1- "صاموئيل هانتيغتون" منظر نظرية "صراع الحضارات" يرى أن تأسيس
مؤسسات سياسية جديدة، ناشئ عن تعقد العلاقات الإجتماعية، وتنوع وتكثر
الطاقات في المجتمع، لكن الوضع في إيران لم يؤيد هذه النظرية،
فالمؤسسات السياسية الجديدة لم تنشأ من وجود طاقات اجتماعية، و
لاتتولد بسبب التكثر و التنوع في المجتمع، إنما تحدث بسبب احتياج رجال
السلطة والمتصدين للأمر، وبذلك يرسمون شكل القدرة و النفوذ لهذه
المؤسسات.
في إيران و خلافا للأنظمة الديمقراطية، يعتبر تنوع وتعدد المؤسسات
السياسية ناشئ من تعدد ارتباطات السلطة، وتكثر الحاكمين، والمؤسسات
الحديثة لم تنشأ من الانشقاقات الاجتماعية، بل من الخلافات بين
الحاكمين حيث تستدعي ولادة مؤسسة جديدة. وزن واعتبار هذه المؤسسات أيضا
يتغير بتناسب مع وزن رؤسائها ومن يجلسون فيها.
2- المرسوم الجديد الذي أصدره الرئيس الأعلى خامنئي، أصبح بموجبه
مجمع تشخيص مصلحة النظام – الذي يتم تعيين أعضاؤه مباشرة من قبل خامنئي-
يتمتع بصلاحيات وسلطات أوسع من كل السلطات التي تتمتع بها سائر
المؤسسات السياسية. في هذا المرسوم، أعطى خامنئي صلاحيات الإشراف على
تعيين سياسات النظام، و الإشراف المباشر على أعمال السلطات الثلاث، و
الخطة التنموية الرابعة، و برنامج العشرين عام الاقتصادي، وبعض
الصلاحيات الأخرى إلى مجمع تشخيص مصلحة النظام، وقد صرح محسن رضائي
أمين عام المجمع واصفا "إن المجمع بمثابة اليد اليمنى للقائد المعظم، و
سيرسل ممثله إلى اجتماعات الحكومة والمجلس والسلطة القضائية، وعلى
السلطات الثلاث أن تقدم وتنفذ أوامر وقرارات المجمع و تقدم تقارير
إنجازاتها" و أضاف: "إذا تطلب الأمر سنستفيد أكثر من صلاحيات القائد
ونحن في حقيقة الأمر نعتبر اليد التنفيذي للقائد المعظم".
هذه العبارات تعتبر خطوة أخرى في بداية عمل المجمع، و تعريف جديد
لهيكلية المؤسسة السياسية الحاكمة على إيران.
3- بغض النظر عن نظرية علاقات السلطة والمؤسسات السياسية، ما يهم
في هذا الوضع هو أنه حتى الإصلاحيين لم يعارضوا زيادة صلاحيات المجمع و
دوره الجديد الذي يعتبر فوق القانون، رغم أن الأعضاء منصوبين مباشرة من
قبل خامنئي، و السبب يكمن في أن المجمع اليوم بات بيد منافس أحمدي نجاد
في الانتخابات الرئاسية، في هذا الوضع حيث يرى الإصلاحيون أنهم قد
أقصوا من الساحة السياسية، لم يعترضوا على الصلاحيات الجديدة والفوق
قانونية للمجمع فحسب، بل لمحوا أيضا بتأييده. ورفسنجاني أصبح بمثابة
منقذ لهم من خطر الطرد الكامل من الساحة. الانتخابات الرئاسية التاسعة
ودعمهم الكبير لرفسنجاني قربهم إلى بعض، من هنا يأملون أن صلاحيات
المجمع التنفيذية والتشريعية الجديدة، وتبع ذلك من خلال رفسنجاني،
يحظون بسهم في السلطة، و يمنعوا عن حذفهم الكامل.
منتقدو التيار الإصلاحي يعتقدون أن التطور الأخير، كان اختبارا آخر
للإصلاحيين لمعرفة مدى تمسكهم بالديمقراطية والاهتمام بالمؤسسات
الانتخابية وشبه الديمقراطية، وبما أنهم لم يعترضوا على إزدياد سلطة
مجمع تشخيص مصلحة النظام، و توسع صلاحيات هذه المؤسسة الإنتصابية
التابعة لخامنئي، قد فشلوا في هذا الإختبار.
