رحيل البلدوزر يلقي بظلاله على آمال السلام وحماس ترى ان المنطقة ستكون أفضل بغيابه

أكثر ما يميز رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون دائما هو اطلاق الزلازل. واختفاؤه المفاجيء من الساحة السياسية ليس استثناء من هذه القاعدة.

فاختفاؤه سيهز الساحة السياسية الاسرائيلية حتى النخاع. وسيكون أعمق اثاره تدمير أمله في انهاء الصراع المستمر منذ عقود مع الفلسطينيين ولكن بشروطه التي لا تقبل المساومة.

وقال يوسي كلاين-ليفي المحلل السياسي الاسرائيلي "ليس هناك من يقدر على توحيد البلاد حول قرارات صعبة يتعين اتخاذها كما كان يفعل شارون."

ويجاهد شارون (77 عاما) الملقب "البلدوزر" والذي كان يبدو على مدى فترة طويلة شخصا لا يقهر في أعين شعبه للبقاء على قيد الحياة يوم الخميس بعد اصابته بنزيف في المخ وإجراء جراحة له لوقف النزيف وشفط الدم.

وايا كان التشخيص الطبي فان الحياة السياسية لرئيس الوزراء انتهت فيما يبدو.

وهناك شكوك بشأن ما اذا كان التحول الاسرائيلي الكبير باتجاه سياسة وسطية والذي قاده شارون قبل بضعة أسابيع بعد استكماله الانسحاب من غزة قد يتمكن من البقاء حتى الى موعد الانتخابات في مارس اذار المقبل والتي كان من شبه المؤكد ان يفوز فيها شارون.

فحزب شارون الجديد كديما الاكثر ميلا لتيار الوسط يفتقر ليس فقط لقيادة بارزة أخرى تتمتع بالخبرة والقدرة على تشكيل قوة سياسية جديدة بل يفتقر أيضا لقائمة مرشحين في الانتخابات. والتي لم يكن لها وجود على الارجح سوى في رأس شارون.

وكتب نداف ايال في صحيفة معاريف واسعة الانتشار يقول "شارون هو كديما وكديما هو شارون."

وايهود اولمرت نائب رئيس الوزراء الذي تولى سلطات شارون سياسي له مستقبل واعد لكنه لا يمكنه كسب الثقة نفسها التي كان يتمتع بها شارون.

ومن المرشحين الاخرين لخلافته تسيبي ليفني وزيرة العدل وشاؤول موفاز وزير الدفاع وكلاهما يفتقر لقاعدة سياسية قوية.

وحالة الفوضى التي يشهدها حزب كديما ستخدم بالتأكيد ما تبقى من حزب ليكود الذي يقوده حاليا اليميني بنيامين نتنياهو بعد أن تمزق بخروج شارون منه قافزا من على متن السفينة الغارقة في محاولة للافلات من خلافات داخل الحزب بشأن ترك اراض محتلة للفلسطينيين.

لكن نتنياهو (بيبي) لديه على الاقل من المقومات أنه رئيس وزراء سابق على الرغم من انه لا يحظى بشعبية كبيرة.

وأظهرت استطلاعات رأي حديثة أن الزعيم النقابي عامير بيرتس زعيم حزب العمل تراجع مرة أخرى بعد انتعاشه لفترة وجيزة.

وقد يستفيد كديما من توقعات بأنه سيتبع خطى شارون لكن الاسرائيليين أوضحوا على مر العقود انهم لا يصوتون بدافع التعاطف. فقد هزم حزب العمل بعد اغتيال زعيمه اسحق رابين عام 1995.

وكتبت اتيلا سومفالفي في موقع صحيفة يديعوت أحرونوت على الانترنت تقول "الديموقراطية الاسرائيلية ستعرف كيف تتعامل مع هذا الاختبار كما عرفت كيف تتعامل معه في الماضي." وأضافت "لم يتضح كيف يمكن ان ينجو حزب كديما من ذلك."

وقد يكون أكبر الرابحين من رحيل شارون هم المتطرفون من الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني.. اليهود القوميون المتطرفون الذين يرفضون التفريط فيما يعتقدون أنه حقهم التوراتي والاسلاميون العازمون على تدمير اسرائيل.

ومجرد اختيار زعيم جديد سيعلق عملية السلام مع الفلسطينية بمقتضى خطة "خارطة الطريق" للسلام في الشرق الاوسط المتعثرة منذ فترة طويلة.

وفرصة العثور على بديل قادر على تمرير خطوات قد تعني التخلي على الاقل عن بعض المستوطنات في الضفة الغربية تمثل تحديا أكبر بكثير.

