن يقطعوا عنها وسائل الانحراف فلا يمكنوها من مشاهدة الفضائيات ولا تصفح الإنترنت إلا برقابتهم وتحت إشرافهم .

 من المفيد أيضا أن تتطرق الأم للكلام مع أبنتها عن العلاقة مع الجنس الآخر و أن فهم هذه العلاقة ليس سرا أو معيبا ، و ليس من الضرورى أن تغوص الأم فى سرد تفاصيل العلاقة الحميمة بين الرجل و المرأة فى هذه المرحلة و لكن فى نفس الوقت لا تتجاهلها بالكلية ، بل تتحدث مع فتاتها بالقدر الذى يفهمها أن هذه العلاقة الطبيعية ليست عيبا أو شيئا مستقذرا أو لا يصح الحديث عنه.

إن تجنب الكلام تماما عن العلاقة بين الجنسين ربما يوقع الفتاة الصغيرة التى بلغت لتوها فى مشكلتين كبيرتين:

• فربما تنطوى البنت على نفسها و تشعر أن هذه علاقة معيبة فيتكون لديها موقف مضاد للجنس و رهبة من هذا المجهول يؤثر فيما بعد على علاقتها بزوجها و ربما تتطور لأزمة زواج حقيقية،  أو تغامر بنفسها فى البحث عن هذا المجهول الغامض إما عن طريق زميلاتها أو عبر الانترنت أو بأى وسيلة أخرى و التى عادة ما تجد فيها المعلومة إما بشكل غير تربوى أو بطريقة تجارية فجة.

و كلا الأمرين يمكن تجنبه ببساطة و كلام الأم المباشر مع ابنتها أغنى من أى كلام نظرى يقدم لها من أى جهة أخرى. تقول الإخصائية الألمانية "مارلين ليست" ( إن استعدادنا لتقبل الحديث عن الجنس مع أبنائنا أكثر فائدة من أوضح الكتب المصورة عن الأعضاء الجنسية).
 نهاية لا يسعنا سوى دعوة الأهل إلى أتباع أسلوب  الحوار  البناء مع الأبناء في هذه المرحلة العمرية الخطيرة  لأن أي شرخ في هذه العلاقة لا بد أن يترك أثرا في شخصية المراهق وبالتالي في حياته مستقبلا و نريد من الأم أن تكون العين الحانية و الحضن الدافئ الذي تلوذ به ابنتها التى انطلقت من عقال الطفولة إلى رحابة و سعة المراهقة.

شبكة النبأ المعلوماتية -الاثنين 16/كانون الثاني/2006 - 15/ذي الحجة/1426