يوم الايدز العالمي: غضب وندم وخوف من الفضيحة وقليل من الامل في أفريقيا

سادت في افريقيا يوم الخميس مشاعر هي مزيج من الغضب والندم في اليوم العالمي لمرض نقص المناعة المكتسب (الايدز) اذ تذكرت القارة الاكثر تضررا من المرض ملايين فقدوا حياتهم بسبب الوباء الذي حتى اساليب العلاج بالادوية الجديدة لم تنجح في ابطاء انتشاره.

وفي مختلف ارجاء افريقيا انتقد مرضى الايدز الزعماء السياسيين لفشلهم في السيطرة على المرض والمجتمع الدولي لعدم تقديمه مساعدات كافية.

وقال ميريس كافوسي وهو مريض بالايدز (64 عاما) من تنزانيا بدأ في الفترة الاخيرة فقط في تلقي أدوية مضادة للفيروسات الارتجاعية في غضب "الاموال التي خصصت لفيروس (اتش.أي.في) المسبب لمرض الايدز وجهت الى كل شيء باستثناء الايدز."

وأضاف "المنظمات التي تقول انها تتعامل مع الايدز دائما ما تعقد الندوات وورش العمل. في الوقت الذي يتعين عليهم شراء الغذاء للارامل والايتام...تجدهم بدلا من ذلك يكسبون 50 دولارا في اليوم لمجرد الجلوس في غرف ومناقشة أمرنا. هل هذا عدل."

ورغم مرور نحو عقدين على بدء انتشار المرض مازالت منطقة جنوب الصحراء الكبرى في افريقيا هي مركز الوفيات الناجمة عن المرض على مستوى العالم ومركز حالات الاصابة الجديدة مما تسبب في اشاعة حالة من البؤس بعد ان خفض المرض متوسط الاعمار وترك ملايين الاطفال الايتام وخفض الانتاج الزراعي في دول تعاني أصلا من نقص في الغذاء.

وتشير احدث تقديرات الامم المتحدة الى أن 26 مليونا من 40 مليون مصاب بمرض الايدز على مستوى العالم يعيشون في افريقيا. وان افريقيا شهدت نحو 3.2 مليون من نحو خمسة ملايين حالة اصابة جديدة سجلت في عام 2005.

وقال جاك يونج كيم مدير ادارة الايدز في منظمة الصحة العالمية الذي يزور مملكة ليسوتو في اليوم العالمي للايدز ان آلام افريقيا ترجع في جزء كبير منها للافتقار للتخطيط الجيد.

وقال في بيان "جهود الوقاية والعلاج والرعاية الراهنة عرضية ومحدودة وتفتقر للعنفوان والايقاع السريع المطلوب لاحداث أثر."

وسعت ليسوتو يوم الخميس لتعزيز حملتها لمكافحة الايدز ببدء حملة للمرور على المنازل وتسجيل سكان المملكة بالكامل للفحص التطوعي للكشف عن المرض.

لكن في سوازيلاند التي تشترك مع ليسوتو في أعلى معدل لانتشار الايدز بين البالغين وهو نحو 40 بالمئة ألغى الملك مسواتي اليوم العالمي للايدز للتركيز على مهام ملكية أخرى.

وبدأ طرح العقاقير المضادة للفيروسات الارتجاعية وهو العلاج الوحيد الذي اثبت قدرة على ابطاء تطور المرض في احداث أثر في افريقيا رغم أن المسؤولين يقولون ان هذا النوع من الدواء لا يصل سوى الى عشرة بالمئة فقط من المرضى الافارقة الذين يحتاجونه.

وقالت بوتسوانا الغنية بالالماس والتي قادت العلاج العام بالعقاقير المضادة للفيروسات الارتجاعية اليوم الخميس انها سجلت 55 الفا من سكانها لتلقي هذا العلاج مما يجعلها واحدة من بين دول افريقية محدودة تفي بالمستويات المستهدفة.

وفي جنوب افريقيا التي بها خمسة ملايين مصاب بالفيروس وهي أكبر أصابة في دولة واحدة على مستوى العالم ينسب للعقاقير المضادة للفيروسات الارتجاعية الفضل في خفض عدد الوفيات بين الاطفال المصابين بالمرض في أحد ملاجيء جوهانسبرج الى ثمانية فقط في عام 2005 بالمقارنة مع 51 في عام 2002.

