الإمامة المبكرة وارتكازاتها الذهنية في العقيدة الإمامية

محمد العرادي

ان الإمامة منصب إلهي يحدده الله سبحانه وتعالى، ويوكل مهامه إلى من هو أهل لذلك ولا يمكن للشخص العادي ان يختار، أو يقلد احد هذا المنصب فهو ليس من اختصاصاته وفوق مجالات قدراته، فهو بطبعه ناقص يحتاج لمن يوجهه ويرشده إلى الطريق القويم، ويأتي هنا دور الإمامة ذلك المنصب الذي لا يعلوه منصب.

 والمتتبع للتاريخ الامامي يرى بوضوح ظهور مصطلح جديد، على مستوى الإمامة إلا وهو الإمامة المبكرة.

والإمامة المبكرة ظاهرة جديدة في الفكر الشيعي، مهد لها واعد مقدماتها الإمام الرضا عليه السلام، ويتضح ذلك من خلال النصوص التي صدرت عنه عليه السلام بعد ولادة الإمام الجواد عليه السلام.

قال صفوان بن يحيى، قلت لأبي الحسن الرضا عليه السلام: قد كنا نسألك قبل أن يهب الله لك أبا جعفر، فكنت تقول: يهب الله لي غلاماً فقد وهب الله لك وأقرّ عيوننا فلا أراني الله يومك، فإن كان كون، فإلى من ؟ فأشار بيده إلى أبي جعفر وهو قائم بين يديه.

فقلت: جعلت فداك هذا ابن ثلاث سنين ! قال: وما يضره من ذلك قد قام عيسى بالحجة وهو

ابن أقل من ثلاث سنين. (مسند الإمام محمد الجواد).

ومن خلال النصوص التي قدمها الإمام الرضا عليه السلام، تظهر حقيقة ملموسة تتعلق بشكل الإمامة ومدى قابليتها بشكلها الجديد، من خلال التعامل معها كظاهرة لم تكن موجودة في الفكر الشيعي.

ومن هنا خلقت الظاهر الجديدة التساؤلات المستفيضة، من جهة أصحاب الإمام الرضا عليه السلام، فأصحاب الإمام الرضا عليه السلام لم يكونوا على مستوى واحد، بالنسبة لتلقي واستيعاب الأمور الجديدة ومنهم من يريد الاستيضاح بشكل كبير، وهذا الشيء لم يوجد في البعض الأخر من الأصحاب الذين يعتبرون ما يصدر عن الإمام عليه السلام، امرا لا يقبل النقاش وخاصة اذا تعلق الأمر بقضية الإمامة لما يتعلق الأمر بالله سبحانه وتعالى، فهي خاصة به في كل جوانبها فلا يجوز التدخل فيها، وقد اجتمع جماعة عند الإمام الرضا عليه السلام فلما نهضوا قال لهم: القوا أبا جعفر فسلموّا عليه وأحدثوا به عهداً: ثم قال يرحم الله المفّضل أنه لكان ليقنع بدون ذلك....

وهذا الحديث يؤيد ما أشرت إليه بأن هناك من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام يقنع بما يصدر عن الإمام من غير جدال، فتكون مرتكزات العقيدة عنده أسهل في الوصول إلى ذهنيته وهذا ما يفقده بعض الأصحاب الآخرين.

ولم تنتهي التساؤلات أو لنسميها الاختبارات حول ظاهرة الإمامة المبكرة، رغم التمهيد القوي لها فأنها استمرت حتى بعد استشهاد الإمام الرضا عليه السلام، وبزوغ إمامة الجواد عليه السلام التي أصبحت رمز الإمامة المبكرة، والانطلاقة لإمامة مبكرة أخرى للأئمة الطاهرين من بعد الإمام الجواد عليه السلام.

وقد دافع الإمام الجواد عليه السلام عن إمامته المبكرة، ودفع عنها الشبهات واجتاز اختبارات أصحاب أبيه عليه السلام بكل سهولة ويسر، وقد أراد الإمام الجواد عليه السلام من هذا الدفاع ان يثبت العقيدة الذهنية لهذه الظاهرة، في قلوب أصحاب أبيه الرضا عليه السلام.

ومن جملة هذه الدفاعات التي قام بها الإمام الجواد عليه السلام، ليثبت إمامته المبكرة ما جاء في كتاب الكافي (( عن علي بن أسباط قال: رأيت أبا جعفر عليه السلام وقد خرج علي فأخذت النظر إليه وجعلت أنظر إلى رأسه ورجليه، لأصف قامته لأصحابنا بمصر فبينا أنا كذلك حتى قعد، فقال: يا علي ! إن الله احتج في الإمامة بمثل ما احتج به في النبوة فقال: (( وآتيناه الحكم صبياً )) (( ولما بلغ أشده )) (( وبلغ أربعين سنةً )) فقد يجوز أن يؤتى الحكمة وهو صبي ويجوز أن يؤتاها وهو ابن أربعين سنةً.

علي بن إبراهيم، عن أبيه قال: قال علي بن حسان لأبي جعفر عليه السلام: ياسيدي إن الناس ينكرون عليك حداثة سنك، فقال: وما ينكرون من ذلك قول الله عز وجل لقد قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم: (( قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني)) فوالله ما تبعه إلا علي عليه السلام وله تسع سنين وأنا ابن تسع سنين.

alaradimohd@hotmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية -الاحد 1/كانون الثاني/2006 -  29/ذي القعدة/1426