رغم
اننا عبر مسيرة حياتنا اليومية نتعامل بطرائق معينة في مختلف المواقف
ومختلف الاوقات الا ان شيئا ما يدفعنا لاٍن نسلك تحت تأثير هذا المحرك
الخفي في هذا الموقف او ذاك واحيانا ننتبه الى ما قمنا به وننقده بشدة
ونحاسب عليه انفسنا واحيانا اخرى لاندري لماذا نتراجع او نتقهقر
لاشعوريا ونمتنع عن اداء ذلك الفعل ،هل هو انحراف الدافع ام الوعي به
او عوامل الكبت الداخلية فينا تعمل بطريقة لا شعورية ، رغم ان ديالكتيك
الحياة يلزمنا على التواصل "بين- الذاتي"(بين ذات وذات اخرى) اي كما
عبر عنه فيلسوف التحليل النفسي العربي(مصطفى زيور)اي وجود الانسان بما
هو انسان. هذا الوجود قائم على الالتحام التحاما متكاملا في جشطلت يفقد
معناه بل كيانه اذا ما انفرد الانسان مع ذاته فقط.
فالسلوك كما يعرفه سيد خير الله بانه تلك الحوادث الجارية في حياة
الفرد اليومية من حيث انه يعيش في بيئة خاصة به مع آخرين مماثلين له ،يتفاعل
معهم ويتفاعلون معه اي يتأثر بهم ويؤثر فيهم ،او كما قصد به دانييل
لاجاش بقوله لا يقصد بالسلوك هنا المظاهر الخارجية والمادية البحتة بل
هو جماع الافعال الفسيولوجية والنفسية واللفظية التي تقوم بها شخصية
متصلة ببيئته لمحاولة حل التوترات التي تحفزها ولتحقيق امكانياتها.
فالسلوك هنا ضم شقين اولهما:
- السلوك الظاهري – الخارجي ،وهو الذي يمكن ملاحظته موضوعيا
مثل النشاط الحركي والتعبير اللفظي الذي يؤديه البعض او بعض تعبيرات
الوجه التي تصاحب حالة الانفعال او التحدث.
- السلوك الباطني مثل التفكير والتذكر والادراك والتخيل..
الخ من العمليات العقلية الاخرى التي لا نستطيع ملاحظتها بشكل مباشر
وانما نستدل على حدوثها عن طريق ملاحظة نتائجها.
ونود ان نضيف بان السلوك الذي يصدر من اي منا لا يتأثر بالعوامل
والقوى الخارجية External Forces فحسب ويكون رد فعل لموقف خارجي بل
يتأثر بالعوامل الداخلية ايضا Internal Forces وحديثنا هنا نراه
مناسبا ان ينصب على هذا الجانب غير المرئي والملموس والذي يمكن ان ندرك
ابعاده،فمقولة السلوك تكوين فرضي ،هي مقولة صحيحة تماما ومهما كان
الامر فعلينا ان نذكر ان السلوك يتكون بصورة مجردة ،لا يتحقق الاحينما
يكون في الواقع فعلا ملموسا ولكن علينا الان ان ننظر في بعض الامور قبل
ان ننتقل الى معرفة هذا السلوك ،واول هذه الامور هو هيئة الوجدان ،من
حيث انها تكشف عن اعمق احوال النفس وعن احوال الانسان ،واول ما يقابلنا
من احوال انساننا المعاصر ،هو كيف عصفت به تيارات ورياح الحضارة التي
اضافت الى ذاته الموروثة من عوامل منقولة اضافات مكتسبة متعلمة بشكل
خاطئ او صحيح ،هل زادتها قساوة ام حيدتها ،هل نجح النضج في تعليق
الحكم على ما يصدر من الفرد من سلوك ،لاسيما ان النضج كما يحدده علماء
النفس بانه ظهور استعدادات خاصة للفرد دون اي اثر للمران ،وكذلك الظهور
المفاجئ لمظاهر سلوكية جديدة واضطراد انماط السلوك وتسلسلها بنظام واحد
في افراد النوع الواحد مع الاستمرار التدريجي في النمو ،ولكن نقول ان
هناك مؤثرات تهز الكيان الانساني من الداخل ،قد تجعل من النضج يقف
