النبوءة بوقوع أحداث المستقبل

كتب قسم المتابعة:

من الأسرار التي يحملها صفوة من الناس تنبؤهم بالأحداث المقبلة سواء طال عليها الزمن أم قصر ويشاركهم في ذلك ذوي الحدس الشديد الذين يتخيلون أن حدث ما قادم لا بد وأن يقع وإذا وقع فعلاً وتذكر الناس مقولة المتنبئ بحدثها اعتقدوا به أنه إنسان غير عادي أبداً.

والتقوّل بالنبوءة ليست مسألة وليدة العصر الحديث كما قد يتصور البعض إذ هي تستمد حدوثها من صفحات التاريخ القديم بل وحتى قبل تدوين التاريخ الميلادي أي منذ ما زاد قليلاً على ألفي سنة خلت.

والمرء الذي يعيش ظرفاً معيناً بكل وقائعه هو في حال ما (بين – بين) فإذا مسه الخير تخيل أن ذلك ربما لا يدوم له وضمن هاجس يستيقظ عنده وبالذات حين يخلو مع نفسه ويتأمل ما هو له وما هو عليه فيدلي بتوقعه أمام خاصة من الناس المقربين إليه أو أمام عامة من الناس إذا كان يملك بينهم منزلة تتيح له التكلم معهم جماعاً من موقع الوجاهة أو الحوار الحيوي المطلوب.

أما إذا وقع المرء في ظل ظروف قاسية مفروضة عليه فإنه بقدر ما يتمسك بالأمل لتغير تلك الظروف فتراه يصبر نفسه ويصابر غيره وهو ما يبشر بحتمية زوال الفروض المسلطة عليه أو على غيره وأما يكون في حالة يأس من أي تغيير قادم محتمل وفي كلا الحالين إذا ما عبر عما سيقدم من أمور مقبل الأيام.

والأصوات التي ترفع معلنة النبوءة بوقوع أحداث شخصية لهذا أو ذاك من المشاهير أو الوجهاء في العالم لا تمثل نهاية قد يشبهها البعض بنوع من (الرجم بالغيب) ولكن إذا ما وقعت تلك الأحداث فعلاً فإن (المتوقع) لحدوثها ينظر له على كونه إنسان خارقاً ويقرن الرأي العام ذلك بوجود سر أو فراسة مستثناة عند ذاك المعلن.

والموضوع هنا لا يتعلق ببعض (العراّفات أو العراّفين) الذين يوجد بينهم روّاد - ودون ذكر الأسماء كي لا تكون دعاية شخصية لهم – إذ من المحير حقاً ما يدلوا به أولئك الرواد من توقعات تحدث خلال سنة أو أكثر حتى إذا ما انقضت المدة المدلى بها وقعت الحادثة وحدث الذي حدث صدفة ودون أي تدبير مسبق وكأن المتكلم قبل أن ينطق بنبوءته.. قد وشيء بالكلام الذي نطق به أو نشره على إحدى موجات الأثير.

ويتذكر المتابعون لموضوع (النبوة المعاصرة) أن أدباً ظهر سمي بـ(أدب النبوءة) لبحث واقعات.. المستقبل ولأن علم المستقبل مازال مجرد كونه وضع يعيش في المخيلة أكثر منه على أرض الواقع فإن الماضي من تراثنا الإنساني يذكرنا كيف أن عالم مثل أفلاطون تنبأ بجمهورية التي ما تزال تفتش عمن يحققها ومن التنبؤات القديمة التي تبدو عادية جداً بهذه الأيام أن أول من تنبأ بحدوث ظاهرة ستعرفها البشرية هو (توماس مور) الذي صرح سنة 1516م بأن حالة تحسين النسل بالاستناد إلى فحوص طبية معتمدة تسبق يوم الزواج بين المرأة والرجل سيأتي يومها وأن زهاء خمسمائة سنة تمر على ذلك التصريح الذي لمح لما هو جارٍ في المجتمعات المعاصرة الآن.

والتنبؤ بالشيء قبل وقوعه إذ يمكن تفسيره بنسبة ما على كونه دلالة تنطوي في حدها الأدنى على معرفة بتخيلات غيبية إلا أن حالة النبوءة المستقبلية مازالت مثيرة للجدل خصوصاً إذا ما اقترنت بالتأكيد الحتمي لوقوعها من قبل المتنبئ إذ من المعلوم أن النبوءة لا تدخل ضمن مجال العلوم – كما معروف – بل ضمن الآراء والتحليلات والبحث عن أبعاد النبؤات يتطلب دراسات أكثر عمقاً. ومع الاعتقاد أن الإعلان التنبؤي عن الشيء قبل وقوعه يستند بدرجة كبرى على عقلية ذات قدرات لا تتوفر عند أي كان. ولذا فليس غريباً أن تصدر كتب في النبوءة عن شخصيات وإن كانت ما تزال في الظل العالمي لكن هناك من يستمع لآرائهم فقد ألف (بول كنيدي) كتاباً عن صعود وسقوط القوى الدولية الكبرى وكان من أول نتائج ذلك سقوط دولة الاتحاد السوفيتي بأوائل التسعينات و(الحبل مازال على الجرار) كما يقول المثل الشائع.

إن أفكاراً منتخبة عديدة تمر على الذهن المتابع لما يتوقعه المتنبئون الذين لا شك في كونهم يملكون قدرات على ربط الماضي بالحاضر واستشراف ملامح من حوادث المستقبل.

والحديث بصدد النبوءة يعود بنا إلى أن أعظم نبوءة قد طرقت سماع البشرية هي نبوءة سيد المرسلين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) بظهور الإمام المهدي (عجل الله مقدمه العظيم) بعد أن باتت البشرية الحاضرة بحاجة أكثر من ماسة لقدومه لينقذ الإنسانية لديها التي أخذت تتلاشى قليلاً قليلاً حتى من قلوب يدعي أصحابها من ذوي الوجاهات المصطنعة كونهم أصحاب عدل وإنصاف. فالإنسان المعاصر لم يعد بحاجة إلى تنبؤات لأشخاص مثل (أوريل) وغيره في ظل ظروف تسحق فيها المروءة سحقاً.

إن استشراف المستقبل من قبل المتنبئين من الناس العاديين ما يزال يلفها شيء من الغموض وأن تحقق شيئاً منها وطبيعي فهذا يشجع على أن تحقيق الأمل الأخير لا يأتي لصالح الإنسانية إلا بمشيئة الله سبحانه وتعالى.

شبكة النبأ المعلوماتية -الثلاثاء 24/ تشرين الأول/2005 -  21/ رمضان/1426