لعل الواقع الثقافي الجزائري الحالي هو واقع حساسيات وإنفعالات
وجبن ثقافي رغم تداول مفردات العولمة والحوار والمصالحة والسلام
والتواصل والتعايش والتسامح.
أو أنه أزمة صحية في حد ذاته وحاجة ملحة كذلك، بل معرفة الأمر
تستدعي الاستعانة بأكثر من اختصاص.حيث أن كل جزء من الواقع الثقافي
يحيل على أكثر من حقل بحثي تحليلي. فالعصبيات كما التخلف الفكري كما
الجبن الثقافي، كما مفاهيم الحوار والتعايش والسلم والمصالحة لا تحيل
فقط على علم الاقتصاد أو السياسة أو الاجتماع أو غيرها بل تحيل كذلك
على منظومات القيم السائدة وعلى التركيبة الذهنية التي تشتغل عليها
الثقافة في بلادنا. معنى هذا أنه لو سلمنا جدلا بأن الجدالات العقيمة
والتخلف الفكري الواقع والجبن الثقافي المستشري، هي محكومة حتما
بخلفيات اقتصادية واجتماعية وسياسية وغيرها، وهي محكومة أيضا بمنظومات
القيم الثقافية والرمزية الغائبة عن إحكام وتسيير كل هذه الحقول
الإنسانية، والتي من شأنها البناء الثقافي والتأسيس الاجتماعي
والانفتاح على الحياة نهاية المطاف. نرى أن كل هذا الواقع،هو في الغالب
الأعم، خبال ثقافي ونتاج منظومة قيم غريبة عن روح الهوية الإسلامية
الجزائرية، كرست ظاهرة التهميش والإقصاء والوصاية الفكرية والدينية
خطابا في البداية والآن تحاول أن ترسخها واقعا أو ممارسة. ولربما
المواطنة تكون أكثر تأثرا بهذه الثقافة الفرعونية ذات المنظومة
الفكرية النازية، لأنها في المحصلة تجسيد للمواطنة بشكلها السلبي وغير
العادل.ماذا أقصد تحديدا؟ أقصد من هذا بأن المواطنة كما الثقافة بل من
مقوماتها، إنما هي بداية المطاف ونهايته، ونتاج القيم المفروضة
والمعبرة عن التصورات الذاتية للفاعلين في المجتمع الثقافي الجزائري،
ونظرتهم للآخر وللكون وللحياة بصرف النظر عن مفهوم الحريات والحقوق
والواجبات في هذا الفضاء السوسيوثقافي.
والثقافة في الجزائر بدورها ولعقود خلت لم تنتبه لهذه الفتنة
الثقافية التي حيكت خيوطها في الخفاء، بل قل أنها هي التي أقامتها
وأسست لخلفياتها بوعي أو بدونه.وبالتالي فانتشار وتفشي هذه الثقافة
الاستبدادية في أوساطنا ليس من صدى العولمة الثقافية ولا من مسؤوليتها
(وهي التي جعلت من الحوار الثقافي والإعلام الحر والبحث العلمي ومن
حقوق الإنسان شعارات لها)، بل من تردي المناخ الثقافي الجزائري العام
والديني منه خاصة الذي واكب عصور الأصولية والجهاد المموه والإختراقات
الإستكبارية لمنظوماته الفكرية والمنهجية ناهيك عن تبعيته الفقهية
وإستغراقه في المقدسات التاريخية وتحديقه بالأبطال دون البطولات والشرد
عن قراءة وتمحيص تراثه الإسلامي بروح التقوى والإصلاح. من هنا كان
لابد من استحضار هذا الواقع ومساءلته، وقد لا يتعدى كلامي هنا سوى
اجترار ما سبق للأستاذ مالك بن نبي رحمه الله أن حسمه واعتبره من شبه
تحصيل الحاصل في كتابه شروط النهضة وقراءات الأخ الفاضل الدكتور رشيد
بن عيسى وملاحظات الباحث الإجتماعي الهواري عدي ورؤى الرئيس الجزائري
للاجتماع الإسلامي، ويمكن لمعرفة حقيقة هذا الوضع بدقة، إستقراء
الظاهرة السيكولوجية المعروفة بالنكوص(1) – "REGRESSION" والتي تطرق
لها الدكتور أسعد الإمارة --رئيس قسم علم النفس في كلية الآداب
والتربية في الأكاديمية العربية المفتوحة في الدنمارك - في مقالته
العلمية الاخيرة.
