خلال الأسبوع المنصرم، شهدت ساحة "العلاقات الإيرانية الدولية" فتح
ثلاثة ملفات، وذلك بمقياس كبير ومنقطع النظير.
المجمع الدولي لمنظمة الأمم المتحدة وللمرة الثالثة أدان إيران بسبب
إنتهاكات حقوق الإنسان، وقبلها بأيام قلائل نشرت المفوضية العليا
لحقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة، وكذلك منظمة "هيومن
رايتس ووتش" للدفاع عن حقوق الإنسان، تقريرين خطيرين عن وضع حقوق
الإنسان في إيران.
في هذين التقررين ذكرت تفاصيل تورط "مصطفى بور محمدي" وزير
الداخلية و"محسني إيجه إي" وزير الأمن والمخابرات لحكومة أحمدي نجاد
الأمنية في إنتهاكات واسعة، مما جعل المنظمة أن تطالب بتحقيق مستقل حول
الرجلين، وذلك بتقديم وثائق تشير إلى تورطهما في قتل الآلاف من السجناء
السياسيين خارج نطاق القضاء في عهد الثمانييات بعد فترة قصيرة من وقف
إطلاق النار على الجبهة العراقية، وكذلك تصفية العشرات من الكتاب
والمثقفين ورموز المعارضة في التسعينات.
مباشرة بعد ذلك أصدر مكتب آية الله المنتظري رجل الدين المعارض
الذي كان يحظى بأعلى مرتبة قيادية بعد زعيم الثورة خلال فترة
الثمانييات، بيانا أيد من خلاله تقرير منظمة حقوق الإنسان التي كانت
إحدى وثائقها عن الإعدامات السياسية هي مذكرات الشيخ المنتظري وهو
الشخص الوحيد من داخل النظام الذي أبدى سخطه وإعتراضه على الإنتهاكات
مما أدى إلى أن يدفع ضريبة سخطه بعزله من نيابة القيادة وفصله عن
السلطة ومن ثم وضعه تحت الإقامة الجبرية، وأكد من خلال هذا البيان، عن
إشراف مصطفى بور محمدي على ملف الإعدامات.
هذه الإتهامات تعتبر الأولى من نوعها يتعرض فيها الساسة الإيرانيون
بعد مرور عشرة أعوام ، فقبل عقد من الزمن وخلال قضية ملف اشتهر بملف
"ميكونوس" تعرض رئيس الجمهورية ووزير الخارجية وعدد من السلطات الأمنية
والقضائية إلى نفس الموقف.
"الإتحاد الأوروبي" الذي من المقرر أن يستأنف مفاوضاته النووية مع
إيران يوم الأربعاء من الأسبوع الجاري، هو الآخر أصدر بيانا أدان
النظام الإيراني في موارد إنتهاكات حقوق الإنسان، مشيرا إلى ملف
مفاوضات الشرق أوسطية، ومحذرا حول الملف النووي قائلة "ان منافذ الفرص
لم تبقى مفتوحة إلى الأبد". وفي أثناء فتح هذه الملفات الثلاثة (حقوق
الإنسان والملف النووي ومفاوضات السلام)، كتبت بعض الصحف العالمية عن
مفاوضات "أمريكية إسرائيلية تركية" تم فيها دراسة قضية الحرب على
إيران..
بعد أربعة أشهر من ظهور ملامح الحكومة الإيرانية الجديدة، أدت هذه
الأحداث أن تتحول النظرة التي تقول بـ"صدفية" الأحداث، إلى نظرة
واقعية، وهذا الأمر يؤكد على أن تصريحات أحمدي نجاد المتكررة ضد
إسرائيل لم تكن ناشئة من قلة الوعي السياسي أو الديبلوماسي أو حاصلة عن
صدفة أو عفوية أو خطأ، بل إنما هي مخططة ومبرمجة عبر تخطيط دقيق ومسبق،
وقد تم إختيار كلمات الخطاب بدقة كاملة، كما كان الحال بالنسبة عن مجئ
أحمدي نجاد إلى السلطة، وإستلامه لرئاسة الحكومة الجديدة الذي كان ضمن
برنامج محسوب ومعد سلفا منذ فترة طويلة.
