لا شك في ان الانتخابات البرلمانية العراقية التي اجريت الخميس
الماضي 15-12-2005
كانت أفضل من الإنتخابات التي سبقتها لأسباب عديدة منها مثلاً:
النجاح(والنجاح من الأمور النسبية) في إجتذاب بعض المكونات والشرائح
التي اختارت في الماضي مقاطعة الإنتخابات والعلمية السياسية، وكلنا أمل
في النجاح على صعيد الخطوات المكملة الأخرى للإجتذاب المذكور، وأعني
تحديداً الإندماج والدمج، اي إندماج تلك المكونات في الخطوات التالية
للإنتخابات من خطوات العمل السياسي ودمج النظام السياسي لتلك المكونات
في العملية السياسية، لجعل الإجتذاب مستداماً، ولا يكتب النجاح لهذا
الإجتذاب،كما لا يمكن أن يكون مستداماً دون الإستناد والإلتزام بالخيار
الديمقراطي، وإستحقاقاته في صياغة وبناء أ سس الدمج والإندماج، بعيداً
عن المحاصصة والتهميش والتضخيم، وهذه أهداف باتت واضحة، وما أكثر ما
كتب في الإشارة الى الأهداف المذكورة وضرورة تحقيق تلك الأهداف لبناء
ديمقراطية صلبة،لكن نادرة جداً المساهمات والكتابات في الطريق الى
كيفية تحقيق الأهداف الستراتيجية،والممثلة بالخطوات الإجرائية العملية
الواقعية الميدانية اللازمة لضمان :
ــ الاجتذاب
ــ الاندماج
ــ الدمج.
وبعيداً عن المحاصصة والتهميش والتضخيم، وما تم ّ تسريبه ــ لحد
الان ــ من هنا وهناك يشير إلى عدم إستناد مفاوضات وإتفاقات الإجتذاب
الى ما يضمن استمرارية الإندماج والدمج، لأن المرجع المحوري فيها لم
يكن الإلتزام بالخيار الديمقراطي وإستحقاقاته وكما هي هي، بل ْ محاصصة
غير مباشرة استند ت على ظروف الوسيط، الإستقواء بالخارج، غياب العمل
الحزبي بالمفهوم الواقعي للكلمة والملتزم بالديمقراطية والشورية داخل
صفوف الحزب، إضافة إلى شراسة المنافسة الإنتخابية وإنحسار شعبية بعض
أطرافها، وتخوف بعض الأطراف من تدني دعم الرأي العام لها.
ان أي إستقراء للبرامج الإنتخابية التي رفعتها الكيانات السياسية
التي اشتركت في الإنتخابات يكشف من جهة عن الحجم الكبير للقواسم التي
تجمع البرامج الإنتخابية للكيانات المختلفة، كما يشير من جهة ثانية الى
خلل كبير ومحوري في تلك البرامج الإنتخابية، الا وهو غياب الحديث عن
الأليات، فالبرامج لمْ تتطرق الى كيفية تحقيق الأهداف التي رفعتها،
فكان الغائب الأكبر في الإنتخابات هوالحديث عن الأليات... عن السبل...
عن الطرق... عن الخطوات العملية الميدانية للوصول إلى الأهداف، فيما
كان الحاضر الأكبر هو الشعب، وبمختلف شرائحه، طبعاً الى جانب حضور نقاط
الإشتراك الكبيرة والكثيرة في البرامج الإنتخابية.
ما السرّ في كل ذلك الغياب الكبير والحضور الكثيف؟
أتصور ان حضور الشعب يعكس ومرة أخرى تمسك الشعب العراقي بالخيار
الديمقراطي، وإصراره على رفض الواقع المتردي القائم، وان النقاط
الكبيرة والكثيرة التي اشتركت في رفعها معظم القوائم الإنتخابة تدل من
ناحية على التماسك الإجتماعي، والهموم والتطلعات المشتركة بين مختلف
الشرائح والمكونات،فليس منطقياً ان ترفع الكينات اهدافاً لا يريدها
الشعب، أولا يتوق اليها، كما تدل النقاط المشتركة من ناحية اخرى على
عدم سعة مساحة الإختلافات إلا بين بعض القيادات.
اما فيما يتعلق بالغائب الأكبر، اي غياب الأليات فالأمر يرجع الى
غياب ثقافة الأليات عن حياتنا، ومنها السياسة، والإكتفاء بإعلام
النوايا والأهداف،النية الحسنة أو النبيلة غير كافية، ولابد من خطة
حسنة ومتقنة ومدروسة للوصول أوالإقتراب من الأهداف، ولابد لنا أن نسأل
كل من يرفع شعاراً أوهدفاً عن الـ :
ــ منْ...؟
ــ متى...؟
كيف...؟
فعلى أقل التقادير، لابد السؤال فالحديث عن الموارد البشرية
والمالية والبرنامج الزمني والعملي والأليات لتحقيق الهدف، كي يكون
الإقتراع مستنداً الى ذلك إذ اريد له ان يكون اكثر وعياً، وبعيداً عن
الطائفية والمحاصصة، وثقافة الأليات هي التي تضمن ديناميكية
الديمقراطية وتكرسها، وتسد الأبواب أمام المزايدات والشعارات
الديمجاوجية العاطفية والتسقيط والإبتزاز
والمحاصصة الطائفية والكوتا غير المرئية خلف الكواليس، وتجعل الجذب
والإنجذاب والدمج والإندماج ممكناً وفاعلاً ومستداماً ومستنداً الى
الخيار الديمقراطي بلوازمه واركانه واستحقاقاته، وتجعل البرامج
الإنتخابية واقعية وعملانية ومصداقية.
فليكن السؤال دائماً :
ــ كيف ستطبق ذلك الهدف؟
ــ كيف ستنفذ تلك الوعود؟
ــ كيف ستعالج ذلك الخلل ؟
والمطالبة تحديداً بخطوات عملية ميدانية واقعية مدعومة بالأعداد
والأرقام والإحصاءات الموثقة.
فهل الى ثقافة الأليات من طريق في مجتمعاتنا ؟
نعم،والطريق طويل، والديمقراطية فتية، لكن تكريس الديمقراطية الصلبة
المستدامة والحياة الأفضل تتطلب التكريس المتوازي لثقافة الأليات، وقبل
فوات الأوان.
*معهد الإمام الشيرازي الدولي
للدراسات - واشنطن
siironlin.org |