لا يمكن اختزال مذهب أو قومية بقائمة انتخابية واحدة

المهندس صارم الفيلي*

النقد عموما هو ظاهرة أيجابية وصحية لأن علاج أي مرض يبدأ بتشخيصه أولا، دون الوقوف عند التشخيص والاكتفاء به، بل الانتقال الى العلاج.

في السابق أيام الطاغية كان النقد غير مسموحا به لأنك عند ذلك كنت تصبح في موقع من يريد الانقلاب على النظام، لأن الكلمة الهادفة كانت بالنسبة له بمثابة الاطلاقة التي تقذف به الى الهلاك، كونه لم يكن يمتلك من المسوغات التي تمكنه من الدفاع عن مقارباته المنحرفة وقراراته المرتجلة.

سقط النظام بالطريقة المعروفة، وظهرت من الصحف العشرات بل المئات بالإضافة للصحافة الالكترونية، حيث وجدت العشرات منها، رغم المقروءة في العراق منها لا تتجاوز أصابع اليدين ولا أريد ان أشخص فالأمر معروف ومتروك لكل عراقي أن يقول رأيه فيها.

مع كل ذلك يمكن القول أننا توفرنا على مايمكن أن نطلق عليه بديمقراطية الكلام، دون الانتقال غالبا الى الفعل، لأن العديد من الأخطاء والظواهر السلبية التي تمت الأشارة اليها في الصحف العراقية ومواقع الانترنت الرصينة والقليلة كما أشرنا لذلك، تم تجاهلها والتعامي عنها بكل رحابة صدر.

الأمر الذي جعل المواطن يقترب من الأعتقاد أننا في كثير من المواقع الحكومية لا نجد رغبة فعلية للإصلاح تتعدى الكلام الاستهلاكي، لأن هناك من القوى المعيقة التي لها مصلحة في فرملة المواضيع، وأحيانا إغلاق النوافذ الإعلامية الرسمية أمام من يعتبرونه منافسا جادا لطروحاتهم, لأنهم خبروه طويلا، لذلك تغلق وبتعمد عليهم نوافذ الدولة الأعلامية والتي كان من المفروض منها ان تكون حيادية، بعد إلغاء وزارة الأعلام سيئة السمعة.

ان الديمقراطية لا تكون بتعددية ظاهرية، بل بتعددية تكون وعاءا للآراء المختلفة والمعايير المتصادمة، كما هي ركيزة الآراء المتوافقة قي بعض عناصرها أو المتجهمة في عنادها وتخالفها.

وهذا يتطلب أن تكون وسائل الأعلام الرسمية ليست محتكرة، بفتح الكاف, من قبل من هم في السلطة، وخاصة في الأسابيع التي تسبق الانتخابات، لأن ذلك يعتبر خرقا لحياديتها.

بل أن تكون مفتوحة أمام كل المتنافسين بنفس المقدار، وان يقلص المسئولون ظهورهم فيها الى أقصى الحدود، في أطار الضرورة.

كي لا يستغل موقعه في الحكومة للدعاية ولو بشكل غير مباشر، هنا يثبت المسئولون أكثر

لمصداقية أيمانهم بالديمقراطية وبالعمق.

لقد حان الأوان لتجاوز سلبيات الماضي في هذا المجال، نتجاوز السياسة المطبوخة والأعلام غير الحيادي، كي لا نعود بعض الناس على النفاق والا سيفقد موقعه ووظيفته أن لم يرائي أو يصفق ويتملق.

علينا أن ننطلق في المعركة الانتخابية من البرامج التثقيفية، لا من أثارة الغرائز أو أتباع المناهج التسقيطية، واحتكار السلطة لغرض كسب الأصوات لأننا  عندها نبتعد عن ثقافة الديمقراطية لنسقط في ثقافة الوحل السياسي.