ورغم تحول شارون من كونه عراب حركة الاستيطان الى الرجل الذي طرد المستوطنين من غزة الا انه لا يمكن اعتباره رجلا يفضل التفاوض على المواجهة العسكرية.

وخطته المفترضة سواء باتباع خارطة الطاريق أم لا كان من المرجح ان تشمل ازالة بعض المستوطنات الصغيرة المتناثرة في الضفة الغربية والابقاء على المستوطنات الاكبر بمباركة الرئيس الامريكي جورج بوش.

وقال كلاين-ليفي "بخروج شارون من الصورة يصعب تصور أي شخص اخر يتمتع بالثقل والارادة التي تمكنه من تنفيذ المهمة بالغة الصعوبة المتمثلة في إجلاء عشرات الالوف من المستوطنين الاكثر تشددا."

ولكن الاهداف التي كان يسعى شارون لتحقيقها لا ترقى الى قيام الدولة الفلسطينية التي يريدها الفلسطينيون على جميع اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس الشرقية العربية.

ويخشى الفلسطينيون ان يملي شارون شروطا تترك لهم اجزاء متشظية من الارض التي يريدونها.

والسؤال الان هو هل سيرضى اي زعيم اسرائيلي بتسليم اي ارض للفلسطينيين.

وقال باسم عيد وهو ناشط في مجال حقوق الانسان الفلسطيني ان مغادرة شارون للساحة سيحمله الفلسطينيون على اكتافهم فقد كانت للفلسطينيين توقعات كبيرة.

ويقول محللون سياسيون ان تراجع احتمالات ان تكون هناك انسحابات اسرائيلية اخرى تزيد من خطر استعار الانتفاضة الفلسطينية من جديد بعدما هدأت نتيجة لاتفاق على التهدئة بين شارون وعباس.

وأعربت الفصائل الفلسطينية المستاءة من إجراءات شارون العنيفة ضد الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت قبل خمس سنوات عن فرحها.

وقالت حركة المقاومة الاسلامية (حماس) إن المنطقة بأسرها ستكون أفضل حالا في غيابه وان شارون كان من مارس "المذابح والارهاب" ضد الفلسطينيين على مدى عقود.

وكتب الوف بن المراسل الدبلوماسي في هاأرتس يقول "بكل الحرص يبدو أن عصر قيادة شارون لاسرائيل قد بلغ نهاية مأساوية."

ولخصت صحيفة يديعوت أحرونوت أكبر صحف اسرائيل حالة شارون في عنوان يقول "المعركة الاخيرة."

ولكن الفلسطينيين يشتبهون منذ فترة طويلة في أن خطة شارون لانهاء الصراع تعني انه سيملي شروطه التي لا تترك لهم سوى الفتات من الدولة التي يأملون في تأسيسها.

ومن شأن الازمة الصحية التي يتعرض لها شارون ان تبطيء من مساعي بوش لاقامة دولتين فلسطينية واسرائيلية تعيشان جنبا الى جنب في سلام.

وقال محللون سياسيون انه لم تهيمن على اسرائيل شخصية بالقدر الذي هيمن به شارون منذ دافيد بن جوريون أول رئيس وزراء للدولة اليهودية. وقال شموئيل ساندلر استاذ العلوم السياسة بجامعة بار ايلان "كل شيء سيتغير في اللحظة التي يرحل فيها."

وعاش شارون واحدة من أكثر الفترات المليئة بالضغوط في تاريخه المهني الطويل. وكانت هناك بالفعل علامات على أنها بدأت تنال منه حيث بدأ شارون يبهت.

وكان الانسحاب من غزة الذي خطط له شارون في العام الماضي رغم المعارضة الشديدة من المتشددين داخل حزب ليكود الذي يتزعمه مصدرا لقدر كبير من الثوران. وكان ذلك الانسحاب أول ازالة لمستوطنات من الاراضي الفلسطينية.

وواجه شارون عداء العرب لتدبيره الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982 الذي ارتكبت خلاله ميليشيا مسيحية موالية لاسرائيل مذابح في مخيمين فلسطينيين وبعد ذلك لرده العنيف على الانتفاضة التي اندلعت بعد زيارة قام بها للمسجد الاقصى عام 2000 قبل توليه رئاسة الحكومة.

وفيما يلي بعض الحقائق المهمة عن شارون:

- تولى شارون (77 عاما) الجنرال السابق الملقب "بالبولدوزر" رئاسة الوزراء عام 2001 ويقود اسرائيل وقت الانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال الاسرائيلي التي بدأت قبل خمس سنوات.