أحمدي نجاد عضو لحزب أمني يعمل في الظل وتصريحاته عن شطب إسرائيل أو
إنكاره لمحارق النازي أو اقتراحه بنقل إسرائيل إلى ألمانيا أو ألاسكا
تعتبر ضمن إستراتيجية حكومية ينفذها حزب الظل الذي جعل العودة إلى
شعارات الثورة على رأس قائمة برامجه للوصول إلى هدفه وهو قبض جميع
أركان السلطة بحذف التيارات المنافسة داخل نظام الحكم، لكنه ما استطاع
أن يصل إلى غايته، وذلك لسببين أديتا إلى بعض الأحداث التي حالت بينها
وبين مطاليبها:
1- أكثرية أعضاء الهيئة الحاكمة على إيران أبدت قلقها من إنتخاب
حكومة أحمدي نجاد المخابراتية والعسكرية حيث كان يسبب ذلك خطر حذفهم،
وذلك تبدل الحكومة بحكومة الحزب الواحد دون تيار منافس، هذا القلق أدى
إلى إعلان ائتلاف غير معلن بين جميع التيارات المنافسة من المحافظين
التقليديين والإصلاحيين وسائر كوادر النظام المنزعجين من مجئ حزب الظل
المتمثلة بحكومة أحمدي نجاد، هذا الائتلاف إجتمع تحت قيادة رفسنجاني،
وأغلق الطريق أمام أهداف الحزب.
أكثرية أعضاء مجلس الشورى وأكثرية أعضاء مجلس الخبراء وكلاهما من
التيار المحافظ بسبب معارضتهم لحكومة خاتمي والإصلاحيين، كانوا يسايسون
حزب الظل، إلا أن جلوس أحمدي نجاد على كرسي الرئاسة أدي بهم أن يتخذوا
موقفهم المعارض للحكومة الجديدة، وعمليا دخلوا في هذا الائتلاف الوسيع
بقيادة رفسنجاني.
2- خامنئي كان يتكأ في برامجه واعماله على حزب الظل وأعضائه من رجال
المخابرات والقوى العسكرية والأمنية، لكنه بعد مجئ أحمدي نجاد أخذ يبدي
بعض قلقه ومخاوفه من الحزب، بنفس سبب مخاوف أكثرية الهيئة الحاكمة (خطر
الحذف)، ولذلك بدأ يتظاهر بالحياد قبيل صراع التيارات، ومن هنا تهيأت
الفرصة لكل من "مجمع تشخيص مصلحة النظام" برئاسة رفسنجاني، وكذلك "مجلس
الشورى" في هذا الجو ليقفوا أمام تقدم حزب الظل.
"مجلس الشورى" بواسطة عدم تأييده لثلاثة مرشحين لوزارة النفط لحكومة
أحمدي نجاد، و"مجمع تشخيص مصلحة النظام" بحصوله على قسم من صلاحيات
القيادة والرئاسة (خامنئي واحمدي نجاد)، استطاعا أن يوقفا تقدم الحزب
المتخفي.
ومن ذلك الحين وحتى الآن، بدأ الحزب بالتخطيط لتسخين الأجواء
الدولية والداخلية من خلال المناسبات والعلاقات الدبلوماسية في إيران
وخارج إيران، من أجل صنع الأجواء المخابراتية لإستلام السلطة بشكل تام،
ومن هنا فإن تصريحات أحمدي نجاد المكررة ضد إسرائيل جاءت في هذا
المضمار.
الحزب المذكور ومن أجل أن يكمل قبضته التامة للسلطة يحتاج إلى هجوم
عسكري إسرائيلي على إيران، ذلك لأن هذه المعركة دوليا ستعطي شعبية
للنظام الإيراني عند الرأي العام العربي و(الإسلامي)، وداخليا ستُقوّي
وتكمل نفوذ سلطة الحزب المذكور حسب الخطة، ولكن خلافا لما يتصوره اعضاء
الحزب إن حصل هذا الأمر فإنه سيؤدي إلى زوال كل أركان وتيارات السلطة
بواسطة الإجماع الذي سيحصل ضد النظام داخليا ودوليا بسبب الملفات
الثلاث (إنتهاكات حقوق الإنسان، والملف النووي، وتحدي المجتمع الدولي).
* خبير في الشؤون الايرانية |