في
مستهل كل بحث ومقال يتعلق بالتوصيف القانوني للأفعال التي يجرمها
القانون، لابد من التطرق إلى فلسفة تجريم الأفعال ، حيث أن التجريم
يبنى على مدى الضرر الذي يلحقه بالمجتمع وتحدد عقوبته بما ينسجم وتحقق
فلسفة الردع والإصلاح ، لذلك فان المنظومة القانونية العراقية لم تتخطى
أو تهمل بعض الأفعال التي يتصور البعض انه بمنأى عن المسائلة القانونية
إذا ما أتى على ارتكابها ، ومنها التهجم أو التطاول على الرموز الدينية
لكل الأديان والطوائف والمذاهب دون أي استثناء، ويستدل على ذلك من
إطلاق النص في معالجة الفعل الموصوف بموجبه ، حيث أن قانون العقوبات
العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل قد جرم الفعل الذي بموجبه يتم
التطاول أو الاعتداء على أي رمز ديني او شخصية دينية لطائفة معينة،
وهذا التجريم لا ينته عند الوصف أعلاه بل شمل أوصاف أخرى وردت على سبيل
الحصر في الفصل الثاني من الباب الثامن من قانون العقوبات العراقي رقم
111 لسنة 1969 المعدل، تحت عنوان الجرائم التي تمس الشعور الديني،
ومنها ما ذكر في الفقرات والبنود، التي تضمنتها المادة 372 عقوبات,
ومناسبة القول هذا ما نشاهده في وسائل الإعلام المرئية والمقروءة
والمسموعة من تطاول واعتداء على رموز دينية تكون محل اعتبار واحترام في
الدين او الطائفة او المذهب الذي ينتمي إليه ذلك الرمز أو تلك الشخصية
، كما لابد من الإشارة إلى أن الإسلام يعتبر من أهم مصادر التشريع في
القانون العراقي ولمثل هذا التوصيف اثر في الشريعة المحمدية، فقد ورد
في الحديث القدسي يقول الله عز وجل ((من أهان لي وليا فقد ارصد
لمحاربتي ، وأنا أسرع شئ في نصرة أوليائي)) ، لذا يتساءل الكثير من
الناس احيانا عن موقف القانون العراقي من هذه الأفعال، لذلك سأورد شرحاً
مبسطاً لحكم القانون وتوصيفه وعلى وفق ما يلي :-
نص البند (1) من المادة 372 عقوبات على العقوبة بالحبس لمدة لا تزيد
على ثلاث سنوات لمن ارتكب احد الأفعال التي ذكرتها الفقرات ( أ ، ب ، ج
، د ،هـ ، و ) ، أما فيما يتعلق بالتطاول والتهجم على الرموز الدينية
فقد ورد في الفقرة (هـ ) من البند (1) من المادة 372 عقوبات والتي جاء
فيها ما يلي (( من أهان علناً رمزاً او شخصاً هو موضع تقديس او تمجيد
او احترام لدى طائفة دينية )) ،. ورتب على مرتكب هذا الفعل عقوبة الحبس
مدة لا تزيد على ثلاث سنوات . لذا فان تحليل النص يبين لنا إن الفعل
يتحقق بموجبه الاتهام إلى القائم به حينما يتوفر على العناصر التالية
:-
أ- وجود فعل إهانة وهذا الأمر يتعلق بتوجيه أوصاف منافية
للأخلاق العامة وإلصاقها بالرمز الديني أو يكون فيها وقع التجريح بمقام
ذلك الرمز، ومفردة الإهانة لها مدلول التحقير والتصغير في قواميس اللغة
العربية .
ب- أن يكون علناً بمعنى أن لا يكون في موقع التستر دون وضوح
وقوع الفعل أمام الناس، وقد حدد قانون العقوبات وسائل العلانية في
المادة 19 عقوبات ومنها وسائل الإعلام كافة التي هي مناط هذا المطلب .
ج- أن يتعدى الفعل الى مقام رمز او شخص هو موضع تقديس او تمجيد
او احترام لدى طائفة معينة، بمعنى اذا كان النعت والوصف تعدى إلى مقام
شخص لا يتمتع بصفة التمجيد او الاحترام كأن يكون من عامة الناس من
أبناء هذه الطائفة أو تلك ، فان الأمر لا يخضع لأحكام هذه المادة بل
مواد أخرى عالجها النص في مواضع أخرى .
لذلك فان القانون العراقي لم يقف ساكناً تجاه مثل هذه الحالات بل
أوجد لها مركزاً قانونياً ، يكون مرتكب هذا الفعل الجرمي موضع المسائلة
القانونية ، وهنا ينهض تسائل آخر يتعلق بالجهة التي لها الحق في
تحريك الشكوى، ففي قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971
المعدل قد حدد في نص المادتين 47،48 تلك الجهات ومنها كل من تحقق علمه
بوقوع جريمة، لذا فان أي منظمة أو فرد أو جهة حكومية لها الحق بموجب
القانون طلب الشكوى ضد من قام بهذا الفعل وتحريكها أمام القضاء العراقي
واتخاذ الإجراءات القانونية بحق من يرتكب مثل هذه الأفعال . |