الى الآن لم تلعب السوسيولوجيا في العراق دوراً جوهرياً كعلم يأخذ
مكانه، فيسلم العلوم الاخرى، فمظاهر التعثر والتقويض واضحة المعالم على
هذا التخصص الخطير الذي شاءت الصدف والظروف ان يسطح في هذا البلد.
من المعروف ان الانسان يصنع القيمة والمركز لنفسه، حتى يتم الاعتراف
بهما من قبل الآخرين، وذلك ينطبق انطباقاً اصيلاً على العاملين في تخصص
السوسيولوجيا في العراق، فقد همش هذا العلم الى الحد الذي بات من أردأ
التخصصات غير المجدية نفعاً في سلم اختيارات المقبلين على الدراسة
الجامعية من قبل الطلبة، فمن الشيء البسيط ممكن ان يخلق الانسان هالة
كبيرة لها شأن وأهمية، وعلى الرغم من سطوة السوسيولوجيا كهندسة بشرية
في دول العالم الخارجي، الا انها لا تتجاوز العلم البسيط غير النافع
وغير المهم في العراق.
اذن على من تعود تبعة تجريد السوسيولوجيا من اهميتها في العراق،
وما المطلوب للارتقاء بها آنياً ومستقبلياً ؟
من المؤكد ان الاهتمام بمستقبل الشيء وتوسيعه وتطويره يقع على
عاتق من يهتم ويعنى بذلك الشيء، فالمتخصصون في السوسيولوجيا في العراق
هم اصحاب اليد الطولى في تقزيم هذا العلم، ولم نشاهد منافسة لهذا العلم
مع باقي التخصصات، وذلك يعود الى الانتاج العلمي الهابط لمن يعنون به،
ولم نلحظ محاولة لتوسيع تدريسه في البلد في اكثر من مكان، ولربما السبب
في هذه القوقعة والانزواء هو اخذ المسألة والنظر لها حرفياً لكسب العيش
دون التفكير بما سيؤول اليه مستقبل علم الاجتماع.
فعلى سبيل المثال وليس الحصر لا يكاد يعرف تخصص السوسيولوجيا الا
في قسم واحد في كلية الآداب في جامعة بغداد بالعاصمة، والجميع يعي ما
لهذا العلم من مساس مباشر بحياة المواطن والمجتمع.
فلماذا هذا الإهمال في توسيعه والعناية به، هل هو عدم فقه جدوى
علم الاجتماع او اجحافاً بحقه، ام انه موجود في مكان لا يستحق ان يكون
فيه؟،
ومن الغريب ايضاً ان هناك جامعات عراقية بكلياتها واقسامها تخلو من
هذا العلم، في حين إنها تجمع كافة التخصصات الاجتماعية الأخرى والتي هي
بدون علم الاجتماع غير متكاملة.
إن اغلب المتقدمين للدراسة الجامعية لا يعرفون حتى ما هو علم
الاجتماع، وحقيقة ان اللوم لا يلقى على عاتقهم وانما على الذي لم يوسع
تخصصه، فلماذا مثلاً تخصصات اخرى كالفلسفة وعلم النفس والجغرافية
والتأريخ وغيرها هي معروفة لاغلب الطلبة الا علم الاجتماع؟ حتى ان
البعض قد يخلط بينه وبين الاجتماعيات من المواد والعلوم الأخرى.
إننا في ورطةٍ حقيقية ونحن عائمون بدون علمٍ يدرس المجتمع، حيث ان
وجود قسمٍ وحيد في كبرى الجامعات العراقية فقط لهو انتكاسة للمجتمع
نفسه الذي لو قدرلهذا التخصص ان يعمل بشكلٍ متوازن لدفع المجتمع الى
درجة من الرقي والتطور.
من المؤسف حقاً ان يأتي زائراً ويسأل عن السوسيولوجيا في جامعة من
جامعات العراق ويفاجأ بعدم وجوده الا في اماكن معدودة، اليس من المخجل
والخطير ان لا يجده، فربما يتساءل ذلك الزائر عن كيفية معالجة هذا
المجتمع لمشكلاته بدون دراسات علم الاجتماع، وكيف يهتم ببنية وتركيب
بنائه الاجتماعي؟ والنتيجة واضحة ومتمثلة بمجتمعٍ مثقل بهموم وأزمات لا
حصر لها وتردىٍ واضح وعدم اعتراف بعلم ذلك البلد.
إننا بوجود قسمٍ واحد في العاصمة بغداد لا نعترف بوجود علم
الاجتماع أصلا، لان هذا القسم لا يكاد يبرح مكانه ولا تتعدى حدوده
الرقعة الجغرافية التي يقيم عليها، وليس له اهمية لا من قريب ولا بعيد.
حقيقة ليس المجتمع العراقي في وضعٍ لا يحسد عليه فقط بعدم وجود
علم الاجتماع فيه بصورةٍ جدية، وانما السوسيولوجيا فيه ذاتها في محنةٍ
كبيرة، فنحن لا نقوى كمتخصصين على التنظير والتحليل السوسيولوجي حتى،
لعدم وجود حتى مكان يحيا فيه هذا العلم، فمتخصصو السوسيولوجيا اليوم
يمارسون تخصصات عديدة في كافة الكليات والاقسام كما لو كانوا من القوى
العاملة الفائضة عن الحاجة، اليست تلك مصيبة كبيرة، وما هو الوضع الذي
يلوح في افق سوسيولوجيا العراق ؟
ان مأساة علم الاجتماع في العراق تعود الى طاقاتها وقابلياتها غير
المثمرة التي آثرت على نفسها ان تبقى حبيسة القسم الوحيد في بغداد دون
حساب المستقبل المتطور لهذا العلم. اليوم المتخصص في السوسيولوجيا
يجابه الرفض وعدم القبول في التخصصات الاخرى للعمل، والحق يعطى لمن
يرفض لاننا انفسنا لم نهيأ الأرض الصلبة التي نستند عليها عن طريق
توسيع هذا العلم في كل جامعة وكلية لنشره، إضافة الى خطا السياسة
المجتمعية التي لم تتنبه لجدوى السوسيولوجيا كتخصص مشخص ومعالج لقضايا
وأزمات المجتمع.
كما ان المسالة هي ليست بكم وتوسيع الاقسام وانما في جدوى
النوعية، فمثلاً يوجد الآن اساتذة كبار في علم الاجتماع في العراق ولكن
ما لذي فعلوه كمتخصصين لديمومة السوسيولوجيا والتأثير المباشر في
المجتمع.
وحتى نحافظ على ما تبقى من علم الاجتماع ونحاول البناء عليه من
جديد بطريقةٍ مثلى، يجب وقبل كل شيء تفضيل النوع على الكم من خلال خلق
القابليات المثمرة دون الهامشية للنهوض بالسوسيولوجيا العراقية، مع
محاولة نشر هذا العلم في كل جامعة على الاقل من جامعات العراق لغرض
تغطية انحاء البلد به، مع اعطاء الاهمية الكبرى من قبل المتخصصين فيه
الى تطوير التخصص بالدرجة الاولى وحصر التفكير به دون التفكير بالمركز
المهني، وايضاً جعل هذا العلم المفعل الأكبر لقضايا المجتمع وذلك كفيل
ببحوث ودراسات متخصصيه. فهل تطبيق ذلك وغيره سيؤدي الى نهوض سوسيولوجيا
العراق، فالأمر يحتاج الى الفعل اكثر من القول... |