بسم الله الرحمن الرحيم
|
أسلَمتَ جفنَكَ للسكينةِ والكَرى
|
|
ورَحلتَ تحمِدُكَ المسيرةُ والسُرى
|
تلك الثمانونُ التي أتعَبْتَها
|
|
ألقَت عصا تِرْحالَها بين الذُرى
|
حَمَّلتَها ما لم تُطِقهُ ولم تزل
|
|
ترنو لطيفِكَ في المنيَّةِ أصْحَرا
|
فترى يراعَكَ في الحياةِ جداولاً
|
|
وترى دواتَكَ في المنيةِ أبحُرا
|
مازالتِ الذكرى تهزُّ جَنانَها
|
|
فتُقيمُ مابين الأضالعِ منبرا
|
يتلو به القلبُ الكبيرُ حكايةً
|
|
عن راحلٍ وهَبَ الحقيقةَ مِزْبَرا
|
عن صاعِدٍ نحو البقاءِ وذِكْرُهُ
|
|
صلَّى على عُشِّ الخُلودِ ووكَّرا
|
عن واهبٍ منحَ العطاءَ وما اعتنى
|
|
أن يُحمدَ الفضلُ السخيُّ ويُشكَرا
|
عن مشعلٍ حملَ الضياءَ وهمُّهُ
|
|
أن يُزهِرَ الدربُ الطويلُ ويُقمِرا
|
وهبَ العلومَ سنينهُ ومُذِ انقضتْ
|
|
قامت تنوحُ لواهِبٍ نزلَ الثرى
|
اليومَ قد فقَدَتْ سمائيَ كوكباً
|
|
بين المدافِنِ والتُرابِ تكوّرا
|
|
*** |
|
إيهٍ، حملتُ بإثرِ نعشِكَ حسرةً
|
|
تأبى بأن تَرِدَ الهناءَ وتُصْدِرا
|
كيفَ الهَناءُ وذي السواعِدُ أسرَعت
|
|
بمن ابتنى مجدَ الحياةِ ليُقبَرا
|
كيفَ الهناءُ وذي المقابرُ تجتـبـي
|
|
دُررَاً من العِقدِ النضيدِ ليُنثَرا
|
ضاعت قوافِلُنا بموتِ حُداتِها
|
|
فكأنّما تمشي القوافِلُ للورا
|
هذي العمامةُ فوقَ نعشِكَ أعولَتْ
|
|
قم لي فقد ذبُلَ الربيعُ وأقفرا
|
قم وامنحِ "المستـنبطينَ مبانياً"
|
|
يُعلى بها صرحُ الفقاهةِ مُبهِرا (1)
|
قُم وامنح الفتـوى علومَكَ فهي ذي
|
|
كالطفلِ في البحر الخِضَمِّ تحيّرا
|
قم وامنح الحرفَ الكسيرَ بيانهُ
|
|
فجناحُهُ بشظى الرحيلِ تكسّرا
|
يا سيدي قم إنَّ "قُمَّاً" أعولَت
|
|
وبكى الغريُّ على سُراكَ وكَبَّرا
|
قد عُدتَ محمولاً على نعشِ الوَلا
|
|
فاهنأ رُقادَكَ بين ساداتِ الورى
|
|
*** |
|
يُهنيكَ نومُكَ ولتُذبنا أدمُعٌ
|
|
زفَّت رحيلَكَ وهي تندبُ حيدرا
|
يا سيّدي قد جاءَ من واساكُمُ
|
|
بـيـراعِهِ، وبدمعِهِ ولكم جرى
|
ما مرَّ ذكرُ ظُلامةٍ في سمعِهِ
|
|
إلاّ وغادَرت الجفونُ تصَبُّرا
|
فتراهُ إن ذُكِرَ الحسينُ تصعَّدت
|
|
زفَرَاتُهُ ودمُ الجفونِ تحدَّرا
|
يبكيه مُلقىً في الصعيدِ ونحوَهُ
|
|
تعدوا الثواكلُ ذهلاتٍ حُسّرا
|
تدعوا حِماها يا حُسينُ تهتَّكت
|
|
أستارُنا فبمن نلوذُ ومن تُرى
|
يحمي اليتيمةَ أو يذودُ عن الخِبا
|
|
والأفقُ من مزنِ اللهيبِ تمطَّرا
|
أشلاءُ صَحبِكَ في السنابِكِ عانقت
|
|
أشلاءَ وُلدِكَ في الخيامِ أما ترى؟
|
فرَّت تصايَحُ يا عليُّ بفاطِمٍ
|
|
أدرِكْ حريمَكَ (فالفؤادُ تفطَّرا)
|
يكفيكَ صبراً واللهيبُ بباكِمْ،
|
|
يكفي القعودُ فقد تفصَّمتِ العُرى
|
هذي النواظِرُ أقبَلتْ لوجوهَنا
|
|
والخدرُ عن خدرِ الفواطمِ أدبرا
|
يكفي فقد رَمَتِ الأكفُّ خدودَنا
|
|
بسهامِها ومضتْ تحُزُّ المنحرا
|
ضَجَّت وقَرَّت مذ رأتهُ يحوطُهُا
|
|
لكن بكى في موقِفٍ أشجى الورى
|
تدرون ما أبكى علياً عندَها؟
|
|
(جرتِ المدامعُ يوم شِمرٌ شَمَّرا)
|