- اكتسب شارون عداء العرب لتدبيره الغزو الاسرائيلي للبنان عام 1982 الذي ارتكبت خلاله ميليشيا مسيحية موالية لاسرائيل مذابح في مخيمين فلسطينيين وبعد ذلك لرده العنيف على الانتفاضة التي اندلعت بعد زيارة قام بها للمسجد الاقصى عام 2000 قبل توليه رئاسة الحكومة.

- فور استكمال الانسحاب من غزة انشق شارون عن حزب ليكود الذي يتزعمه ليؤسس حزب كديما قائلا انه لم يعد يرغب في ان تبقى يديه مقيدتين في متابعة خطوات دبلوماسية لانهاء الصراع مع الفلسطينيين بالمعارضة التي يلقاها من يمينيين متشددين في الليكود.

- ظلت استطلاعات الرأي بعد اصابة شارون بجلطة بسيطة في المخ الشهر الماضي تشير الى أنه أقوى المرشحين للفوز في الانتخابات المقررة في مارس اذار المقبل كرئيس للحزب الجديد الذي يمثل تيار الوسط والذي اسسه بعد انشقاقه عن الليكود اليميني.

وفيما يلي معلومات مختصرة عن بعض الاعضاء البارزين في حزب كديما الذين قد يكونون مرشحين للحلول محل رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون الذي نقل الى المستشفى مساء يوم الاربعاء مصابا بنزيف في المخ.

- ايهود اولمرت نائب رئيس الوزراء والقائم باعمال رئيس الوزراء:

انضم اولمرت (60 عاما) للحكومة في عام 2003 بعد أن امضى عشر سنوات في منصب رئيس بلدية القدس. وكان قد أصبح أقوى وأقرب حليف لشارون في حزب ليكود اليميني الحزب السابق لرئيس الوزراء اثناء مناوراته لاحتواء تمرد داخلي بسبب خطته للانسحاب من غزة. واشتهر اولمرت بأنه روج افكارا معتدلة غامضة بشأن نزع فتيل الصراع مع الفلسطينيين مثل انسحاب أكبر من الضفة الغربية. وسارع باللحاق بشارون الذي انشق عن الليكود ليؤسس حزب كديما الاكثر ميلا الى الوسط في نوفمبر تشرين الثاني الماضي.

وتولى أولمرت سلطات شارون بعد نقل رئيس الوزراء للمستشفى يوم الاربعاء. واولمرت منافس منذ فترة طويلة لبنيامين نتنياهو وزير المالية السابق والزعيم الجديد لليكود.

- تسيبي ليفني وزيرة العدل:

ليفني (47 عاما) أبرز امرأة في الدائرة الضيقة المحيطة بشارون وتنحدر من عائلة قومية متشددة شهيرة لكنها أيدت فكرة اعادة بعض الاراضي المحتلة للفلسطينيين كوسيلة عملية للحفاظ على الاغلبية اليهودية في اسرائيل ان لم يكن للتوصل الى اتفاق سلام. وباعتبارها وزيرة للعدل شنت ليفني حملات لحشد ضغط أجنبي على الفلسطينيين لنزع سلاح حركة المقاومة الاسلامية ( حماس) وفصائل اسلامية أخرى.

- شاؤول موفاز وزير الدفاع :

ولد موفاز عام 1948 وأصبح وزيرا للدفاع عام 2003 بعد أن أمضى خمس سنوات قائدا للجيش المنصب الذي توج به تاريخه في العمل العسكري الذي استمر 35 عاما وشمل مهمات في القوات الخاصة ودورا في عملية انقاذ عام 1976 لركاب اسرائيليين في طائرة مخطوفة الى عنتيبي في أوغندا. وتبنى موفاز المتشدد في النواحي الامنية أساليب عنيفة ضد الفلسطينيين اثناء الانتفاضة مثل الغارات الجوية وهدم المنازل التي اثارت ادانات في الخارج ولكن أشاد بها الاسرائيليون الذين روعتهم الهجمات الانتحارية. لكن موفاز أيد بشدة خطة شارون للجلاء عن غزة لتقليل الاحتكاكات مع الفلسطينيين ويؤيد اجراء محادثات في المستقبل بشأن اقامة دولة فلسطينية اذا نزع الفلسطينيون أولا سلاح النشطاء وأجروا اصلاحات أمنية.

وبعد أن انشق شارون عن حزب ليكود شن موفاز حملة قصيرة الاجل ليحل محله قبل ان يتحول هو ايضا في خطوة مفاجئة الى حزب كديما.

شبكة النبأ المعلوماتية -الجمعة 6/كانون الثاني/2006 -  5/ذي الحجة/1426