الإصلاح... مسألة فكرية وليست سياسية

بقلم : أحمد شهاب

تصر القوى السياسية في العالم العربي على احتراف التغيير الشامل، وتتضمن اجندة عمل كل حزب استهدافات شاملة وواسعة، فمنها السياسي والاقتصادي ومنها الثقافي والاجتماعي، ومنها الاداري والامني. وقبل فترة قصيرة اتيح لي استعراض مجموعة من اجندات عمل لأحزاب وتجمعات اسلامية ووطنية محلية مختلفة ولاحظت ان المشترك بينها هو قناعة كل طرف بأنه المعني بوضع رؤية حول الاصلاح العام في البلد! ، والعمل على تطبيقها.

فثمة رؤية لاصلاح التعليم واخرى لاصلاح المجتمع وثالثة لاصلاح شؤون الحكم والسياسة والاقتصاد والادارة ـ حزب الاصلاح الشامل ـ ويقال عادة: ان الاصلاح السياسي لا يتم دون تزامنه مع المسارات المتعددة للاصلاح العام في الدولة، اذ ان الدولة عبارة عن مجموعة مسارات يتقوم كل واحد منها على الاخر، وهذا الكلام صحيح في الجملة، لكنه في التفصيل يفتقد الدقة.

فمن خلال التدبر في شأن الاصلاح خلال الخمس عشرة سنة الماضية اي منذ التحرير الى الان، نلاحظ ان نتائج الحراك السياسي لم تصل الى ما يأمله المتصدون لمسألة الاصلاح فضلا عن غيرهم، وفي الحقيقة فان كل ما تحقق حتى الان هو انجاز على مستوى الشعارات والاعلانات السياسية مدفوعة الاجر، اما على مستوى الاصلاحات الهيكلية والمساهمة في ارساء العدالة فان الجميع يكاد يتفق على انعدامه، وبمجرد ان يفتح الحديث عن الاخفاقات فان كل طرف لا يتردد في سرد قائمة من الخروقات لنظام العدالة في الدولة دون ان يعوزه استحضار الادلة والبراهين، وهو ما يجعل التساؤل حول ماذا حققت هذه الجماعات خلال كل هذه الفترة مشروعا؟

مسؤولية نظام أم معارضة؟

تُلقي القوى السياسية المسؤولية على الحكومة، وتتهمها بانها تقف وراء تعثر الاصلاح في البلد، وتدعي ان قرار السلطة وحده هو القادر على ارساء العدالة واخراج البلد من نفق الجمود، ويمثل هذا الطرح جزءا من الحقيقة، فالسلطة تمتلك امكانات وقدرات هائلة على التأثير تمكنها من ايجاد مخارج ملائمة للانتقال بالبلد من حال الى أخرى، ويمكن في هذا السياق الاشارة الى إقرار الحقوق السياسية للمرأة، وكيف استطاعت الحكومة تحشيد الاصوات الكافية لاقرار القانون وتحويله من مطلب الى امر واقع رغم معارضة وتحفظ اغلب اعضاء مجلس الامة، لكن قر ار الاصلاح السياسي الشامل لا يزال معلقا، ولا تزال السلطة مصرة على الاستمرار في ادارة البلد بالطرق التقليدية، واجراء اصلاحات بمقاسات محددة تحقق مصالح محدودة وبطيئة.

على ان مسؤولية النظام لا تلغي مسؤولية القوى والتجمعات السياسية ودورها في تأخير الحراك الاصلاحي، فهي من جهتها لم تثبت قدرتها على ممارسة التغيير، وظلت أطروحاتها تتصف بالعمومية و عدم التركيز وفشلت في ايجاد فلسفة عمل تكون مرجعا يستند اليه في العمل السياسي، وهو الامر الذي انتهى الى غياب نظرية في الاصلاح فما هو الاصلاح الذي تريده القوى السياسية؟ وما هي حدوده؟

 ان غياب فلسفة عمل مشتركة أدى الى ان تظل المعارضة والقوى السياسية اسيرة اولويات النظام بدلا من ان تكون لها اولوياتها الخاصة النابعة من اولويات المواطنين الذين يدعون تمثيلهم.

