منهم نستلهم نهج دنيانا وأخرتنا.. في ذكرى استشهاد الأمام الصادق ((ع))

رائــــــد محمـــــــد *

 ((ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد))... أبي حنيفة

هو الأمام  جعفر بن محمد بن علي بن محمد الملقب بالصادق لصدقه  المولود في17 ربيع الأول 83هـ والمتوفى في25 شوال 148هـ وبلغت مدة إمامته للأمة 34 سنه.

تعتبر إمامة الأمام الصادق من أصعب المراحل التاريخية للتصدي للامامة فهذه الامانة اتسعت لتصل إلى نهاية حكم الأمويين وبداية الحكم العباسي لذا كان الأمام أمام تحديات نهاية مرحلة مستبدة وبداية فكر جديد من الاستبداد وتصارع كبير بين هذين التيارين الذين كانو يمثلون أنفسهم بدلا من التمسك بالإسلام المحمدي الحنيف لذا كانت من ابرز مواقف الأمام هو التزامه التحفظ من جميع الحركات المعارضة  والتي كانت ترفع شعار- الرضا من أل محمد- لأنه بفراسته وعلمه ومعرفته كانت هذه الدعوات لا تمثل نهج أل البيت بل كانت تريده جسرا للوصول إلى قلوب المسلمين وسدة الحكم لما يتمتع به هذا الخط من احترام من قبل الجميع وهنا تكمن صعوبة التوازن في قيادة المسلمين في ظل ظروف الصراع والاقتتال الخفي بين الأمويين وحكمهم المنهار والعباسيين المتحفزين لكرسي الحكم بكافة الوسائل.

تلقى العلم والمعرفة الفقهية والشرعية عن جده رسول الله (ص) ومن آبائه لذا فان العلم الذي كان يحمله هو علم الهي لم يدخل أليه ويشوهه العلم الدنيوي الضعيف وكان ينشر العلم ويتعلم العلم الإلهي بنفس المستوى وكان متواضعا شديد الورع مما جعلة الثقة والمرجع الأعلى للناس في زمانه وقد نقل الشيخ المفيد عن ذلك((ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان، وانتَشَر ذِكرُه في البُلدان)) لذا نجد العلماء والمفسرين والدارسين والفلاسفة والمحدثين وعلماء الطبيعة يقرون ويعترفون بعلم الأمام جعفر الصادق ((ع)) وينهلون من نبع علومه  وقد جمع أهل الحديث ما نقله عن الأمام بأحاديث أهل ثقة وقوه في نقل الأحاديث كانو أربعة ألاف رجل ولذا فان الذين كانو ينقلون أحاديثهم عن الأمام في مسجد الكوفة بتسعمائة ناقل للحديث.

يقول أبو حنيفة « لولا السنتان لهلك النعمان »أن المذاهب الأربعة أخذ بعضهم عن بعض فأحمد بن حنبل أخذ عن الشافعي والشافعي أخذ عن مالك وأخذ مالك عن أبو حنيفة وأبو حنيفة أخذ عن جعفر الصادق، وعلى هذا فكلهم تلامذة لجعفر الصادق، وهو أول من فتح جامعة إسلامية في مسجد جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهذا دليل على قوة وبلاغة الأمام الصادق عليه السلام. لذا فأننا آذ أردنا أن نرجع إلى اصل الفقه والتشريع الإسلامي يجب علينا أن نقر ونعترف أن أبو المذاهب وأبو الفقة الإسلامي هو الأمام الصادق((ع)) ولايمكن إنكار ذلك أبدا وهو ما يعترف به كل الأئمة السابق ذكرهم من خلال هذه المقولة لأبي حنيفة النعمان وهو النبع الوحيد العربي من بين أصحاب المذاهب الأخرى لذا من الضروري على من يريد أن يشرب من النبع علية أتباع منهج الأمام الصادق.

يقول كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي في كتابه (مطالب السؤل) وكان ممن نقل عن الصادق  (عليه السلام) الحديث وأفاد منه العلم جماعة من أعيان ألائمة وأعلامهم مثل يحيى بن سعيد الأنصاري وابن جريح ومالك بن انس (أمام المالكية) وسفيان الثوري وابن عينة وأبي حنيفة (أمام الحنفية) وشعبة بن الحجاج وأيوب السجستاني وغيرهم) وقال القرماني في صفحة 112.. (وكان الأمام الصادق (عليه السلام) رأساً في الحديث وروى عنه يحيى بن سعيد وابن جريح ومالك بن انس والثوري وابن عيينة وأبو حنيفة وشعبه وأيوب السجستاني) وهؤلاء من الفقهاء العظام وأئمة المذاهب عند العامة.