كما إنه من التجاوز الصارخ التطرق لأي أمر من الأمور بلا علم ولا
موضوعية، كما يجري الحديث عن " التشيع " في حالة العديد من البلدان
والشعوب التي تتخذ من الثقافة العربية الإسلامية مرجعية لها أوتستمد
منها جيناتها الرمزية على الأقل لثلاثة اعتبارات كبرى:
الاعتبار الأول: أن التشيع الإسلامي المتحدث عنه زمن العولمة
وتكنولوجيا الإعلام والاتصال هو خط فكري إسلامي إنساني، "القاعدة" فيه
المنطق الإسلامي (الكتاب والسنة). دون أن ننسى أن الثقافة الإنسانية
بداية هذا القرن فرضت الحوار والتعايش والانفتاح على الأطياف الثقافية
الموجودة بالساحة وهذا أمر لا يتعذر التحاجج بشأنه في الجزائر كبلد
إسلامي كما في غيرها.
الاعتبار الثاني: وهذا اعتقاد خاص، أن التشيع عبر التاريخ لصيق
بالتصدي للاستكبار الكاسح للمجتمعات الإسلامية والاختراقات الثقافية،
أكثر ما هو مستغرق في التاريخ والأنا،وسمته الجوهرية أنه تيار فكري
إسلامي متوازن ومتجانس يعتمد على التفكير الجمعي والانفتاح على العصر
والمستقبل.
ليس التلميح هنا فقط إلى ما يروج من أدبيات التكفير والدعايات
المغرضة حول التشيع في الجزائر وحركيته المقلقة لأقطاب الحراك
الإسلامي، وهذه الحال في الطبيعة النفسية للإسلاميين الجزائريين طبيعية
لا عجب فيها، لكن الفاتن في هذا كله هو ارتكان الحراك الإسلامي في
الجزائر إلى حالة من ردة الفعل، وهذه حقيقة، ويبدو تاريخيا –الحراك
الإسلامي -أبعد ما يكون عن الفعل الإيجابي في جوهره وفي العصر
بالجزائر...ولذلك الثقافة الإسلامية التاريخية السائدة في الجزائر
تخشى وترفض أن تضع نفسها في المحك الثقافي في قبال التشيع الإسلامي.
الاعتبار الثالث: ويتعلق فيما أعتقد في ظاهرة "الوصاية الدينية"
التي يتعرض لها الواقع الثقافي الإسلامي.
هذا أمر لا يطال فقط ما يسمى بشيعة الجزائر" (الفاطميين أو
المستبصرين) بل يتعداهم إلى المشتغلين بالعلوم الإنسانية وغيرها.
لذلك كله فإن ثقافة الآخر وحقوقه أصبحت تخضع للتعتيم والتشويه
والتخريب بالجزائر من لدن أذناب الخوارج الجدد والعباسيين المعاصرين،
حيث لا أعتقد أن إكتشاف هذه الحقيقة متعذر كثيرا إذ أن رياح الأصولية
الوهابية هي من الرياح الموسمية في التاريخ الإسلامي الجزائري الحديث
منذ الحركة الإصلاحية الباديسية حتى الحركة الإسلامية الراهنة،كونها لا
تجديد في حراكها مقارنة بالحركات الثقافية العلمانية الموجودة
بالساحة الثقافية الجزائرية.
ما يهمنا أكثر في مأزقنا الحراكي الإسلامي الجزائري هو جزؤه الثاني
المتعلق بالكواليس وجل النبهاء الجزائريين من الرئيس بوتفليقة إلى
المواطن النبيه الذي ذاق جمرات فتنة التسعينات، كلهم يعرف أن أطرافا
تشتغل منذ مدة على تثبيط الحريات والحقوق والتعددية والديموقراطية
والمصالحة والتعايش بالجزائر وعلى إستخدام أطراف تحمل الإسلام كما حمله
عبد الله بن أبي.
والحديث على خلفيات الهجمة الشرسة على التشيع بالجزائر يوحي لي
شخصيا، كمبتلى بها منذ عقدين تكفيرا وسبابا، أن الهوية الإسلامية
بصدد استهداف من لدن طرف ما. وهذا أمر لا يمكن للمرء أن يزايد بشأنه،
إذ الضجة المفتعلة والقائمة حالا هي في جزء كبير منها إستراتيجية
إستكبارية تعمد إلى التخلف المزركش بالمصالح الذاتية للبلهاء.
