ثقافة الأحزاب وثقافة المستقلين!!

دكتور أحمد راسم النفيس

كشفت الانتخابات البرلمانية عن مدى ما تعانيه أحزابنا السياسية من ضعف وهزال فالنتيجة الحقيقية لمدرسة (النجاح) تقول: لم ينجح أحد.

إنه كلام يدخل في إطار تحصيل الحاصل بعد أن ارتفعت بعض الأصوات مطالبة بتأسيس حزب جديد يقولون أنه سيكون

حزبا ليبراليا؟!.  

الثابت أن الأحزاب تفنى ولكنها بكل تأكيد لا تنشأ من العدم بل تنشأ من تحالف الثقافة مع السياسة وكان لزاما على من قاموا بإعلان فشل تلك الأحزاب السياسية وعجزها عن مقارعة الأحزاب (المقنعة) أن يعلنوا أيضا فشل أحزاب الثقافة المهيمنة على الساحة وإذا كان التلميذ يوالي حصد الهزائم فمن المنطقي أن يسأل الأساتذة أنفسهم عن سبب فشل مناهجهم التربوية السياسية وهو ما لا نعتقد أن أحدا من هؤلاء ينوي القيام به.

المعركة الحقيقية التي دارت رحاها لم تكن بين الأحزاب الرسمية والأحزاب المقنعة وحسب بل كانت بين الثقافة الرسمية والثقافة المقنعة التي اخترقت كل شيء مستفيدة من شيخوخة هؤلاء الأساتذة وتكلس ثقافتهم وانعدام قدرتهم على التجديد والعطاء.

وحتى لا يكون كلامنا مرسلا فبين يدي ندوة نشرتها مجلة (ضاد) الصادرة عن اتحاد الكتاب (عدد نوفمبر 2005) والتي شكا فيها أحدهم (من سيادة الفكر الخرافي في مواجهة الفكر العقلاني وأن هناك ردة عقلية في المجتمع المصري ولو أجرينا مسحا للكتب وأشرطة الكاسيت الموجودة على الأرصفة والمكتبات سنكتشف أننا تحولنا إلى أمة مستهلكة للفكر الخرافي والغيبي بكثافة وأن هناك ردة للعقلانية).

ويلخص أستاذ آخر (مأساة الأمة) في (وجود رؤية دينية متطرفة ومنغلقة كامتداد لتيار الإسلام السياسي وهو تيار هدفه إقامة دولة دينية وذلك في مقابل رؤية منفتحة على العالم تدعو لدولة مدنية ونحن كمثقفين ليبراليين لا بد أن نقف في خندق الدولة المدنية.. الخصام بين الرؤيتين أصبح ممتدا في المجتمع المصري كله وليس جديدا أن نقول أن هناك موجة من التدين في مصر ونحن لسنا ضد مظاهر التدين بل ضد ما صاحبها من تفكير خرافي ميتافيزيقي وكان مدهشا أن تفرد صحيفة قومية صفحة كاملة لأحد رموز هذا التفكير ينشر خرافاته ومحاولاته لي عنق الآيات القرآنية وتطويعها لمنهجه في الإعجاز العلمي مع أنه منهج غير علمي فالدين يقوم على اليقين والعلم يقوم على الشك, فكيف يجتمع النقيضان؟؟).

ولا بد لنا من تعقيب على هذا الكلام لنعرف لماذا سيعود الأهلي من اليابان صفر اليدين (كان هذا قبل عودته المظفرة بصفرنا التاريخي) ولماذا سيموت الحزب الليبرالي الجديد قبل مولده؟؟!!.

أما عن السبب الذي جعل تلك الصحيفة تفرد تلك الصفحات لعبقري الإعجاز فهو نفس السبب الذي دعاها لترويج (بعض الدعاة الجدد) واستكتابهم على صفحاتها وتوزيع أشرطة خطبهم (بالمجان) مع أعداد المجلة التي تصدرها ونظرا لانعدام الشفافية فلا أحد يعرف من قام بدفع هذا (المجان) من أجل منح الخطيب الشاب

وسام الجدارة والثقة إلا أن استنتاج من هو ليس بالأمر العسير... وكل لبيب بالإشارة يفهم.

شيوخ الفكر وفوضى المصطلحات.

الذي قال هذا الكلام واحد من شيوخ الفكر ومن اليسير أن تلاحظ ذلك الخلط الغريب بين مصطلح غيبي وخرافي فالإيمان بالله وملائكته واليوم الآخر غيب والإيمان بقدرته على نصر المظلوم على الظالم ولو بعد حين هو غيب فلماذا الخلط المسيء والمعيب بين الخرافة والغيب وكأن كل غيب خرافة في حين أن الخرافة لا تعدو كونها دجل رخيص مثل دعاة الاستشفاء بالحمام والمدعين قدرتهم على تسخير أو إخراج الجن!!.

القول بأن الدين والعلم نقيضان لأن العلم يقوم على الشك والدين يقوم على

اليقين هو أيضا كلام غير دقيق إذ أن الدين تجتمع فيه بعض مناطق الظن مع اليقين وكذا العلم وما يطرحه عبقري الإعجاز العلمي هو تلفيق في تلفيق فلا هو علم ولا هو دين وإنما هو محض بروباجاندا لنفس تلك الجهات المانحة التي مولت أشرطة الدعاة الجدد ومولت الأحزاب المقنعة (السياسية والثقافية) وكأن الأمر كله مساحة إعلانية تشتريها من (حر مالها).