وقالت جاكي شويمان مديرة دار ايتام كوتلاندز اليوم "صراعهم من أجل البقاء والالم الذي تحملوه والابتسامات التي مازالوا قادرين على توزيعها على رعاتهم ضمنت لهم مكانا خاصا في قلوبنا."

لكن طرح جنوب افريقيا لهذا النوع من العقاقير على نطاق عام الذي يقول النشطاء انه تعطل بسبب قلق الحكومة من الدواء لم يوقف حالات الاصابة الجديدة واستمر معدل الوفيات في الارتفاع.

وافادت تقديرات مجموعة ماركينور البحثية ان المزيد من سكان جنوب افريقيا يمارسون سلوكا جنسيا خطرا وتوقعت أن يبلغ اجمالي عدد وفيات الايدز تسعة ملايين بحلول عام 2021.

بينما تمكنت فيما يبدو بعض الدول خاصة اوغندا وكينيا وزيمبابوي من خفض معدلات الاصابة الاجمالية بالمرض بفضل حملات التوعية بفوائد استخدام العازل الطبي.

اما في بوركينا فاسو فأن النساء يخفين اصابتهن بالايدز خوفا من الفضيحة، فخلافا لغالبية الامهات في بوركينا فاسو لا ترضع صوفي (35 عاما) صغيرتها البالغة من العمر عشرة شهور. فهي لا تريد أن تنقل لها فيروس (اتش.اي.في) المسبب لمرض الايدز.

قالت صوفي "قبل عامين مرضت وأجريت اختبارا... واكتشفت أنني أحمل فيروس اتش. اي. في. لكنني لا أعرف كيف أصبت به. وفي الشهر الماضي اكتشفت أن طفلتي غير مصابة بالفيروس على الرغم من اننا سنجري اختبارا اخر في العام المقبل."

وصوفي وهذا ليس أسمها الحقيقي عضو في جمعية تعاونية تضم 20 امرأة تعيد تدوير الاوراق في واجادوجو عاصمة بوركينا فاسو.

والجمعية ملاذ لنساء يعانينن الفقر والايدز والعنف الاسري.

ويوفر العمل في اعادة تدوير أوراق القمامة وجعلها اوراقا او اظرفا ملونة او صفحات لالبوم قدرا من الاستقلال المالي والاموال لتوفير المأكل والرعاية الصحية لاطفالهن.

وتوفيت امرأتان بمرض الايدز منذ أن بدأت الجمعية نشاطها قبل أربعة أعوام. وأصيبت أربع نساء أخريات من بينهن صوفي بفيروس اتش. اي. في.

تقول صوفي "زوجي الثاني الجديد مصاب أيضا بالفيروس" وهو واحد من حوالي 300 ألف بوركيني مصابين بالفيروس.

وبوركينا فاسو واحدة من أفقر بلدان العالم وكان يعتقد من قبل أن بها واحدا من أعلى معدلات الاصابة بالايدز في غرب أفريقيا.

يقول جيمس فوستر مدير جماعة بلان في بوركينا فاسو وهي احدى جماعات المعونة العاملة في البلاد "قبل عشر سنوات كان في بوركينا معدلات اصابة بين من هم في أواخر سن المراهقة."

وقلل الخبراء من تقديراتهم منذئذ بفضل الابحاث الافضل. وقدر برنامج الايدز التابع للامم المتحدة معدل انتشار الفيروس بنحو 4.2 بالمئة في نهاية عام 2003 وبلغ عدد الوفيات بسبب الايدز في هذا العام 29 ألفا.

لكن التراجع لم يكن سببا تلقائيا للتفاؤل.

قال تيموثي جونستون اخصائي الصحة في البنك الدولي في بوركينا فاسو "يتناسب التراجع في انتشار الفيروس عادة مع الوفيات."

ومضى يقول "من يصاب بالفيروس يصاب به مدى حياته.. ويستغرق الامر ما بين خمس إلى عشر سنوات قبل أن يتوفى. ومن الواضح أن هناك تراجعا لكنه تراجع بعدما بلغ معدل الوفيات ذروته."