كما أن التشيع في الجزائر هو حقيقة تاريخية إلى حد بعيد وبراء من
إتهامات المتخلفين التي غالبا ما تكون عرضة لها الأفكار الجديدة في
أي مجتمع إنساني مقيد مفاهيميا، وليست هناك، فيما أتصور، فكر خير من
فكر ولا امتياز لقوم على آخرين ولا مصداقية لمذهب على مذهب إلا
بالإنسانية والانفتاح والتسامح والتعايش....والتقوى وإلى حد ما بقوة
البصيرة التي تأخذ من الدين والحياة والتاريخ مرجعية لنسقها الحراكي
في الواقع وفي رمزيتها المكلفة. معنى هذا أن التشيع أو التسنن اليوم
ليس أحدهما الأقوى أو الأفضل أو الأكثر تعبيرا عن الإسلام ولكن مسمى
العصر " التكتلات" فيما يعنيه أن أي الأمة لا تقاس بقوتها الكامنة
بداخلها بقدر ما يكمن في مدى قدرتها على إنتاج القيم الإنسانية
وترويجها على نطاق واسع...أعني الوحدة الإسلامية كمطلب هوأيضا مناعة
عظيمة من فيروسات الإستكبار والتخلف.
وعلى هذا الأساس، فطالما أن ثقافة الوحدة الإسلامية غائبة على ألسنة
عموم رجال الدين ومواقفهم وفتواهم وأيضا كمحور عقائدي لدى المسلم فإن
قدرته على المواجهة والصمود (ناهيك عن التعايش) تبقى محدودة للغاية إذا
لم نقل كارثية، ليس بالجزائر فقط ولكن كل المجتمعات الإسلامية برمتها.
وننتهي إلى أن مصطلح التعايش أصبح شرطا أساسيا من شروط تقدم
المجتمعات التعددية، حيث لا يمكننا أن نتحدث عن رقي في الثقافة
الإجتماعية في غياب أبسط شروط التعايش. واصطلاح "التعايش" هواصطلاح
إبستيمولوجي يستدعي مصطلحات (مسهلات ومفاعلات ثقافية) أخرى كالحوار
والتسامح والمصالحة والانفتاح والتعاون والإصلاح والتجديد والمسؤولية
والحرية كمبحث أساسي في الاجتماعات الإنسانية ويفترض الاستمرارية في
الزمن أكثر ما يفترض التواصل، إذ التعايش عنوان البداية لنهاية مساوئ
إجتماعية قائمة وسائدة.
على هذا الأساس، أعتبر أننا في الجزائر بحاجة إلى إصلاح ثقافي
وتطهير لمنظومة الثقافة من الأمراض النفسية والحساسيات النخبوية
والوصايات الفكرية والأمراض الإجتماعية المتفشية، أكثر ما نحن بحاجة
إلى ترسيخ " القيم" السائدة أو العمل على تجذيرها.
لأن الثقافة لم تعد في الجزائر محكومة بمنطق التعايش والانفتاح
والرحابة، التي كانت تحكمها بل على العكس تماما. إنها أصبحت في حاجة
ماسة إلى تحقيق إصلاح لمنظومتها ونفسها وتعبئة محيطها لذلك.
معنى هذا أنه لم يعد من المجدي إفتعال الضجات تجاه الآخر "الجواني
" بقدر ما أصبح مهما أن نتحاور مع إرهاصاته وتداعياته ولربما أيضا
تجاوزاته.ليس من خلال الخطاب فقط بل وبالأساس من خلال تجديد الممارسة
الإجتماعية للحريات والمواطنة كحق وواجب كي لا يصبح الآخر "عبئا"، بل
عضوا في جسد الخلاص من تبعات قد لا تبدو اليوم ذات معنى يذكر وهي مع
الأسف كثيرة ومتشعبة في ظل التدين البروتستانتي المتزمت، كما
بالمجتمع كما بالثقافة كما بالإقتصاد والسياسة.
