الهروب من فضح الواقع في قضايا المرأة

زينة علي*

    ما زالت الأخبار تنقل لنا بين يوم وأخر قصة لامرأة تعرضت للضرب أو للطرد أو حتى للقتل كما حصل مؤخرا مع الشاعرة الأفغانية نادية أنجومان والتي توفيت متأثرة بإصابات بليغة تعرضت لها جراء اعتداء زوجها عليها، وربما تمر علينا مثل هذه الأخبار كحوادث عادية لا تمت لنا بأي صلة لكونها بعيدة عن واقعنا المحلي وربما تثير في نفوسنا الشفقة أو حتى الغضب إذا اقتربت من واقعنا وبدأت تهدد فضح واقع مسكوت عنه كما حدث مع المذيعة رانيا الباز التي فضحت واقع تعيشه المرأة السعودية بكل طبقاتها وحتى لو تجاهلنا مثل هذه الحوادث وبررناها بأسباب واهية وتشبثنا بخيوط العنكبوت لنخفي سوءاتنا فستضل الحوادث تثبت عكس ما نريد إن نثبته لأنفسنا وللعالم.

"زين" أمرأة عادية نقلت قصتها صحيفة الوطن في عددها (1860)  حيث تعيش مع طفلتها الرضيعة على الرصيف تنام وتأكل وتسكن  منذ بداية شهر رمضان وحتى وقت كتابة الخبر في آخر يوم من نفس الشهر وذلك نتيجة لاستيلاء زوجها على مكافئة نهاية خدمتها وتجريدها من كل ما تملك بعد تطليقها والتخلي عنها وعن طفلتها، في عددها (1867) نقلت الوطن متابعة للقضية حيث حملت والدة الضحية (زين) أبنتها مسئولية ما حصل لها! ومع الفارق بين قضية الشاعرة الأفغانية والمذيعة الباز وقضية زين التي تعرضت لعنف من نوع مختلف فأن القضية واحدة وكذلك الفضح واحد فألام التي هي أكثر الأشخاص الذين يمكن لهم التعاطف مع قضية أبنتها حملت أبنتها المسئولية لتهرب من مسئولية الفضح، أما رانيا التي وقفت أسرتها معها فقد حملها المجتمع مسئولية الفضيحة وتعاملوا معها بعد ذلك على أنها الجانية وأن المجتمع بأكمله أصبح ضحية لقضيتها والتي هي في الواقع قضية لآلاف بل لملايين النساء حتى وإن  تجاهلوا ذلك.

لنعود لقضية (زين) التي هي امرأة تشبه الكثير ممن نعرفهم مرت بظروف قد تمر بها أي امرأة في مستواها ودون مستواها وفوق مستواها ولكنها تجاوزت خصوصيتها وفضحت الواقع الذي تعيشه بشكل شجاع.

 هل يمكن لنا أن نتساءل كم أمرأة مرت بما مرت به زين تعيش بيننا بصمت ويواري أهلها سوئت الجاني لكي لا يفضحوا الحقيقة وكم امرأة أخرى مثل رانيا أخفاها أهلها عن الأعين ليخفوا حقيقة الواقع وأيضا كم سيدة أخرى بيننا ماتت مثل الشاعرة أنجومان ودفنت بسرها دون أن يعلم أحد من أفراد المجتمع الذي سيستقبل الفضيحة بالجريمة والجاني، بالتأكيد لا توجد نسبة حقيقة تفضحنا للعالم وتخبرهم كم من النساء يموتون ويضربون ويطردون لدينا ولكن لدينا نماذج نخجل منها ونبررها لأنها تفضحنا وتشوه صورتنا الملائكية أمام العالم.

أشارت أحدى الدراسات المهتمة بالعنف الأسري إلى أن 90% من مرتكبي حوادث العنف الأسري في السعودية هم من الذكور 50% من هذه الحالات تخص الزوج ضد زوجته وباقي النسبة تتوزع على الأخت والبنت وحتى الأم والأبناء الصغار، وبقليل من الفضول نتساءل أين هم هؤلاء الأشخاص الذين يمثلون 50% من مستقبلي العنف الأسري؟ أ ليسو بيننا؟ لماذا لا نسمع عنهم إلا نادرا حين تكون الفضيحة وتنتشر بشكل خجول وسري بين عدد محدود من أفراد المجتمع، أين هي الضحية لتتكلم وتفضح أكثر؟ بالتأكيد ستخرس حفاظا على قواعد اجتماعية وأخلاقية لقنها إياها المجتمع وأجبرها عليها وستبقى مجرد فضيحة يتناقل خبرها المفضوحون بشكل سري، قبل فترة خرجت للعلن وبشكل جدا خجول"فضيحة" الفتاتين الصغيرتين اللتين حلق والداهما شعرهم وحبسهم لأنهم لم ينجحوا في الدراسة، ودون شك تعتبر هذه الحادثة ضمن حوادث العنف الأسري الذي تتحدث عنه الدراسات، وبشكل من الأشكال توصلت لعنوان الفتاتين ووالدتهما من قبل أحد الأشخاص المقربين من الوالد ليعود لي بعد دقائق من تعاطفه معهما طالبا أن يبقى الأمر سري ولا يصل للصحافة بالرغم من انتشاره الكبير بين أفراد المجتمع وفي مواقع الانترنت مبررا أن الأمر قد يتطور وتتضرر من خلاله الأسرة؟!!

هذه حالة من المواراة التي نتبعها بعد ظهور الفضيحة وهناك حالات عديدة تواريها الضحية بشكل جيد فلا يعرف بها أحد، واختفاء مثل هذه الحالات من الظهور هو أمر عادي جدا بل أمر واجب حيث أن بعض النساء يخجلن أن يخبرن العالم عن حقوقهن التي سلبها مسئول أو أستغلها آخر فكم من سيدة حدثتني تبكي من ما وقع عليها من ظلم في عملها وفُصلت ولم تستلم أي من حقوقها ولكنها تخجل أن تقول للناس أنا فلانة أبنت فلان وهذا ما حدث معي ولكم الإثباتات على ما أقول فأعطوني حقي، هي تريدكم أن تسمعوا صوتها وتتعاطفوا معها ولكن لا تعرفوها لأنها تخجل أن تعرفوا من هي.

 كيف ستتمكن امرأة تحمل هكذا فكر أن تخبر الناس بأن زوجها ضربها أو سلبها حقها وكيف سيسمح أهلها للناس أن يعرفوا بأنه قتلها وهم يخجلون وإياها أن يعرف الناس من هي ويلتفتوا لها ولو بمناصرة وتعاطف.

أذن في المحصلة النهائية نحن لا نريد أن نفضح الواقع ولا نريد أن يأتي يوم لنتحدث فيه عن أنفسنا كجزء من الواقع ولنحمل قضايانا معنا ونطرحها كما هي، فهذا الأمر مخجل جدا وسيلفت نظر الناس لنا وستذكر أسمائنا على العلن وفي الخفاء، بعض الناس سيعارضنا وسيسفهنا وسيعتبرنا خارجين على القيم والأخلاق وآخرين سيشمتون ويضحكون وآخرين سيتعاطفون ويشفقون وكل الأمور لا تستحق ذلك فالإخفاء أفضل من الفضح والواقع الحقيقي سيبقى مسكوت عنه حتى تحين ساعة الفضح.

*صحافية وكاتبة سعودية 

شبكة النبأ المعلوماتية -الاربعاء 16/تشرين الثاني/2005 -  13/شوال/1426