مناهج التربية الإسلامية الرسمية في البحرين ومذهب أهل البيت (ع)

بقلم: إبراهيم علي السفسيف

في بلد يشكل معتنقو المذهب الإمامي الإثني عشري فيه غالبية مطلقة، تفيض قلوبهم بالمحبة والعشق والاتباع لأهل البيت (ع)، وينصبون لهم على كل بقعة من ثراه الرايات بعد أن ثبتوها في مهجهم.

 وعلى أرض امتزج ترابها بدم من حملوا لواء الولاء للعترة الطاهرة (ع) عبر التاريخ الإسلامي القديم والحديث، فغدت أجواؤها تردد كل يوم، بل كل آن، مناقبهم وأفراحهم وأحزانهم

في بلد كهذا، يعج بالمحبة و الولاء لأهل البيت (ع)، لا نجد حديثا يذكر لمذهب وشخصيات أهل البيت (ع) في مناهج التربية الإسلامية الرسمية في مختلف المراحل الدراسية إلا النزر اليسير، والذي يرد عادة على استحياء وفي مواطن هامشية بحيث لا تمثل لدى المتلقي منهجا يمكن أن يتخذه أنموذجا يقتفي أثره في حياته.

سؤال للتاريخ

وإنها لمفارقة صارخة تصيب الإنسان، وهو في منطلق مشواره العلمي حتى نهايته، بالتشوش والاضطراب و التناقض، حيث يرى نفسه مجبرا على دراسة مناهج تتجنب طرح رؤية مذهبه في القضايا العقدية والسلوكية والفكرية قبالة رؤية المذاهب الأخرى، ولا تأتي على ذكر شخصياته الطاهرة المطهرة بشهادة جميع المذاهب الإسلامية إزاء شخصيات لا يبعد أن يكون بعضها قلقا في تاريخ الإسلام.

والسؤال المنطقي الذي يفرض نفسه هنا: لماذا أغفلت مناهج التربية الإسلامية الرسمية أهل البيت (ع) ورؤى المذهب الإمامي الإثني عشري ؟

لاشك أن الإجابة عن هذا السؤال معقدة وشائكة ؛ معقدة لكونها تقتضي المراجعة التاريخية الدقيقة لملفات بدايات التعليم الرسمي والأجواء التي اكتنفته والإشكالات التي رافقته، وهذا ما يصعب توافره أو إيجاده، وهي شائكة من حيث أن أي إجابة يمكن أن تقدم بصورة لا تستند فيها إلى أسس ووقائع علمية قد يزيد من تعكر أجواء السلم الطائفي الذي كاد أن ينتهي في ظل قانون أمن الدولة السابق، وموجات التكفير الوافدة التي تخللته و ما وجدته فيه من غطاء جيد لترسيخ أقدامها.

لهذا نفضل أن ندع الإجابة عنه للتاريخ، ونوجه الاهتمام إلى الكيفية التي تعاطي بها الكيان الشيعي في البحرين مع هذا الإغفال أو التغافل، وإن كان بشكل موجز.

الكيان الشيعي والممانعة

بحسب الرواية الرسمية، فقد كان لبعض التجار والوجهاء الفضل في تأسيس أول مدرسة نظامية في البحرين، حيث عرضوا الموضوع على الشيخ عيسى بن علي حاكم البحرين آنذاك، فرحب بالفكرة ووافق على تنفيذها، وهكذا تم تأسيس مدرسة "الهداية الخليفية" عام 1919م.

في قبالة هذا المشروع وجد الكيان الشيعي نفسه، للمحافظة على هويته المبعدة سهوا أو عمدا، مدفوعا للأخذ بالصورة النظامية في تأسيس المدارس. حيث بادر مجموعة من التجار وبعض المثقفين لتأسيس مدرسة "المباركة العلوية" عام 1927م في الخميس، وقد تشكلت اللجنة المؤسسة للمدرسة من:السيد أحمد العلوي،والحاج على السماهيجي،والسيد حسين الماحوزي،والحاج إبراهيم عبد العال.

