تصريح أحمدي نجاد، هل كان عفويا أم مدروسا..؟

حسن طهران*

المفتاح الرمزي لتصريح أحمدي نجاد الأخير الذي أثار ضجة في الغرب، واحتل عناوين الصفحات الأولى لصحف العالم ليومين متتاليين، يكمن في نهاية تقرير كتبته صحيفة "كيهان" الطهرانية  لسان حال التيار المتشدد الذي ينتمي إليه الرئيس الايراني، وبالذات في تلك العبارة التي تتحدث عن "صدى و ردود أفعال".

صحيفة كيهان مطلع الأسبوع في تقرير خبري على صفحتها الأولى كتبت: " في معرض رده على ضجيج وسائل الإعلام الغربية التابعة للصهاينة حول تصريحه الأخير، قال الرئيس أحمدي نجاد: "الغربيون أحرار في تعليقاتهم لكن ردود فعلهم باطلة"، وأضاف الدكتور أحمدي نجاد بعد مشاركته في مسيرة يوم القدس العالمي في طهران في مقابلة مع وكالة إيرنا الايرانية للأنباء: "من الطبيعي أن الكلام المعتبر والصحيح يترك صدى وردود أفعال". [صحيفة كيهان – السبت 29/10/2005].

وبناءا على هذا، أظهر أحمدي نجاد أن قصده من "صدى و ردود أفعال عالمية"، هو صدى و ردود أفعال  حصلت بسبب تصريحه، وبالفعل لا يوجد سبيل آخر له يستطيع من خلاله أن يحتل العنوان الأول لوسائل الإعلام العالمية خلال يومين.

من هنا استطاع أحمدي نجاد أن يترك صداه محليا ودوليا، ففي الداخل استطاع أن يحول مظاهرات يوم القدس إلى تظاهرة مؤيدة له، ودوليا أثار السخط الغربي بعد هدنة نسبية حصلت لصالح إيران.

على خلاف ما يعتقد بعض المراقبين، أن حركات وخطابات أحمدي نجاد –ومنها خطابه في منظمة الأمم المتحدة- قد تكون بسبب قلة الخبرة والحنكة  لحكومته الجديدة في المجال السياسي والدبلوماسي أو بسبب عدم التجربة في خوض المناسبات الدولية، هنالك أدلة تثبت خلاف ذلك، منها خطابه الأخير الذي أثار المجتمع الدولي ضد النظام في ايران، وذلك في فترة كانت الأزمة النووية التي افتعلها من قبل، كانت تصل إلى نقطة مقبولة بسبب موافقة روسيا للوساطة.

خلاصة ما في الأمر أن أحمدي نجاد ورجاله إن لم يكونوا على  معرفة بالأمر، قد عرفوا خلال هذه الثلاثة أشهر من تصديهم للحكم، أن بعض منافسيهم داخل نظام الحكم لا يعطوهم المجال الكافي لكي يفعلوا ما يريدون ويختاروا رجالهم كيفما يرغبون، والسبب أن النظام خلال 27 عاما من التجربة في الحكم وصل إلى تلك المرحلة من التخصص والحنكة بحيث يعلم ما هي الخطوط الحمراء التي قد تؤدي به إلى خطر الإضمحلال، من هنا فإن المجموعة الوزارية التي يرأسها أحمدي نجاد وحسب تصريحاته قد تعرض إلى ضغوط في أمر تشكيلها،  وما استطاع أن ينتخب وزراءه ممن يرغب بهم، وحتى الآن من أجل أن يضغط على السلطات العليا من منافسيه في التيار المتشدد، أبقى أربعة حقب وزارية فارغة وامتنع عن تقديم أسماء وزراء جدد للبرلمان. وعليه فإن الطريقة الوحيدة التي يمتلكها الرئيس الجديد من أجل البقاء ودفع السقوط المحتوم بواسطة منافسيه، هي طريقة إفتعال الأزمات ولو مع العالم الخارجي.

 هنالك نماذج واضحة من مثيلات هذه الطريقة من التفكير والعمل على السطح الدولي. بالنظر الى هجوم موسيليني على اثيوبيا،  وهتلر على شكسلوفاكيا، لو لم تكن تلك الهجمتين لما استطاعتا الحكومتان الفاشيتان الإيطالية و الألمانية النازية  أن تطيل في عمريها بذلك المقدار الذي بقيتا فيه، ومن نماذج العالم العربي التي  استطاعت أن تبقى في الحكم لفترة طويلة برفع القضية الفلسطينية، هو نظام صدام في العراق، الذي استطاع أن  يواصل بقاءه في السلطة عبر إفتعاله للأزمات مع العالم الخارجي، والذي ضعف واضمحل شيئا فشيئا بعدما انكفأ على نفسه بفعل قوى خارجية تحت غطاء الأمم المتحدة.

إن إفتعال الأزمات هي الطريقة الوحيدة للإستمرار في الحكم  في مثيل بعض النظم السياسية، لكن في نفس الوقت قد ينقلب هذا التحدي إلى ضده، ويحصل كما حصل في العراق، هذا إن لم ينتبه بقية اللاعبين السياسيين في الساحة ويتداركوا المصير قبل فوات الأوان.

*باحث في الشؤون الايرانية

شبكة النبأ المعلوماتية -الاثنين 31/ تشرين الأول/2005 -  27/ رمضان/1426