
بعد أن تمكن الاخوان المسلمون من انتزاع 88 مقعدا في البرلمان
المصري في الانتخابات الاخيرة تفسر باحثة مصرية تقدمهم الكبير هذا
بتراجع دور الدولة وعدم قيامها بخدمات نجح في أدائها الاخوان.
وقالت نهلة عبد الله امام ان انحسار دور الدولة يدفع المواطنين الى
البحث عن أشكال تضمن تماسك البناء التقليدي للمجتمع من خلال طقوس
وأشكال للعلاقات المتوارثة التي يلخصها المجتمع باعتبارها واجبا.
وأضافت في دراسة عنوانها (الواجب.. كما تعكسه عادات وتقاليد حي
الجمالية.. دراسة في فولكلور المدينة) أنه في ظل انخفاض مستوى المعيشة
بالنسبة لعدد كبير من أفراد المجتمع المصري خاصة فى الاحياء الشعبية
والعشوائية "يخلق العرف ميكانيزمات من أجل البقاء والاستمرار والتماسك
فيظهر لدى المجتمع منطق خاص للهدايا والواجبات المتبادلة والملزمة سواء
كانت مادية أو معنوية."
وفي الدراسة التي نوقشت مساء يوم الاثنين بأكاديمية الفنون بالقاهرة
وحصلت عنها على درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الاولى أشارت الباحثة الى
أن من أشكال التعاون في المجتمع التقليدي جمع تكاليف علاج مريض أو
اجراء جراحة لاحد الافراد أو استضافة الجيران لوليد أسرة مجاورة لخروج
الام الى العمل أو التعاون لجمع الاموال اللازمة لسفر أحد الافراد
للعمل بالخارج.
وأضافت أن الانحسار الملحوظ لدور الدولة في بعض المجالات يشكل ضغطا
على بعض المجتمعات المحلية للقيام بهذه الادوار بالجهود الذاتية
باستنهاض قيم من التراث مثل "الواجب الذي يؤدي دورا تقليديا في
العلاقات الاجتماعية فيعمل البناء التقليدي على استمرار المجتمع
وتماسكه."
وأضافت أن لمثل هذا السلوك أبعادا ثقافية "فالعرف لا يعفي الافراد
من أداء أدوارهم وبالتالي واجباتهم تجاه الاخرين الا بأعذار متعارف
عليها ثقافيا وفي هذه الحالات يلغي العرف الجزاءات السلبية عن الفرد
الذي لا يقوم بتلك الواجبات."
وأشارت الى أن المجتمع يحدد شكل "الواجب" ومقداره وتوقيت أدائه كما
"يضع جزاءات في حالة التقصير أو الاهمال أو المبالغة في أداء المجاملات
بشكل ملحوظ أو التأخير عن التوقيت المحدد لاداء الواجب."
وأجرت نهلة امام دراستها الميدانية على حي الجمالية الذي يعد من
أبرز أحياء القاهرة الفاطمية.
وفسرت اختيارها لهذا الحي بأنه "يعد مجمع تراث القاهرة القديم
والحديث منذ تأسيسها فهو يتسم بطابع تأريخي يتجلى في شوارعه وحاراته
وعطوفه ويتضح ذلك من احتفاظ هذه المناطق بأسمائها التي أطلقت عليها منذ
عصور ومازالت به الجوامع والزوايا والاضرحة والكنائس والحمامات
والاسبلة والمدارس وأبواب القاهرة."
وأشارت الى أن درجة الالزام بأداء الواجبات وردها تختلف وفقا
للمتغيرات منها النوع (الرجال والسيدات) والسن حيث يعفي المجتمع بعض
طبقات العمر من أداء الواجبات مثل صغار السن وكباره والجيرة اذ توجد
علاقة طردية بين القرب المكاني ودرجة الالزام بأداء الواجبات فكلما زاد
التقارب المكاني زادت درجة الالزام.
وأشارت الى أن التغير "لا يمكن أن يقضي على التراث الشعبي" الذي
قالت انه يتمتع بمرونة وقدرة على اعادة التكيف مع كل ظرف انساني جديد
كما يستطيع أن يحفظ ويبقي على بعض عناصره ويحقق لها الاستمرار. وفي
مقابل ذلك يستطيع أن يخلق عناصر جديدة ويبدع تراثا جديدا كل يوم.
وقالت ان ما وصفته بالمد الديني الذي شهده المجتمع المصري استطاع أن
يشكل قوة تغيير على الواجبات المتبادلة بين أفراد مجتمع البحث ومنها
تقلص بعض الواجبات ذات الطبيعة الاحتفالية أو الدنيوية "التي لم يكن
لها مرجعية دينية بالاساس" مثل اختفاء اقامة العزاء في أيام متوالية
بالمنزل والاكتفاء بالعزاء في اليوم الاول واختفاء العزاء أيام الخميس
على مدى الاسابيع الثلاثة التالية للوفاة.
لكنها نوهت الى أن "هذا التغير اقتصر على الطبقة الوسطى بالمجتمع."
وقالت الباحثة ان "المد الديني فرض خريطة اجتماعية جديدة ألغت بعض
الطقوس واستبدلت بها أخرى. ألغيت طقوس الاسبوع الذي كان يستخدم فيه
الغناء والطبول في اليوم السابع احتفالا بالمولود وأصبح هناك العقيقة."
وأضافت أنها تختلف مع كثير من التوجهات الفكرية للاخوان المسلمين
"لكن الامانة تقتضي الاعتراف بقيامهم بأدوار مهمة في الشارع والنقابات
المهنية في ظل غياب دور الدولة. أدوار يستحقون عليها الاحترام." |