وتخفي صوفي هي وثلاثة أخريات مصابات بالايدز في الجمعية حالتهن.

وقالت "لا يعرف أي أحد اخر في الجماعة... الناس تخشاه (فيروس اتش.اي.في). إذا ظنوا أنك مصاب به لن يلمسوك.. لن يشربوا معك ولن يتشاركوا معك."

ومن الشائع في بوركينا فاسو التي تصل نسبة المسلمين بين سكانها حوالي 50 في المئة أن يكون للرجل زوجتان أو ثلاث. وحتى إذا علمت النساء أنهن مصابات بالفيروس نادرا ما يطلبن من ازواجهن استعمال عوازل طبية خوفا من اكتشاف أمرهن.

وتشكو النساء من أن الرجال يرفضن استعمال العازل الطبي وعادة ما يقابل عاملون صحيون زعماء قرويين ينكرون وجود الايدز.

وتعمل فاتي سيمبور وهي احدى زوجات ثلاث وأم لثلاثة أطفال في مركز جمعية معالجة الورق. ولم تجر أبدا أي اختبارات كما لا تستعمل وزوجها أي عوازل طبية.

وقالت "قد أجري اختبارا في الاسبوع المقبل لمجرد ان أعرف. لكني لا أعرف ان كان زوجي سيقبل بي اذا كنت مصابة به."

وقال فوستر إن الاختبار مهم.

ومضى يقول "الناس تجد لديها شجاعة كي تذهب للاختبار لكنه لا يتحلون بالضرورة بشجاعة كافية بأن يعودوا في اليوم التالي لمعرفة النتائج." وأضاف "لا تزال وصمة العار كبيرة جدا. لا يمكنك تغيير الافئدة باصدار تشريع."

كما أدت الحرب في ساحل العاج المجاورة التي يعيش يها ما يصل إلى 3.5 مليون بوركيني الى انتشار الفيروس مع فرار العمال المهاجرين عائدين إلى وطنهم.

وقال فوستر "كان في ساحل العاج واحد من أعلى معدلات الاصابة في غرب أفريقيا قبل الحرب ولم يطرأ أي تحسن على الوضع. وهناك كثير من الجنود يتحركون ولا يفكرون على الاغلب في استعمال العوازل الطبية."

وصوفي واحدة من القليلات المحظوظات اللاتي يتلقين علاجا بعقاقير مضادة للفيروس الايدز. وتتناول قرصا مرتين يوميا يوزعها المركز الوحيد في واجادوجو مجانا.

ويتلقى نحو 4500 بوركيني العلاج نفسه والمستهدف أن يصل عدد من يحصلون عليه الى خمسة الاف بنهاية العام. لكن هذا يمثل فقط عشرة بالمئة ممن يحتاجون العلاج.

وتقدم جماعة اطباء بلا حدود العلاج المضاد للفيروس الايدز كما تساهم حكومة بوركينا فاسو والصندوق العالمي لمحاربة الايدز والسل والمالاريا في التمويل. ويقدم البنك الدولي أموالا لمحاربة الايدز.

وتتطلع استراتيجية وطنية طموحة إلى تقديم أدوية مضادة للفيروس الايدز لنحو 90 في المئة على الاقل ممن يحتاجون للعلاج بحلول عام 2010 كما تستهدف خفض معدل الاصابات الجديدة بنسبة 25 في المئة في الفترة نفسها.

وبوركينا فاسو من أوائل الدول في غرب أفريقيا التي تحارب الايدز حيث يجري توزيع عوازل طبية على الرجال والنساء منذ عام 1982 في اطار مشروع ريادي في 30 موقعا في انحاء اليلاد.

لكن الدولة التي تشكو نقصا في الاموال حيث يعيش 40 بالمئة من السكان على أقل من دولار في اليوم لا تملك الموارد الكافية للوفاء بتلك الاهداف. ولا تستطيع الحكومة توفير سوى 22 مليار فرنك أفريقي (39 مليون دولار) مما يقدر بحوالي 160 مليار فرنك مطلوبة على مدى السنوات الخمس المقبلة.

شبكة النبأ المعلوماتية -الاحد 4/كانون الاول/2005 -  1/ذي القعدة/1426