وفي الإمام الصادق يقول أبو حنيفة: " ما رأيت أفقه من جعفر بن محمد. لما أقدمه المنصور بعث إلي فقال: يا أبا حنيفة إن الناس قد افتتنوا بجعفر بن محمد فهيئ له من المسائل الشداد، فهيأت له أربعين مسألة.

ثم بعث إلي أبو جعفر وهو بالحيرة فأتيته فدخلت عليه وجعفر بن محمد جالس عن يمينه، فلما أبصرت به، دخلتني من الهيبة لجعفر بن محمد الصادق ما لم يدخلني لأبي جعفر!! فسلمت عليه فأومأ إلي فجلست. ثم التفت إليه فقال: يا أبا عبد الله هذا أبو حنيفة.

قال جعفر: نعم - ثم أتبعها - قد أتانا. كأنه كره ما يقول فيه قوم أنه إذا رأى الرجل عرفه. ثم التفت المنصور إلي فقال:

يا أبا حنيفة ألق على أبي عبد الله مسائلك. فجعلت ألقي عليه فيجيبني، فيقول:

أنتم تقولون كذا وأهل المدينة يقولون كذا ونحن نقول كذا. فربما تابعهم وربما خالفنا جميعا، حتى أتيت على الأربعين مسألة. ثم قال أبو حنيفة: ألسنا روينا أن أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس)) مناقب أبي حنيفة، الموفق: 1 / 173. جامع أسانيد أبي حنيفة: 1 / 222. تذكرة الحفاظ: 1 / 157سير أعلام النبلاء: 6 / 17 - 18.

أذن كان مدرسة فكرية ومنهجيه استمدت من تعاليم الرسالة المحمدية الجليلة ومن نهج مدرسة الأمام علي ((ع)) منهجا اختط لنفسة خطا لا يشابهه فية أي فقية أو مفكر منذ أن استشهاد الأمام علي ((ع)) ولحد الان من صدق في النقل وقوه تحليل لم يستطع أي من علماء المسلمين وغير المسلمين من تفنيدها لذلك كان بقية الأئمة الطاهرين من أل بيت محمد صلوات الله عليهم  متمسكين بهذا النهج واضافوا أليه وطوروه ولا نستغرب أن لا نرى لحد ألان من يطعن في صحة الأسانيد التي اعتمدها الأئمة المعصومين عليهم السلام ويعزوا هذا الأمر إلى قوة الحجة والسند الذي اعتمده الأمام جعفر الصادق ((كما مذكور في جميع المذاهب وهم من تلامذته وان اختلفوا هم في بعض المسائل فيما بينهم فنرى الاختلاف حتى بين أصحاب المذهب الواحد فمثلا  إن الشافعي يقول: إن لمس المرآة الأجنبية يوجب الوضوء، والحنفي يقول بخلافه، ويخالفهم مالك حيث يقول: إن اللمس إذا كان بشهوة أو عن عمد وجب الوضوء وألا فلا.  أيضاً : الشافعي يجيز نكاح البنت من الزنا ويخالفه الثلاثة.  والحنفي يوقل بوجوب الوضوء من خروج الدم من البدن ولو كان قليلاً، ويخالفه الثلاثة. أيضاً الحنفي يجيز الوضوء بالنبيذ واللبن والمشرب بالماء، ويخالفه الثلاثة.  ويقول مالك بجواز أكلا لحم الكلاب، ويخالفه الثلاثة.  والشافعي يجيز أكل لحم الضبع والجري والثعلب، وأبو حنيفة يحرم أكلها.  والقنافذ يحلها الشافعي والآخرون يحرمونها.  إلى كثير من هذا الخلاف الواقع بينهم من أول الفقه إلى أخره)). السيدة لمياء حمادة من كتاب( أخيراً أشرقت الروح)

 بينما لا نرى هذا الاختلاف مع الأمام جعفر الصادق ((ع)) مع أي من الباقين الاربعه في أي من المسائل ولم يطعنوا في أي من مسائله لذا هو السر في احترام الجميع ونهلهم من علوم هذا الرجل جميعهم بدون استثناء لذا فان الكثيرين من أصحاب البصيرة الذين تحولوا من التسنن إلى التشيع قد انفتحت أساريرهم على هذا الأمر الغريب في عالم الدنيا الذي يقبل الخطأ ويعذره بينما الأمام الصادق ((ع)) ومن كان بعده من الأئمة المعصومين قد بزغت شمسهم الساطعة بدليلهم هذا وكان بحق دليل المستبصرين والعارفين وهم من انطبق عليهم قوله تعالى((( فبشر عباد * الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب )) الرمز17-18.