4- إبان رئاسة الجمهورية لرفسنجاني (1989- 1997)، كانت رئاسة مجمع
تشخيص مصلحة النظام بيده أيضا، لكن المجمع كان لاتأثير ولا حركة له
بالفعل. من الفترة التي ترك فيها رفسنجاني كرسي الرئاسة، شيئا فشيئا
هبط وزن مؤسسة رئاسة الجمهورية، وارتفع وزن مجمع تشخيص مصلحة النظام،
ووصل إلى درجة أصبح المجمع فصل الخطاب للسلطات الثلاث، وفي زمن واحد
كان يلعب أدوار المشرف، والمنفذ، وحتى المشرع للقانون، وعلى حد تعبير
رفسنجاني: "إن آراء المجمع يعتبر ملاكا و معيارا نهائيا في كل الأمور،
ولابد من تنفيذ قراراته".
و يضيف رفسنجاني: "إن هذا الأمر ليس جديدا، و لم يحدث شئ مهم، لا
أدري ما السبب في كل هذه الضجة الفجائية؟ قبل سنوات أعطى القائد المعظم
بعض صلاحياته إلى المجمع، وبناءا على البند الأول لأصل 110 للدستور ان
القائد المعظم يعين سياسات النظام الكلية. وفي البند الثاني، يكون
الإشراف المباشر له، لكن في نهاية هذا الأصل قد جاء إن القائد المعظم
يستطيع أن يفوض صلاحياته إلى شخص أو مجموعة أخرى، وقد فوض القائد هذه
الصلاحيات إلى مجمع تشخيص مصلحة النظام، سابقا كان المجمع يشرف على
ميزانية البلد التي كانت تقدم من قبل المجلس، لكن منذ حوالي أربعة
أشهر، إكتمل النظام الهيكلي للمجمع وحظي بتأييد من قبل القائد المعظم،
و أبلغنا القائد ذلك، إن إشراف المجمع ليس أمر جديدا، بل إبلاغ هذا
المرسوم يعتبر الشئ الجديد".
5- منتقدو صلاحيات المجمع الجديدة، يرون أن من خلال الدستور والأصل
110، لايمكن الدخول مباشرة إلى الأمور التنفيذية، و تعيين البرامج
القادمة المصوبة من قبل المرشد.
من جهة أخرى، قد ذكر في الدستور إن تدوين سياسات النظام على هذا
السطح لايتطلب وجود مؤسسة طويلة وعريضة، ولم يسبق مثيل من قبل لوجود
مؤسسة بهذه الوسعة عملها تدوين سياسات النظام. يرى بعض المراقبين أن
صلاحيات المجمع الأخيرة بدرجة يستطيع بها أن يعزل الوزراء و الحكومة،
لأنه يعتبر فصل الخطاب وفوق كل السلطات والمرشد قدم صلاحياته للمجمع،
من هنا أطمأن المحافظون بهذا القرار ولم يعترضوا، ذلك لأن هذا الأمر قد
أخذ الاستقلالية من المؤسسات الانتخابية، وبذلك إطمان المحافظون أيضا
أن مع فوز الإصلاحيين سوف لا يؤدي إلى أخذ زمام السلطة بيدهم، لذلك
أحمدي نجاد وحداد عادل إتخذا صمت الرضا رغم معارضتها لإشراف رفسنجاني
على سلطتيهما.
6- القرار الأخير له دلالة أخرى أيضا، وهي أن أسطورة سلطة
رفسنجاني لم تنته بعد، ولايزال يملك ذلك النفوذ والتأثير على مختلف
أركان نظام الحكم في ايران. برامج رفسنجاني المقبلة وكذلك لعبة
الإصلاحيين الذين جعلوا منه شخصية ديمقراطية منقذة، ستكشف بوضوح بعض
السياسات المتسترة، ومن هنا قد يعرف المراقبون السبب في عدم رفع
رفسنجاني شكواه على الانتخابات التي وصفها مخدوشة وأنه خرج مظلوم منها،
و اكتفى بالقول أنه سيبث شكواه إلى الله.
*باحث في الشؤون الإيرانية |