أليس هذا من حقها؟؟!!.

لماذا الصراع بين دعاة الديني والمدني؟؟

المثير أيضا للدهشة هو تقسيم جبهتي الصراع إلى ديني ومدني وكأن الديني هو نقيض المدني وكأن شيوخ الصحافة والفكر يريدون منح الإخوان حق احتكار الديني بينما يقبعون هم في خندق الدفاع

عن كل ما هو مدني ومتحضر؟؟!!.

الذين يعارضون الإخوان يعارضون نموذجها الفكري المقترح للدين وليس الدين نفسه وهم يفعلون هذا من خلال دراستهم لفكر وتاريخ جماعة تزعم أن التاريخ الأموي والعباسي والمملوكي والعثماني كان تاريخا إسلاميا ناصع البياض وهي الجماعة التي قاتلت لتقضي على التعددية الحزبية صراحة أو بالواسطة وكان أن انتهى الأمر بنجاحها في إنجاز هدفها بالواسطة وهاهم الآن يصرخون مطالبين بالحرية والتعددية.

الذين يعارضون الإخوان يعارضون نموذجا من نماذج النفاق السياسي وتقلب المواقف ولا يمكن اعتبارها معارضة للدين نفسه الذي كان ضحية من ضحايا تلك الجماعات ذات الأهواء المتقلبة.

 (الحزب أولا والفكر ثانيا)!!:

أما ممثل التيار الإسلامي فقال (إن فكرتنا التي ما تزال تحت التأسيس (؟!) هو تقديم ثقافة متوازنة حيث لفت نظرنا أن لدى التيارات غير الإسلامية ثقافة واسعة في كل أنواع الثقافات إلا الثقافة الإسلامية وفي المقابل فإن الكوادر الإسلامية تقتصر ثقافتهم على الثقافة الإسلامية فقط) وهنا أقر شيخ الصحافة ضمنا بصحة الاتهام إلا أنه ألقى بالكرة في ملعب الإخوان (الذين لم يقدموا إلا رسائل حسن البنا واجتهادات سيد قطب).

وإذا كان الأمر كذلك وهو كذلك بالفعل وإذا كان ممثل التيار الإسلامي ما زال يشكل لجانا تبحث في تقديم ثقافة متوازنة مما يشكل اعترافا بأنه لا يملك من الثقافة الإسلامية سوى مشروعه لتأسيس حزب ولو كان لديه تلك الثقافة لما تأخر في طرحها وهو الذي ينفق الكثير على أسفاره إلى أركان

العالم الأربع (ربما بحثا عن هذا الفكر) ومن ثم فلا مبرر للتعجب من تلك الهزائم المتلاحقة التي منيت بها أحزابنا الرسمية السياسية والثقافية من الأحزاب المقنعة الأوسع انتشارا والأغزر تمويلا رغم أن كل نصيبها من العلم والمعرفة هي تلك (الاجتهادات) المشار إليها ولا بأس بإضافة بعض الأسماء حتى لا يقال لماذا لا تتحدثون عن فلان وعلان وكلها لا تغير شيئا من طبيعة الموقف.

ولما كانت الأحزاب لا تنشأ من العدم بل من تحالف الثقافة والسياسة والمصالح لذا وجب البحث عن ثقافة أي ثقافة!!.

إنه نفس نموذج ثورة يوليو الإخوانية: ثقافة لله يا محسنين؟؟!!

حزب يبحث عن فكرة ودولة تبحث عن فكرة

فتنتقل من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار ثم تعود إلى الوسط وهاهي الآن تبحث عن خيار ليبرالي!!.

ولما كان المطلوب هو حزب جديد يقدم إجابات مقنعة لذلك التناقض الوهمي القائم بين الديني والمدني ولما كان ممثل التيار الوسطي الإسلامي المعتدل والمستنير ما زال يعكف على تشكيل لجنة تنبثق منها لجنة تتفرع عنها لجنة تعقد ندوة في برلين وأخرى في القاهرة يكون هو نجمها الكبير الأول والأخير!!  

ولما كان شيخ الصحافة يلقي بعبء غياب الثقافة الإسلامية على حسن البنا وسيد قطب أما هو فلا شيء عليه ويكفيه إدانة كل ما هو غيبي وخرافي!! ولا شك أن حظنا من الجديد سيكون اسم جديد وجورنال جديد في المعارضة شديد!!!.

إن أزمة مصر في حقيقتها أزمة ثقافة مهيمنة ورغم ذلك فهي عاجزة عن التطور والحراك ولذا لم يكن من العجب أن يجري اكتساحها من قادة الميليشيات حملة الشعارات رغم أنهم بلا مشروع ولا تأصيل ولا تنظير!!!.

وهذه هي موازين القوى..

وإذا كان من أمل ثمة أمل فنحن لا نراه إلا في ثقافة المستقلين. أما كيف هذا؟؟ فَرُبَّما وَلَعَلَّ!!!

Arasem99@yahoo.com

شبكة النبأ المعلوماتية -اربعاء 28/كانون الاول/2005 -  25/ذي القعدة/1426