وإذا كانت الجزائر قد سعت في السنوات الأخيرة إلى تفعيل المصالحة
الوطنية، ما الذي يجعل أطراف جزائرية تسعى اليوم إلى صب الزيت على نار
الحساسيات وإثارة الضجات المفتعلة ؟ وما هي الأهداف المتوخاة من ذلك؟
إن الأطراف التي سعت الأيام الأخيرة للتعبير عن ضجرها ومخاوفها من
التشيع الإسلامي في الجزائر متناسية النهوض اليهودي للمطالبة بالإعتراف
والحقوق وناهيك عن التنصير المتوغل في الصحراء وبلاد القبائل، كل هذا
أعتقد أنه جزء من مسلسل التمويه الصهيوني الذي يستغل دوما أطراف بليدة
وأخرى منافقة وثالثة حاقدة لتمرير وتسهيل نجاح مخططاته الإستكبارية
واللاإنسانية التي عملت وتعمل عليها الصهيونية العالمية لتعميق التخلف
في المجتمعات الإسلامية.
لا ألمح هنا إلى طرف معين بذاته(ولكن اللبيب بالإشارة يفهم)،ولنا
أن نتذكر ما فعلته الأعداء في العشرية السوداء ويفعلونه دوما ودائما
بهدف إرباك الجزائر التي تقف دوما مع القضية الفلسطينية وواقفة حاليا
مع القضية العراقية ومع سوريا ولبنان والجمهورية الإسلامية في إيران
بخصوص قضية ملفها النووي وخطاب رئيسها في ذكرى أسبوع الوحدة الإسلامية
والقدس،مستهدفين –الأعداء –ضرب كل ما توفر للجزائر من العزيمة والقدرة
على بناء منظومتها الاجتماعية بثقافة التعايش والسلم والمصالحة.
بينما الخطر بالنسبة للمجتمع الجزائري ومعظم مجتمعات المغرب العربي
ماعدا المغرب الأقصى بنسبة أقل، أنها لا تحتكم على المناعة الثقافية
الكافية لدرء التخلف الفكري، بل هي تبدوفي مرحلة مخاض ثقافي عسير...
وواقعها الإجتماعي في هذا المضمار ضعيف لا يتقبل الجدليات العلمية
أوالصمود بالميدان الفكري لأنه يعيش عدوى الجبن الثقافي على مستوى
الفكر الديني.
صحيح أن الهوية الجزائرية عربية إسلامية وتملك مناعة داخلية كامنة
تحول دون المس بجوهرها، لكن طبيعة العصر تفترض إعارة الأولوية لمقومات
ومفاعلات المناعة تلك.أعني نقد الذات والحوار والاعتراف بالتعددية
والإختلاف كسنن وجودية اجتماعية وتقويم الثقافة السائدة وتفعيل القيم
الإسلامية الغائبة في ظل الأهواء والمصالح الطاغية على واقع التدين
بالجزائر.
ومن المفروض قبل الخوض في الحديث عن " التشيع في الجزائر"، لابد أن
نستنطق ظاهرة "البروز اليهودي" وواقع التنصير. لأن فلسفة "العداوة" لا
تتغير وملامح الصراع ثابتة في العالم الإسلامي معروفة. الذي تغير هو
الوعي فأصبح لا وعي، فهيمن الجهل والتخلف والتعصب والبلادة والنفاق وكل
ما هنالك من أمراض بني إسرائيل...
بالتالي، فالتحدي القائم أمام الجزائري المسلم، لا يكمن في التشيع
الذي هاجمه المتخلفون والمنافقون والمتاجرون بمستقبل الجزائر، بقدر ما
هوكامن في حدة التحدي اليهودي والنصراني ودرجته، حيث بدأ يثبت أركانه
إنطلاقا من تونس والمغرب الأقصى ووجد أنه لابد أن يحرك الطائفية
بالجزائر ليستوطن في جنح ليلها. وعلى هذا الأساس، أعتقد أن إحدى شروط
درء هذا السرطان يبدأ بالوعي العميق بقيمة الوحدة الوطنية المستمدة
روحها من الوحدة الإسلامية كما بدرجة ممارستها وليس في إطار الخطاب
الأجوف.