بعد عام من افتتاح مدرسة "المباركة العلوية"، افتتح الكيان الشيعي "المدرسة الجعفرية" عام 1928م، ليضيف إلى رصيده،في عملية التنشئة الاجتماعية التي يبتغيها، مؤسسة جديدة إلى جانب الحوزات الدينية العلمية.

هاتان الخطوتان لم تضمنا للكيان الشيعي الاكتفاء الذاتي والاستغناء، بل إنهما لم تمنعانه من إغلاقهما والانضواء تحت المشروع الرسمي بعد سنوات قليلة، والتغيير الذي حصل لاسمي المدرستين لاحقا دليل على ذلك، حيث تغير اسم مدرسة "المباركة العلوية" إلى "مدرسة الخميس" و"المدرسة الجعفرية" إلى "مدرسة أبو بكر الصديق".

 وقد يعود سبب الإغلاق إلى أنه بظهور النفط قد توافر للدولة مبالغ طائلة مكنتها من إعادة تأسيس بناها ومشاريعها من جديد،في الوقت التي قضى فيه على الصناعات التقليدية التي كانت بمثابة الرافد الأساس لاستمرار المدارس الأهلية والعمل الأهلي بشكل عام.

تعايش الكيان الشيعي، بعد أن أجبرته الظروف على التخلي عن مشروعه،  مع المناهج الرسمية دون أن تشكل هذه الأخيرة خطرا حقيقيا على هويته ؛ لضعف مناهج التربية الإسلامية الرسمية من جانب،و للممانعة التي كان يقودها المأتم والمسجد والأسرة والمجتمع، من جانب آخر.

وفي الوقت التي بقيت فيه المناهج الرسمية على حالها، أخذت هذه الممانعة تطور من آلياتها بتقدمها في الزمن، خصوصا في منتصف العقد السابع من القرن الماضي مع تنامي الوعي الديني المعاصر في العراق وبشائر انتصار الثورة الإسلامية في إيران، حيث صار التعليم الديني في هذا الكيان يجتذب العديد من الطاقات المثقفة والتي أخذت على عاتقها منفردة أو في جماعات مسئولية تقديم الثقافة الدينية المذهبية الخالصة للجيل الناشىء.

وما إن تتعرض هذا الطاقات للتغييب أو الهجرة بعد الأحداث التي شهدتها البحرين إثر انتصار الثورة الإسلامية في إيران، حتى تعود لتتمظهر في صورة شبه مؤسساتية على شكل لجان خيرية منظمة هيكلا ومنهجا  لتمارس دورها في الظل بموازات المناهج الرسمية، و ليس من المبالغة حين نقول إنها تفوقت عليها بامتياز، لا من حيث المناهج والطرح فقط بل التأثير الواقعي في السلوك أيضا.

هل من جديد ؟

ولكن، هل طرأ جديد مع مجيء المشروع الإصلاحي ؟

يمكن القول إن المشروع الإصلاحي استطاع أن يحدث نوعا من الموازنة الظاهرية التي لا تعالج الموضوع بالإقدام عليه ومواجهته بل بالالتفاف حوله،عبر إحداثه نوعا من الترضية بافتتاحه للمعهد الديني الجعفري في مقابل المعهد الديني السني،الذي وضع تحت مظلة مديرية التربية و التعليم عام 1960م،وسكوته على المناهج العامة السابقة في المجمل مع شيء من التـطوير.

فإذا ما علمنا أن الطاقة الاستيعابية لهذا المعهد صغيرة، و أن نسبة الراغبين في تدريس أبنائهم فيه قليلة، وجدنا أنفسنا أمام ذات الإشكالية القديمة/الجديدة

إن الحاجة ماسة الآن لإعادة النظر في الموضوع بعيدا عن الحساسية المذهبية، فما تعيشه الأمة اليوم من مآس على صعيد الوعي الديني في جزء أساس منه إلا نتيجة بُعدها عن الأخذ من الثقل الثاني بعد القرآن الكريم، فهم ليسوا خاصين بمذهب بعينه، وإنما هم رحمة للعالمين.

شبكة النبأ المعلوماتية -الخميس 1/كانون الاول/2005 -  28/شوال/1426