عاجزا عن التفسير او الحركة ،وهذه المؤثرات هي آليات الدفاع التي هي
بقدر ما تعطي ،تأخذ ومنها واشدها وطأة الكبت Repression فهو محرك
اساس في النظام النفسي وبها يحاول الفرد وبوساطتها حماية"الانا" عن
طريق دفع تلك الافكار والخبرات التي تتصارع مع مختلف ما يدور داخل
التفكير وتتعارض معه وتسبب الالم، حتى كاد البعض ان يعالج مشاكله
بالهروب منها بالنسيان وكثيرا منا لاحظ ان بعض الناس ممن ينتابهم الكبت
دائما يشعرون بالفشل والدونية واحتقار الذات،ويبدو هذا واضحا في سلوكهم
وفي تعاملهم،صحيح اننا معشر الاصحاء لا نبرأ من علة هذا الميكانيزم
ونلجأ اليه لاشعوريا بغية تخفيض حدة التوتر ولو لحين استعادة توافقنا
ولكن يرى علماء النفس انه يحقق راحة وقتية،الا انه يعمل على تأجيل
الاضطرابات الانفعالية عن طريق اخفائها ،وازاء ذلك تقول كارن هورني ان
كبت المشاعر العدوانية مثلا هو السبب الرئيس في القلق ومن ثم العصاب
النفسي.
فالكبت يضرب الفرد وينعكس على سلوكه وتصرفاته بشكل مباشر حتى يبدو
عليه اضطراب في المنطق وفساد في الحكم على ما يجري من حوله، فنراه
يتأرجح بين الانقباض النفسي او تعطل القدرة على التفكير الواضح او
المنطقي او ربما تنتابه الوساوس والمخاوف المختلفة حتى يطغي سلوك القلق
عندئذ على نحو هلوسي، فاذا نجح الفرد في تحويله الى افكار مقبولة او
عمل بانواعه المختلفة اليدوي منها او الفكري منه او الفني فانه
استطاع ان ينحو بسلوكه نحو السوية ،وهو تسامي في الافكار والانفعالات
وما يعتمل في النفس من هيجان يضرب جدران الدماغ ومراكز التفكير ،فعملية
التنفيس او تفريغ المشاعر لاجل خفض التوترات والقضاء على التفكك او
بعبارة ادق كما يقول دانييل لاجاش هو التكامل . وهو الهدف العام من
السلوك. ويظل هدف السلوك في هذه الحالة خفض التوتر ولكن بشرط ان يتم
هذا بدون زيادةالتوتر الوسيط وذلك بطرد الانفعالات المؤلمة والحوافز
المثيرة ،وتلك عملية توافق فادحة الثمن ،لانه لابد من استمرارها او
تكرارها ولان الحافز المكبوت يظل موجودا في حالة اشتقاقية ويتسلل الى
السلوك والتفكير في صورة محرفة وبدون ان يتعرف عليه الانا.هذا يجري عند
الانسان الناضج ،اما الذي توقف لديه النضج في مرحلة عمرية معينة سابقة
،وبدأ ينمو ويكبر في العمر ،ولكن عمره العقلي ظل متخلفا عن عمره الزمني
،فان الكبت الذي يضرب السلوك يتحول الى طاقة وكتلة من العدوانية يتم
اسقاطها على الاخرين ،لذا اوصى علماء التحليل النفسي قولهم بانه من
الخطا كبت كل المشاعر العدوانية ،فأن كبت مثل هذه المشاعر قد يؤدي الى
القلق والاضطرابات العصابية ومن الافضل ان يعبر الفرد عن مشاعره
العدوانية او العدائية بين الحين والحين حتى يزيح عن نفسه ضغط هذه
المشاعر ،نستطيع القول ان الحدود القائمة بين ذواتنا والاخرين تكاد
تختفي في الحالات الانفعالية الايجابية والسلبية ،وهو سلوك مشوب بالكبت
وابلغ درجة من الكبت في السلوك كما يقول جماعة التحليل النفسي بالمقولة
الشهيرة اياك والحليم اذا غضب.
*استاذ جامعي وباحث سيكولوجي
elemara_32@hotmail.com |