الوضوح في كتابة الأدب

علي حسين عبيد

     قبل أكثر مِنْ نصف قرن منَ الآن إستفحلتْ (مودة الغموض) في كتابة الأدب عند الغرب، وقد اصبح الغموض في حد ذاته هدفاً للكتّاب الذين يبحثون عن الطريق الأقصر للشهرة وذيوع الصيت، أما الوضوح -وأقصد هنا الوضوح الفني - في كتابة الشعر او القصة وغيرهما من الأجناس الأدبية، فقد كان يمثل عدم نضج الأديب الفكري والفني والإبداعي على وجه العموم .. هذا ما كان يحدث في الغرب قبل قرن من الزمان وهو ما يحدث لدينا على ارض الواقع الأدبي الراهن ، ترى أين يكمن الخطأ والصواب في ذلك !!.

   لقد اكد عدد من الادباء العراقيين (قصاصون وشعراء وغيرهم) على وجوب التوافق مع سمات العصر الراهن والارتقاء بالكتابة الأدبية الى مصاف أدب العصر والذي -كما يرون – يجب ان يشتمل في اهم خواصه ومميزاته على عنصر الغموض وتجاوز أسوار اللغة وقوانينها التي تعرقل (قرائحهم) الى غير ذلك مما‍‍‍‍‍ يرونه سبيلا للوصول الى النص الأدبي المعاصر وفي هذا التوجه كما هو بائن- إقصاء للسبل والاساليب الأخرى في تقديم النص الأدبي - حتى لو كان هذا النص هو ومؤلفه على حد سواء لايعرفان الهدف من ولادته وإشغاله حيزاً  ما في الساحة الثقافية.

   واذا كان الفن والأدب ينتميان الى جذور واحدة كما هو معروف، فأن القول الذي أطلقه (إيغور براون)والذي يؤكد فيه على [ان الفنان الذي لايعرف مقاصده الخاصة ليس إلاّ متظاهرا، وإنْ كان يعرفها وليس بمستطاعه التعبير عنها فهو ليس إلاّ عاجزاً غير مقتدر*] ان هذا القول سينطبق بالضرورة على الأديب الذي لايعرف مقاصد نصه وإن كان يعرفها فمن المؤكد انه غير قادر على إيصالها الى القارىء بأسلوب فني واضح ومما يزيد في الأمر سوءاً ان(مودة) الغموض قد تسربت الى مجال النقد فخفَّ بعض النقاد والدارسين الى تقديم عروضهم ودراساتهم وحتى كتبهم النقدية عبر نسيج لغوي غاية في الغموض ويعوزه الهدف النقدي الواضح والهوية النقدية المحددة من خلال توظيف مصطلحات وأساليب وافدة مستغرَبة وهجينة بل ان الأمر ربما تعدّى ذلك الى استخدام الجملة اللغوية نفسها والتي قد لايفهمها حتى كاتبها وكأن الغموض بحد ذاته هو الهدف الأسمى للدارس بحجة العصرنة او مواكبة تطورات العصر وقد تبدو هذه الحجة مخلصة ومقبولة وممكنة التسويغ في ظاهرها  لكنها في واقع الأمر وحقيقـتـه تهدف الى غير ذلك …!

    وأنا إذ أتساءل عن طبيعة روح العصر وما علاقتها باللجوء الى المصطلحات الوافدة وغيرها مما ذكرت سابقاً، فأنني في الوقت نفسه لا أدعو الى السذاجة أو التبسيط في تناول النصوص الأدبية وانما أبغي التوصيل والوضوح في طرح الأهداف التي يتمخض عنها النص الأدبي – حتى لو كان يقع في خانة الجماليات– بوسائل فنية ذات نكهة معاصرة لكنها في الوقت نفسه تتسم بحملها لعناصر المحيـط المنتج وأعني به(المحلية) التي ستضفي على النص خصوصية الهوية الشمولية المخلَّقة من عناصر حوار متكافىء وعملية تلاقح  إيجابية مابين(الذات الكبرى/ والآخر الشمولي) والتي سيشار من خلالها الى شخصية الأديب ومحيطه من دون لبس.

   واخيراً أود أن أشير في هذا السياق الى إجابة فرانسواز ساغان حين سألها احدهم في حوار أدبي [هل تعلمت شيئاً من مقالات النقد الموجَّه لروايتك– صباح الخير أيها الحزن– فقالت إنني لم أتعلم شيئاً منها ابداً، لقد كانوا يرون مقاصد لم أكن اقصدها**] وهكذا يمكن القول بأن النقد المحتمي بستارة الغموض والمقاصد الخاطئة لن يقدم شيئاً يذكر لمنتج النص الأدبي كما انه لايصيب في بلورة شخصية نقدية مميزة للناقد في الوقت نفسه بسبب إتـكائه على غيره من التجارب النقدية بصيغة الانتقاء او التقليد الأعمى وليس بصيغة التلاقح والأخذ والعطاء بين النظريات النقدية المتعارف عليها.                                    

* انظركتاب كبار الكتّاب كيف يكتبون/ ترجمة كاظم سعد الدين/دار المأمون للترجمة /بغداد 1986 .

** المصدر نفسه.                         

شبكة النبأ المعلوماتية -الاربعاء 4/كانون الثاني/2006 -  3/ذي الحجة/1426