رواية عراقية: تستعين بالذاكرة المتعددة لبلد يحاول ان ينهض من الخراب

في روايتها الاولى "سواقي القلوب" التي صدرت قبل ايام في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر تشيد الكاتبة والاعلامية العراقية انعام كجه جي عراقا صغيرا في المنفى في محاولة تستعين بالذاكرة المتعددة لبلد يحاول ان ينهض من الخراب.

ومن خلال مجموعة من الشخصيات التي التقت خارج موطنها الأصلي ترصد انعام كجه جي المقيمة في باريس منذ نحو عشرين عاما عناصر اجتماعية وسياسية شكلت ماضي العراق وتكوينته فباتت تسكن ارواح الشخصيات وتحدد مسلكها.

وتبدأ الرواية على الطريق بين عمان وبغداد من نقطة طريبيل الحدودية لتنتقل سريعا الى باريس. "لم تكن باريس منفى بل فاصلة جميلة شطرت عمري" يقول الراوي الهارب من وطنه قبل ان يضيف باسى موجها كلامه للقارئ: "للامانة لم تكن باريس مكانا يناسب حسرة الهاربين من الاوطان".

وبجانب الراوي الهارب من الملاحقة السياسية ومن حب فاشل الى باريس والذي تهاتفه بين حين وحين من بغداد حبيبته القديمة عدد من الشخصيات التي تنمو ضمن ما يشبه الشرنقة العراقية في حلقة مقفلة تعمها الموسيقى العراقية الاصيلة.

في باريس وفي نفس العمارة كاشانية الناجية من مذبحة الارمن والتي تزوجت من كونت فرنسي كان يعمل في حقل الآثار في نينوى لتظل بعد موته تهجس بزيارة ارمينيا حتى فعلتها وندمت.

وهناك زمزم الطالب الذي خذله انتماءه السياسي الى حزب البعث فهرب الى الخمر وانضم الى مجموعة الاصحاب وراح يصور كاشانية راوية ذكرياتها خدمة لاطروحته الجامعية.

هناك سراب المراة الشيوعية التي سجنت واغتصبت والتي يقع الراوي في حبها: "بدأت علاقتنا الحميمة من دون خطط هجومية من جانبي او تمنع زائف من جانبها".

الى عالم هؤلاء يحضر من عراق صدام حسين عراق بداية الحرب مع ايران الجندي ساري بهدف اجراء عملية تحويل جنسي فيصبح سارة بدعم مالي من الدولة.

الشخصيات في الرواية تتنوع انتماءاتها لكنها واقعية في جانب منها ولا يمكن للقارئ تبين الخيط الذي يتوقف عنده السرد الواقعي لينطلق الخيال: " لقد تعرفت فعلا على عراقية تزوجت من كونت فرنسي وباتت كونتيسة" تقول كجه جي لفرانس برس.

كل شخصية لها جذر حقيقي في الواقع: "هناك شاب ارسلته فعلا الدولة على نفقتها الى فرنسا لاجراء عملية تحويل جنسي لكن مصيره مختلف في الواقع عن مصير الشخصية كما تخيلته" توضح الكاتبة.

عادة ما كان هؤلاء يتحلقون حول مائدة كاشانية برفقة الخمر والهموم والموسيقى بعيدا عن "الملاحقة المزدوجة" ملاحقة الوشاه للبعض منهم وملاحقة الماضي المستمر في راهن الشخصيات القلقة.

وترتبط مصائر هذه الشخصيات راهنا بالماضي العراقي حيث يبرز السؤال ملحا: ما قيمة النجاح الفردي او الخسارة الشخصية امام خسارة الوطن؟

هذه الشخصيات وان كانت هاجرت الى مصير آخر فهي برحيلها لم تتخط دائرة الخسارة التي تحل بالجميع فالهارب مثل الباقي يعاني الحروب والحصارات والتعسف ويعيشها في لحمه ودمه فهل هذه الشخصيات موجودة فعلا في باريس؟

تقول الكاتبة "الهجرة لم تكن موجودة اصلا في الطبع العراقي ومن هاجر فعلا من العراقيين هاجر مرغما ولا بد انه دفع الثمن غاليا" خاصة وان باريس لا تصلح منفى وفيها وفق الراوي "العمر يتبدد في اكثر مدن العالم جمالا".

الخراب يبدو متحكما بالمصائر ما منه ملاذ: " في كل الشخصيات شيء ما يشبهني" تقول كجه جي حول روايتها التي وان صورت فيها عالما مغلقا فهو يتضمن من بين وقائعه احداث راهن باريسي ما حيث تتكلم الشخصيات عن لقائها بالصائع عباس عمارة والد الشاعرة لميعة وعن احاديث ووقائع مع الكاتب جبرا ابراهيم جبرا والصحفي المغربي الباهي محمد.

واذا كان هاجس تملك الذاكرة مهيمنا على الكاتبة فهي تشير الى ان هذا الهم قديم لديها "التاريخ الاجتماعي للناس العاديين هو هاجسي منذ سنوات. كنت اتابع اناسا في بلدي ممن كانت له مواقع سياسية وادبية واحزن لكونهم يشيخون ويرحلون قبل ان يأخذ لهم احد تسجيل بالفيديو او حتى صورة".

وتضيف كجه جي حول عملها على الذاكرة انها انطلاقا من هنا "كتبت مذكرات الفنانة البريطانية لورنا عن حياتها مع الفنان العراقي جواد سليم كما صورت فيلما وثائقيا عن الدكتورة نزيهة الديلمي اول ويزرة عربية وسجلت ساعات بالفيديو لاول محامية عراقية فكتوريا نعمان التي رحلت عن عالمنا".

وتضيف "لعل ما شجعني النجاح الذي لقيته بعد نشر كتابي السابق عن ادب المرأة العراقية والذي علمني كيف اسرق الوقت واخون الصحافة".

وعن رؤيتها لمستقبل العراق تؤكد: "احاول ان اتفاءل فهل بقي في العمر متسع للتشاؤم وهل هناك اسوأ مما حصل؟ لا حق لنا بالتشاؤم بعد كل العذابات التي عاشها العراق. اتشبث بفكرة على نوع من السذاجة فكرة العراق الحر المستقل القوي."

وتقول الكاتبة التي تواصل العمل على الذاكرة معترفة ان كثيرا من العراقيين اليوم يحاول العودة "لكني حزنت حين سمعت تصريحا لوزيرة المهاجرين تناشد العراقيين فيه البقاء في المنافي لكون الوطن غير مهيأ لاستقبالهم".

وتعمل انعام كجه جي حاليا على مشروع كتاب عن يوميات طبيبتين عراقيتين ام وابنتها الام كانت طبيبة في ارياف العراق وتعمل اليوم في مناطق نائية من كندا مع السكان الاصليين من الهنود وهو ما شاءته الصدف.

شبكة النبأ المعلوماتية -الأحد 25/كانون الاول/2005 -  22/ذي القعدة/1426