التركيبة القادمة للحكومة الإيرانية

حسن طهران*

بعد مرور ثلاثة أشهر من استلام أحمدي نجاد، الحكم في إيران، وبعد العزل والتنصيب الذي عمله خلال الأسبوع الأخير، تبين وجه النظام الجديد، وظهرت ملامحه الرئيسية، التي خرجت من (الإنتخابات) التاسعة لرئاسة الجمهورية في إيران.

خلال الإسبوع المنصرم، وقعت أحداث حددت مسيرة حركة حكومة أحمدي نجاد بصورة أوضح، بحيث يمكن بسهولة التنبؤ بسياساتها المستقبلية.

 فإعطاء مسؤولية الشرطة والقوى العسكرية لوزير الداخلية، الأمر الذي لم يحظ  به الرئيس السابق محمد خاتمي، وتنصيب نائب حرس الثورة كمساعد في وزارة الداخلية، والتغييرات في أركان الحرس وقوات التعبئة "البسيج"، وإعطاء مناصب حساسة في الحكومة إلى العسكريين وكبار الحرس، وإستقرارهم في مؤسسة الحكومة الجديدة، كانت من أهم التغييرات في هيكلية الحكم الجديد.

من هنا يمكن القول إن "التيار المتخفي"، أخذ يظهر في النظام الجديد بشكل مبرمج ومنظم، وذلك بمساعدة العسكريين، وبدأ بتنفيذ برامجه التي لا يمكن أن تنفذها مؤسسة غير حزبية.

وزير النفط الذي لم ينتخب حتى الآن، يعتبر الحلقة المفقودة للسلسلة، التي لو اكتملت، ستكتمل الصورة الهيكلية الجديدة.

 أحمدي نجاد صرح مرارا أنه لا يستشير أحدا، ويصر على أن وزير النفط سيتم ترشيحه من خارج تيار المحافظين، وهذا أمر يدل على أن الانتخاب النهائي سيكون له، وهو الذي كان معروفا بـ"عمدة طهران" حين الإنتخابات الرئاسية، ولم تكن لديه سمة رسمية أخرى، واستطاع أن يدخل في ساحة الإنتخابات دون التنسيق مع "مجلس تنسيق القوى الثورية- شوراي هماهنكي نيروهاي إنقلاب".

أحمدي نجاد دون أن يهتم بهذا المجلس الذي يعتبر محلا لتجمع جميع التيارات المحافظة والمتشددة، سجَّل في الانتخابات مفردا وممثلا لنفسه، ولكن ما هو السند الذي كان يتكئ عليه؟

 يمكن معرفة الجواب من خلال استخراج متون أحداث تاريخ الثورة، وسيرتها حتى الآن.

انتصار الثورة في إيران، حصلت كانتصار سائر الثورات الكلاسيكية في العالم، بسبب إتحاد الفئات التي استبدلت ثوب الرفاقة بثوب المنافسة حين الصراع على السلطة، الصراع الذي يسمى في الساحة السياسية " صراع من على من"، ولا يوجد له إنتهاء إلا حينما استولت إحدى الفئات المتنازعة على الساحة بشكل تام ومنفرد.

هذا السير إستمر في الثورة الفرنسية من عام 1789 حتى 1848، وبالتالي إستطاعت "البورجوازية"، أن تقبض السلطة.

في الثورة الروسية هذا السير كان قصيرا، وخلال فترة قصيرة استطاع التنظيم البولشفيكي أن يقبض السلطة تماما.

في الثورة (الإسلامية)، ومن خلال التعدد في القوى، ووضيعة البلد والمنطقة، والظروف العالمية، أدت إلى أن يستمر هذا السير إلى سبعة وعشرون عاما.

القوى المؤيدة لـ"الثورة الإسلامية"، والتيارات الأخرى التي تضامنت وتقربت إليها لدلائل وأهداف مختلفة، استطاعت أن تحفظ تماسكها وإتحادها الإستراتيجي حتى وفاة الإمام الخميني، وفي تلك الحالة، وخاصة في أواسط القوى العسكرية والمخابراتية، استمرت التقسيمات من أجل قبض السلطة النهائية، السلطة التي بدأت تصحب الثروة أيضا، وكانت تتطلب حذف المنافسين بشكل أوسع.

