العالم اليوم بأمس الحاجة لحياة ملئها السلم والسلام بمعناهما الأعم
والشمولي، فالسلم والسلام بمعناهما الأعم والشمولي، يقتضيان الأمن
والعافية والاستقرار والازدهار وكل ما يوجب تقدم الحياة وتطورها ووضعها
في أبعادها الصحيحة، صحية واجتماعية، واقتصادية وسياسية وعسكرية
وإعلامية وغيرها (1)
والإسلام جاء ليزرع ثقافة السلم والسلام في الفرد المسلم، ليبث هذه
الثقافة من خلال تفاعله المتمثل بسلوكه مع الآخرين، فيؤثر ويتأثر وبذلك
يحدث التفاعل الايجابي داخل المجتمع بشكل عام...
وخير من يمثل الإسلام بمنهجيته الصحيحة هم العترة الطاهرة، صلوت
الله عليهم أجمعين الذين أسسوا القواعد الأخلاقية، لبناء مجتمع سليم
وصحي خال من الأمراض الاجتماعية المنبوذة، ابتدأ بتنمية الأخلاق
القويمة المتمثلة بثقافة السلم والسلام، فهذه الثقافة ليست مصطلحاً
حديثا يتداوله الأدباء والمفكرين، كما يذهب البعض إنما هو وليد الإسلام
وانعكاساً لحياة المعصومين صلوات الله عليهم، فالإمام الباقر صلوات
الله عليه وهو المتصف بالعلم لحد التبقر فيه، قد منهج ثقافة السلم
والسلام من خلال احاديثة وسلوكه العملي، فقد عاش إمامنا الباقر صلوات
الله عليه في مجتمع متأثر بالثقافة الأموية الفاسدة، التي تفشى في ظلها
الانحراف الاجتماعي والأخلاقي ناهيك عن الفساد الفكري والعقائدي
والسياسي، فراح الإمام الباقر يصلح هذا المجتمع، وخاصة بعد انشغال
الدولة الأموية بمشاكلها الداخلية، وانشغالها عن ملاحقة الإمام الباقر
صلوات الله عليه.
وقد بذل الإمام الباقر عليه السلام العناية الخاصة لإصلاح المجتمع
ابتدأت بإصلاح قواعد هذا المجتمع، الذي إذا صلحت صلح المجتمع وإذا فسدت
فسد المجتمع وراح يجسد قول جده الرسول الأعظم حيث قال ((صنفان من أمتي
إذا صلحا صلحت أمتي وإذا فسدا فسدت أمتي الفقهاء والأمراء)) (2).
إن حياة الإمام الباقر صلوات الله عليه كلها سلم وسلام، وكيف لا وهو
السائر على خطى أبيه وأجداده الطاهرين التي كانت مواقفهم العملية، تتسم
باللاعنف والسلم واللين والعفو والتغاضي عن الإساءة وعدم ردها بالمثل،
(3) فسلوك الإمام الباقر صلوات الله عليه المتسم بالسلم والسلام، لم
يكن موجه للمسلمين فقط بل امتد حتى لليهود والنصارى والمشركين، وهنا
يعطي الإمام منهجية للسلم والسلام بأن سلم وسلام الإسلام، هو سلم
وسلاماً عالمي لا ينظر لدين ولا لجنس ولا لشعب بعينه ولا حدودا جغرافية
مصطنعة، ولندلل على هذا برواية تصف مدى سلمية وسلام الإمام الباقر
صلوات الله عليه، فقد روي أنه جاء نصراني إلى الإمام الباقر عليه
السلام وقال له: أنت بقر !.
فقال الإمام عليه السلام: لا، أنا باقر.
قال: أنت ابن الطباخة ! (4)
قال: ذاك حرفتها.
قال: أنت ابن السوداء الزنجية البذيّة.
قال: إن كنت صدقت غفر الله لها، وإن كنت كذبت غفر الله لك، فأسلم
النصراني (5).
ومما روي عنه صلوات الله عليه وكلها أحاديث تدعو لأن يعيش المجتمع
في سلم وسلام أنه قال ((إن أعرابياً من بني تميم أتى النبي صلى الله
عليه وآله وسلم فقال له: أوصني فكان مما أوصاه تحبب إلى الناس يحبوك))
(6).
وروي أيضا عنه صلوات الله عليه أنه قال ((إن الله عز وجل يحب الرفق
ويعطي على الرفق مالا يعطي على العنف)) (7).
فسلام على الباقر يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.
(1) فقه السلم والسلام للإمام الشيرازي قدس سره
(2) الخصال ج 1
(3) اللاعنف في الإسلام للإمام الشيرازي قدس سره
(4) يجب العلم بأن هذا الرجل قد توهم من أن
خادمة أم الإمام الباقر هي أمه سلام الله عليه، وإن أم الإمام الباقر
عليه السلام هي فاطمة بنت الإمام الحسن عليه السلام وكان لها خادمة
سوداء تخدمها وتطبخ، وتربي لها ولدها الباقر عليه السلام وكان هو عليه
السلام: يناديها يا أماه !!!
(5) اللاعنف في الإسلام للإمام الشيرازي قدس سره
(6) الكافي ج 2
(7) نفس المصدر
alaradimohd@hotmail.com |