الواقع العربي والإسلامي : ماذا بعد ؟

بقلم: المهندس غريبي مراد عبد الملك (*)

المدخل : في عالمنا العربي والإسلامي، هناك أمراض ليس بالجسمية أوما يتعلق بالصحة الإنسانية ولكن هي ذات علاقة بالتاريخ والعقائد وحراك العام في المجتمع، إنها تعرف في العرف الثقافي المعاصر بالمأزق السوسيوتاريخي، والذي يتحدد عند استقصاء موقع التاريخ في الحراك الإنساني،وهذا المبحث جد حساس وجدير بالبحث لأن العلاقات الاجتماعية في فضائنا العربي والإسلامي  تتخللها اضطرابات، أغلبها من هذا القبيل، وهي نتاج القراءة السيئة للتاريخ والغير واعية للأحداث التاريخية وعدم  استثمارها في تحصين الذات العربية والإسلامية من  التخلف الإنساني.

ويبدو من خلال الحوارات اليومية بين الناس على مستوى الأسرة أوالمجتمع (البيت والعمل والمؤسسات الاجتماعية الأخرى من إعلام ومساجد وديوانيات وجمعيات وأحزاب وما هنالك من مواقع الاجتماع  ) أن هناك فقر تاريخا ني وجبن ثقافي مستشري في أوساطنا مما جعل التخلف والتعصب وكل ألوان الهمجية الإنسانية  حالة طبيعية  لدى إنساننا ومن عناوين النخوة والتحضر والأصالة لديه بينما الحقيقة هي غير ذلك تماما...فعلى سبيل المثال لا الحصر مسألة التعددية والاختلاف، في واقعنا العربي والإسلامي لازالت قاب قوسين أو أدنى، لا لشيء سوى لأن الظرف السياسي والثقافي وما هنالك من حجج  واهية، لا تسمح بمناقشة هذه المسائل،بينما الواقع يوحي بأمور أخرى  على شاكلة الحجر السياسي والوصاية الثقافية وما هنالك من خطوط الاستبداد والقهر والاستعباد، كون الفهم والوعي في منظومتنا العربية والإسلامية الراهنة خط أحمر لا يسمح بتعديه ويقتصر على النخبة التي تتحدد بالفطرة لا بالدور الرسالي لإنساننا في مجتمعه وموقعه في التغيير الاجتماعي.

أضف لهذا،المفاهيم الإسلامية كالتسامح والتعايش، تعاني من التمويه والتفسير الإيديولوجي لا الإسلامي البحت، وهذا مرده للهوة الحاصلة  في منظومتنا الثقافية والتي تحاول دوما الانحراف بالحقائق إما بالمزايدات (الحديث بالواقعية والعقلانية الذاتيتين وما هنالك من الضخ المفاهيمي) أو بالقطيعة التاريخية واختزال التاريخ في صورة دون غيرها  على أساس الخلفية المستبدة بالتفسير والتحليل.

لعل المأزق الحاصل في واقعنا الإسلامي أكبر وأوسع وأعمق، من أن  يقدر  مقال كهذا  أو كتاب أو أسفار أو حصص إعلامية على توصيفه لأن القضية بحاجة لفعل ثقافي دقيق وعميق  للنهوض بإنساننا  العربي والإسلامي على جل المستويات الحياتية و خصوصا المستوى السياسي. والمؤسف أن مؤسساتنا الثقافية الرسمية في أغلب هياكلها تخضع للتخلف الحاصل وهذا أمر عظيم،حيث يصبح الانحراف هو مدير الواقع، فشتان بين الشعار والحاصل، والمثال الحي هو ما نشهده في الإسهامات الجليلة التي يقوم بها  الاخوة من التيارات السنية والشيعية عبر العالم العربي والإسلامي عبر تفعيل الحوارات الوطنية والمؤتمرات الوحدوية ومنظمات حقوق الإنسان وما هنالك من فعاليات رسالية، لكن في النهاية يربك تقدمها ورقيها التزمت الديني من كلا الاتجاهين برؤاه التعسفية التي تضرب بحقوق هذا وذاك في المواطنة والمساهمة في النهوض بالأمة من كبوتها،ونجد أنفسنا قابعين تحت نقطة الصفر ونرجو من أعدائنا أن يشفقوا على حالنا،حيث بلغ الهوان بنا،أن نستنجد بالآخر المستكبر لأن يحل لنا مشاكلنا الأمنية والثقافية والاجتماعية والإقتصادية وينصحنا بخطة سياسية تحفظ لنا ماء الوجه...سبحان الله، هكذا آل حال العرب والمسلمين، نسوا الله فأنساهم أنفسهم...ماذا بعد؟ كما يتساءل كل أسبوع الأخ الفاضل عمرو واصف،هل الصمت حل؟ هل الصدام منهج ؟ أم الحوار ليس وقته؟ والتسامح حل مثالي،لعل الوصاية خير والإنتداب أفضل،لنفكر قليلا وبسرعة فعصرنا عصر السرعة...من المستفيد من أزمة لبنان ومن الرابح من اضطراب العراق الجديد، من المنتصر عند منع إيران من نشاطاتها النووية السلمية وهلم جرا....أليس الشيطان الأكبر، أكيد فالتاريخ يوحي بذلك وأكثر والقرآن يشير لهذا بالنظرية الخالدة :" لن ترضى عنكم اليهود والنصارى حتى تتبعوا ملتهم..." صدق الله العلي العظيم.

قد يعود القارئ متساءلا وماذا بعد؟ بعد هذا وذاك، علينا ننفتح على التاريخ بعينين لا بعين واحدة فلن نفتقد نصفنا الآخر، لنناقش الأحقاد بروح إسلامية لأن المذهب ليس الدين،ونقترب من الآخر بروح إنسانية لأنه نظير لنا في الخلق،لنرتب بيوتنا على أساس أصالتنا الصافية  وليس العكس حتى لا نجعل من الأصالة الإنسانية والعربية والإسلامية تخلفا، لنعيد للمسجد دوره الرسالي كما كان في عهد النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام والصحابة الأخيار والفقهاء الكرام، وننهض  بأدبيات الحوار والتعايش من خلال المنابر الدينية والثقافية والسياسية ونرتفع بإنسانيتنا لتكون عقلا وقلبا يشع بالخير والأمن والتقدم ونراجع أخطاءنا بخلفية مؤمنة باللقاء والاجتماع والتعاون والتطور والصمود...

نافلة القول أحبتي، ليس البسيط بالسهل ولا الصعب بالمستحيل، وليس التاريخ بالصدفة لأن الباري عز وجل خلق الخلق والكون بنظام سليم ودقيق تماما،وليس علينا حرج في ان نجرب ونأمل بالحياة الكريمة التي نؤمن بها، لكن الحرج أن نموت ونضفي على موتنا بحياة هي في العمق  موت الذليل فنمسي آية للآخرين، لأن أكثرنا عن الآيات هم غافلون...؟!

(*) كاتب وباحث إسلامي جزائري

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية -الثلاثاء 27/كانون الاول/2005 -  24/ذي القعدة/1426