يعتبر الأمام الصادق ((ع)) كنزا كبيرا من الوصايا للإسلام والمسلمين وعلى من يريد أن يجعل حياته خيرا وأخرته نورا يمشي بين يديه فعلية أن ينهل من هذا الكنز الذي جعله هذا الأمام عليه السلام مشاعا للجميع تطبيقا لقول جده رسول الله ((ص))((خير الناس من نفع الناس)) لذا فان هذه الكنوز لم تكن أرثا إسلاميا فقط وإنما كان أرثا إنسانيا للعالم اجمع وبكافة مكوناتهم لذا كان المذهب الجعفري مذهبا عالميا لاتحده حدود ولا تحمله الكتب فقط وإنما كان محفوظا في ظهرانينا وهذه أراده ربانيه لان هذا المذهب وال بيت محمد عليهم السلام قد تعرضوا إلى كل أنواع الاضطهاد والتنكيل والتغييب وكانت الشهادة لهم عاده ولم تكن غريبة عليهم لذا فأننا من واجب كل مسلم أن يكون حريصا على نشر هذه المبادئ لأنها تمثل الأساس الرصين والمتين لدعوه محمد ((ص)) واثبت نجاحها وسمو أفكارها بينما كان الآخرين يبحثون عن أنفسهم بعد مرور القرون على حملهم لهذه الافكار ولحد ألان لم يجدو المتنفس الصحيح والطريق القويم لأفكارهم المريضة.

قال الأمام جعفر الصادق (( علية السلام)).

((مَن أُعطِيَ ثَلاثاً لم يُمنَع ثلاثاً، مَن أُعطِيَ الدعاءَ أُعطِيَ الإِجَابة، ومَن أُعطِيَ الشكرَ أُعطِيَ الزيادة، ومَن أُعطِيَ التوكُّلَ أُعطِيَ الكفاية )).

للمفضَّل بن عمر الجعفي : ( أوصيك بِسِتِّ خِصالٍ تُبَلِّغُهُنَّ شيعتي ).

قال: وما هي يا سيّدي ؟

فقال ( عليه السلام ) : ( أَداءُ الأمانةِ إِلَى من ائْتَمَنَكَ، وَأَن تَرضى لأَخِيكَ مَا تَرضَى لِنَفسِكَ، واعلَم أنَّ للأُمُور أَوَاخِر، فَاحذَرِ العَواقِبَ، وأنَّ للأُمُور بغثات، فَكُن عَلَى حَذَرٍ، وَإِيَّاكَ ومرتقي جَبَلٍ سَهلٍ إِذا كَانَ المُنحَدَرُ وَعراً، وَلا تَعِدنَّ أخَاكَ وَعداً ليس في يَدِك وَفَاؤُهُ )).

( وَكان المَسيحُ ( عليه السلام ) يقولُ : مَن كَثُرَ هَمُّه سَقم بَدنُه، ومَن سَاء خُلقه عذَّب نفسَه، وَمَن كَثُر كلامه كَثُر سقطة، وَمَن كَثُر كَذِبُهُ ذهبَ بهاؤه، وَمَن لاحَى الرِّجَال ذَهبَتْ مرُوَّتُه)).

((اِجعَلُوا أمرَكُم هذا للهِ ولا تجعلوهُ للنَّاس، فإنَّه ما كان لله فَهُوَ لله، وَما كان للنَّاس فَلا يَصعدُ إِلَى السَّمَاء، ولا تخاصمُوا بِدِينِكُم، فإنّ المُخَاصَمَة مُمرضَةٌ للقلب، إِنَّ الله عزَّ وجلَّ قال لنبيِّه (صلى الله عليه وآله ) : ( إِنَّكَ لا تَهدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهدِي مَنْ يَشَاءُ )، وقال : ( أَفَأَنْتَ تُكرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ).*

ذَرُوا الناس فإنّ الناسَ قد أخذوا عن الناسِ، وإِنّكم أخذتُم عن رسولِ الله ( صلَّى الله عليه وآله ) وَعَن عَليٍّ ( عليه السلام ) وَلا سَوَاء، وَأنِّي سمعتُ أبي يقولُ : إذا كَتبَ الله عَلى عبدٍ أن يُدخلَهُ في هذا الأمرِ كَان أسرعُ إِليه مِن الطيرِ إِلى وَكْرِهِ ))

هذا غيض من فيض سطرته بذكرى استشهاد الأمام الصادق((ع)) وسلاما عليك يوم ولدت ويوم استشهدت سيدي يا من صدقت فسموك صادقا.

* كاتب عراقي مستقـــل

raid1965@hotmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية -الاثنين  28/تشرين الثاني/2005 -  25/شوال/1426