وإن العوائق القائمة في وجه الوعي الإسلامي أصلا، كامنة في
القائمين على الشأن الإسلامي بالجزائر ( أحزاب وجمعيات وعلماء وزوايا
ومثقفين وأئمة مساجد...) والثقافة جزء من هذا الشأن العام. علما أن
الحقيقة الإسلامية لا تفترض توفر السلطة التاريخانية أو الديموغرافية،
بل تتطلب المنظومة العلمية المتثاقفة والمنفتحة، والرؤية الضرورية
للمنطق الإسلامي. وهذا أمر غير قائم ولا متوفر بالجزائر حيث لا قيمة
للعلم ومعاييره في الفضاءات الاجتماعية الإسلامية وبالمعايير الحديثة
وبالتالي لا اعتبار للحوار العلمي يذكر. فكيف للشيعي الجزائري يتنفس
بحرية وأن يعبر عن رؤاه الإسلامية والسياق العام السائد يخنقه ويكفره
ويعارضه إذا لم نقل يحاربه؟ كيف له أن يسهم في التنشئة الإجتماعية
والتثاقف والمناعة والمستقبل بمعارفه وهو غير قادر على ضمان الحد
الأدنى من المواطنة لنفسه ولعائلته.
هذا إشكال جوهري وخطير، إذ كل إنسان يعطي بالقدر الذي يرى في عطائه
تقديرا وتقييما واعترافا. وهو أمر بين الحراك الإسلامي الجزائري وبينه
بون شاسع.
نحن الآن في الجزائر بصدد تشكل ردود فعل متباينة في خصوص التشيع.
لست أدري لماذا تأخرت حتى الآن وأنساق وراء كذا خطابات أناس، هم أبعد
ما يكونون عن المنطق الإسلامي"لاتقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر
والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا"(الإسراء /36) ولم يتسن لهم أن يفهموا
حتى أو يستسيغوا السياق الذي جاءت- الخطابات- في ظله فبالأحرى أن يكون
التفاعل على النقيض منها. هذا هو داء الإستحمار الذي شأنه أعمق وأخطر.
بالتالي، فالتحدي القائم، الحاضر كما المستقبلي، للثقافة في الجزائر
سيكون حتما على هذا المستوى دون سواه من المستويات الأخرى على أهميتها.
أما الحديث الآن عن إمكانية إحياء ثقافة التعايش وتحقيق قسمة عادلة
بين الأطياف. لا أعتقد أنه بإمكاننا الخوض فيه، لأن إنتاج تعايش من
المنظومة الثقافية الحالية مستحيل لأنها إقصائية في توجهاتها، انتقائية
في أسلوب تعاطيها مع الآخر واستبدادية له في ذاتها. وإنني لعلى يقين
بأن المخلصين من أهل الجزائر(سنة وشيعة وصوفية وإباضية وما هنالك من
تعددية ببلاد الجزائر ) سينكبون على تشخيص شامل ودقيق لهذه المرحلة،
واقتراح ما هو جدير بدعم مستقبل الوطن واستقراره السياسي والاجتماعي
الذي ساهم الجميع في تحقيقه دون استثناء.كما أنني واثق من أنهم
سيعملون بمجموع عناصر الارتباط بينهم وباقي الحقول الاجتماعية
والاقتصادية ناهيك عن العقيدة الإسلامية ليجعلوا من هذه الضجة واقع
إيجابي يصب في اتجاه الواجب الوطني الذي لا يتناقض مع المسؤولية
الإسلامية الكبرى.
نافلة النقاش، هذه رؤيتي مفتوحة،لكل عقل جزائري، متمنيا لذوي
العقول اللبيبة والنفوس التقية والقلوب الطاهرة كل التوفيق والنجاح في
العمل من أجل الجزائر، حتى ينبثق التعايش الوطني،ووفقنا الله لما فيه
مصلحة بلادنا ووحدة شعبنا، وسدد خطانا وأعاننا على تحقيق ما نصبوإليه
جميعا بما يرضي الله والنبي الأكرم (ص) وآله الأطهار (ع) وصحبه الأخيار
(ض)، ويرضي ضمائرنا، إنه سبحانه وتعالى سميع مجيب.
(*) باحث اجتماعي جزائري
(1) - ظاهرة مرضية تنتاب الفرد ذو الشخصية
الإنطوائية، بحيث تولد لديه سلوكيات طفولية،وتتطور الحالة إلى أن تدخل
مرحلة الحيلة،ويقول علماء النفس أنها تلاحظ هذه الظاهرة السلوكية
غالبا عند الأشخاص الذين شهدوا فقرا أموميا في طفولتهم. |