نلاحظ مثلا ان بعض القوى السياسية اسقطت حقوق المرأة من أجندة الاصلاح في مواسم نيابية سابقة لاسباب دينية واجتماعية، وفي موسم نيابي آخر وضعته في أجندتها كما اعلنت بعض القوى والشخصيات السياسية عن تأييدها لتعديل الدوائر واعتبرته نقطة الارتكاز في مشروع الاصلاح ومحاربة الفساد، ثم انقلبت عليه واخذت في محاربة قانون التعديل والتنظير لذلك، وتتخذ قوى اخرى قرارها في التأييد والرفض من خلال قراءتها لمصالحها الخاصة بالطائفة او القبيلة بغض النظر عن المصالح الوطنية، ولا تتردد ثالثة من الاستقواء بالسلطة ضد آخرين لتمرير مشاريعها السياسية دون النظر الى ما قد يسببه هذا القرار من اضرار للاخرين.

وفي كل موقف فان ـ حزب الاصلاح الشامل ـ قادر على توفير مبررات الانقلاب والتراجع خاصة وان الاخفاق في مجال لا يؤدي بالضرورة الى اخفاق في المجالات الاخرى، ولذا تظل المغامرة والسطحية في الاداء السياسي حاضرتين دون قلق لان تجاوز هذا الاخفاق ممكن من خلال تحقيق انجاز على المستوى الاجتماعي او الديني، واستمعت قبل ايام الى ناشط سياسي يتحدث عن ضرورة الاستعانة بشيوخ الدين لعلاج ظاهرة انحسار الجماهير عن التفاعل مع برامجهم السياسية، وكان الرأي الغالب ان علماء الدين يجب ان يوضعوا امام مسؤوليتهم في دعم المسار السياسي وان استلزم الامر اصدار فتاوى شرعية.

من أين يبدأ الاصلاح؟

ان الفرز بين المسارات اصبح اليوم اكثر إلحاحا من ذي قبل، فلم يعد مجديا الاصرار على ان تكون الجماعة الواحدة راعية لكل مجالات الاصلاح، كما لم يعد مقنعا ان تفرض جهة ما نفسها قيما على المجتمع باسره، الأنفع للجميع ان تقدم كل جماعة اسهامها في احد مسارات الاصلاح، وتبدع في تطويره والتفكير في طرق تحويله الى حقيقة ماثلة على ارض الواقع.

نشتكي عادة من تمدد السلطة على كل المجالات في الدولة، فهي الادارة والصحة وهي الامن والاقتصاد وهي الثقافة والتراث. وندعو دوما الى ان تعود السلطة الى حجمها الطبيعي ودورها المحدد، لكننا نغفل ان اي تمدد من اي جهة هو خطر وله اضرار كبيرة ومثاله تمدد الجماعة من كونها جهة دينية مهمتها الدعوة الى جماعة ! ثقافية مهمتها التنظير الفكري، الى لجنة خيرية مهمتها مساندة الفقراء والمعوزين الى تنظيم حركي مهمته التعبئة والتحشيد، الى حزب سياسي مهمته الوصول للحكم والقبض على السلطة، وهو ما يدعو الى التساؤل عن الصفة التي تتعامل فيها مع الجهة الواحدة عند كل لقاء، هل بصفتها الحركية ام الدعوية ام السياسية ام الثقافية؟

على ان المشكلة لا تتوقف عند تحديد الصفة بل تمتد الى انخفاض القدرة على الاداء العام في الجماعة واستمرارها في انتاج العناوين فقط، والعجز عن انجاز عمل حقيقي يتقدم الى الامام بخطة واضحة المعالم، وطالما ان كل جماعة تمتلك خط عودة تعويضي في حال فشل بعض المسارات فان استمرار حالة المغامرة ستظل هي العنوان الابرز في الحراك الاصلاحي البعيد عن ميدان التخصص والملاحظ ان هذا التمدد والخلط والشمولية في العمل هي احدى المشكلات المزمنة في العالم العربي، وهي مشكلة جميع المجتمعات التقليدية التي لا تعتني بالانجاز الا بعد معرفة من يقف خلفه.

Alshehab4@yahoo.com

شبكة النبأ المعلوماتية -الاثنين 2/كانون الثاني/2006 -  1/ذي الحجة/1426