الساحة السياسية لنظام السلطة في زمن حياة الخميني كانت في صالح تيار اليسار الثوري "المتمثلة اليوم بالتيار الإصلاحي"، وبعده في زمن الحاكم الحالي خامنئي،  أصبحت لتيار اليمين "المحافظين"، لكن توازن القوى لم يكن بذاك الشكل الذي يستطيع تيار واحد  أن يحذف التيار الآخر، أوأن يقبض السلطة نهائيا ويصدر الأمر الأخير.

حكومة محمد خاتمي استطاعت أن تصل إلى الحكم بأصوات نخب من المثقفين والجامعيين، إضافة إلى الشريحة المتوسطة في المدن. لكن من حيث السلطة التنفيذية، كانت قد وزَّعت السلطة على تركيب من التيارات  في داخل السلطة، ولم تستدعِ حتى شخصا واحد من التيار الإجتماعي الذي دعمه في المجتمع داخل ساحة السلطة.

وبالطبع لو كان تيار اليمين يستلم مقاليد الحكم، لكان يمارس نفس الدور ويستدعي مجموعة من قوى اليمين داخل السلطة، لكن لن يتمكن أحد أيضا أن يمسك السلطة كاملة ويتحدث بالكلام الأخير. كيف انتهى لغز "صراع من على من" ؟

هنالك  تنظيم قوي ذو مركزية واحدة قد أجاب على هذا السؤال، هذا التنظيم الذي ربما يعتبر "حزب القيادة" أفضل عنوان له في الحال الحاضر، يعتبر لا حركة اجتماعية، ولا تيار ضمن شريحة خاصة، بل حصل بسبب خلل في السلطة، تعتبر أوسع من الشرائح الحاصلة من "السلطة والثروة"، والذي سمي في التاريخ بـ"الحركة البنابارتية".

أحمدي نجاد الذي يرأس هذا التيار، صرح كرارا أنه ليس مديونا لأي حزب أو تيار، هذه العبارة تعتبر ناقصة، إنه مديونا لحزبه، الحزب الذي لم يتصف بأي عنوان في الظروف المعقدة الحالية لإيران، والتي تتحرك في الظل، وفقط تلك التعيينات التي عملتها الحكومة توضح نشاطاتها بعض الشئ.

هذا الحزب جاء قبل سنوات ببرامجه المنسقة، والآن يخطط في فتح مجلس الخبراء واستلام القيادة، حتى يعلن لحظة حضوره النهائي.

هذا الحزب اتخذ طريقين من أجل التوسع في نفوذه، في المجال الاجتماعي، يتكئ على شعار العدالة لجذب أصوات الفقراء في المجتمع الإيراني، ووضع شعار رفع المحرومية والفقر عنهم على رأس برامجه الأصلية.

وفي المجال السياسي، يعد استقرار القوى في البدنة السياسية، مساعدة لهذا الحزب، وكذلك للانتخابات التي من المقرر ان يخوضها تيار واحد، وبالاستفادة من الإمكانيات العامة، وإعداد قوى الحرس والمخابرات في كافة الأمور التنفيذية جاء في هذا المضمار، المضمار الذي لابد أن يحفظ إتحاده "فوقا".

من هنا فإن وزير النفط لابد أن يكون من داخل الحزب، أوفي ظروف اضطرارية يمكن الاقتناع بوزير محايد أيضا.

أما الحركة في المجالين المذكورين، تتطلب صبغة خاصة، ويبدوأن التطرف يعتبر أفضل هذه الصبغة، وكذلك صنع هالة من القدسية من رئيس الجمهورية، بصورة يحظى بتأييد العلماء، جاء في هذا المضمار.

هذا التركيب بين "عسكرنة" الحكومة، وتظاهرها بـ"القدسية" والشرعية الدينية، أي حكومة السلاح باسم الله، سيؤدي إلى حكومة قد أطلق عليها محمد خاتمي عنوان "حكومة طالبان الإيرانية".

مهما يطلق على هذا الحزب، فإنه بدأ يتجه إلى هدفه النهائي، الهدف الذي كان يواصل في البلد المجاور لإيران، أي باكستان، وأدى إلى سلطة العسكريين.

الأحداث المقبلة ستبين هل إيران تتجه نحو"عسكرنة" الحكومة أو"بكستنته" إن صح التعبير، أم أن الأحداث والتغييرات في الساحة الإجتماعية ستكتب مصير آخر على الساحة السياسية!.

*خبير في الشؤون الايرانية

شبكة النبأ المعلوماتية -الاحد 11/كانون الاول/2005 -  8/ذي القعدة/1426