على الناخب أن لايتوقف عند الأسماء و مايسطر في الأوراق ,وما ينطق به من شاشات الفضائيات بمعزل عن واقع تجربة الأنسان العراقي البسيط الذي خبر معظم القوى السياسية وهي في الحكم أو كانت في الحكم بعد سقوط الطاغية ومقدار تطابق ما قدموه من خدمات ومن أيثار بعيدا عن الحالة الحزبية والفئوية المنغلقة وعن الفساد الإداري والمالي ومقدار تفريطهم بثروات الشعب والوطن , وهل تماهت هذه الأحزاب لتنفتح على المواطنين الذين شكلوا جسر عبور لممثليهم في الانتخابات السابقة الى البرلمان ؟ أم العكس هو الصحيح بأنهم, وهنا أتجنب التعميم لأنه يتعارض مع العقلانية ويبعدنا بالتالي عن العدالة النسبية في التشخيص , اختزلوا الوطن والمواطن في حزبياتهم وفئوياتهم وبدرجات متفاوتة بين ما هو في دائرة المقبولية وفق المقاييس الديمقراطية والإنسانية وبين ما يخرج من هذه الدائرة ليبتعد بدرجات متفاوته عنها.

أنظر أخي العزيز, الى برامجهم قبل الانتخابات , وقارن درجة التطبيق لها بعد الانتخابات في مجالات الأمن الخدمات وظروف المواطن اليومية المعاشة.

 لا تتخندق طائفيا أو قوميا.

وان أثرت التخندق , فأعلم ياأخي , وأعلمي يا أختي , أن المذهب أو القومية أو غيرها من الأيديولوجيات لا يمكن أن تختزل بقوائم معينة. أترك لنفسك مجالا للأختيار , وأعلم ان هناك اصطفافات مقبلة بعد الانتخابات , وتحت قبة البرلمان.

هذا يعني وجود فرصة أخرى لمن انتخبتهم كي يأتلفوا بعد الانتخابات وفق ماترغب , وهنا

تكون قد تجنبت أن تعطي صوتك لقوائم غير متجانسة , تحمل عوامل انفجارها معها , ليكون

صوتك الضحية الأولى والأخيرة.

في هذا الطريق علينا كعراقيين أن نشخص وبدقة من تعصب لحزبه وجماعته ليحبس نفسه داخلهما مانعا من نقطة ضوء تنطلق الى عقلة وقلبه لينظر بها الى حال الأنسان البسيط الذي عانى الأمرين , مضغوطا بين أرهاب القتلة ونقص الخدمات وضيق العيش.

حتى ولاءاتنا المختلفة , وهي حالة صحية, حولت عند الكثيرين منا الى تعصب ليس لتلك الولاءات بل تعدتها لتصل الى التعصب للأشخاص , لتطل علينا الوثنية بثوبها الثقافي والقيمي, لنعطي هذا الشخص أو ذلك نقاط قوة لا يمتلكها , حتى صار الأنتفاخ الشخصي يتحرك في كل مواقفنا السياسية والأجتماعية.

 أن المرحلة التي نعيشها تفرض علينا استنفارا ليس أمنيا وسياسيا فحسب , وانما ثقافيا أيضا. كي نؤصل فكرنا وسياستنا وأمننا بكل أبعاده.

كل هذا يأتي من خلال تعميق ملكة التمييز بين الأختلافات على مستوى الخط والخطة والأسلوب والهدف , وان نفسح المجال لكل التنوعات كي تتحرك لتغني الصيغ الفكرية والعملية لتجسد صور بديلة , لا بمعنى الغاء الجيد مما بني , بل بأن تتجه لتؤدي الى تكامل المجتمع ليأخذ كل دوره في هذا الجانب أو ذاك من الصورة. لأن البديل هو الفوضى المستمرة لا سامح الله.

*sarimrs@hotmail.com

ماجستير هندسة توليد طاقة

شبكة النبأ المعلوماتية -الجمعة 2/كانون الاول/2005 -  29/شوال/1426