قد
يبدو العنوان في ظاهره مخالف للحقيقة، لكن واقع الحال يشير إلى أن
للوزير، واعني به أي وزير وليس شخصا معينا بذاته، من الممكن أن يعطل
عمل القضاء، ومن الممكن أن يحمي المجرم، وحتى يعارض القضاء إذا ما كان
للقضاء مسعى في محاربة الفساد كما انه ينهي أي نشاط تحقيقي سواء كان
قضائي أو الذي تقوم به السلطات التحقيقية في الجرائم الجنائية.
وهذا كله ناجم عن نص وجد في قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23
لسنة 1971 المعدل والمنصوص عليها في المادة 136/ب أصول جزائية تلك التي
تلزم المحاكم باستحصال موافقة مرجع المتهم المتمثل بالوزير لغرض
الإحالة إلى المحاكمة، فهذه المادة لها استخدامات كبيرة ودلالات كثيرة
تخدم الاتجاه الذي يسعى إليه الوزير، فله أن يرفض ولا يوافق فتوقف كل
الإجراءات ضد ذلك المتهم وتنتهي الجريمة وكأنها لم تكن وليس للقضاء من
وسيلة إلى تحريكها مجدداً وتضيع حقوق الأفراد والمجتمع على حد سواء،
وهذا الأمر لا يقتصر على جريمة دون أخرى بل يتعداه إلى كل فعل جرمه
القانون من المخالفة وحتى الجناية بما فيها الأعمال الإرهابية التي
ترتكب من قبل بعض الذين ينتسبون إلى الدوائر الحكومية، فللوزير أن يرفض
إحالة هذا الذي اتهم بجرائم الإرهاب ولا سبيل للقضاء على منع حدوث ذلك،
ويكون القضاء ملزم بوقف الإجراءات وإخلاء سبيله، وهذا الأمر كان قد
علقه الحاكم المدني بريمر بموجب الفقرة (هـ) من القسم (4) من مذكرة
سلطة الائتلاف المنحلة رقم (3) لسنة 2003، الذي أوقف العمل بالمادة
136/أصول جزائية، وأصبح القضاء هو الفيصل في حسم الأمور على وفق
مقتضيات الأصول القانونية والقضائية، لكن وفي ظل الحكومة المؤقتة
برئاسة الدكتور أياد علاوي صدر أمر من مجلس الوزراء مذيل بتوقيع نائب
رئيس الوزراء الدكتور برهم صالح برقم 14 لسنة 2005 والذي قرر إعادة
العمل بالمادة المذكورة، وأصبح من الواجب العودة إلى الوزير حينما يكمل
التحقيق مع المتهم المنتسب إلى وزارته وتتوفر أدلة الإحالة، وهذا أضحى
عائقاً كبيراً في طريق الإسراع بالعملية القضائية التي يتصور البعض
إنها لا تواكب متطلبات المرحلة الحالية، كما لابد من الإشارة إلى أن
وجود هذه المادة بفاعليتها الحالية ترتب أثار مهمة منها ما يلي :-
1. التدخل في عمل السلطة القضائية مما يعدم استقلالها، حيث أن الذي
يرتكب فعل يجرمه القانون يكون يجب محلاً لتحقيقات السلطة القضائية
بموجب القوانين النافذة، لذا لا يجوز أن تكون هناك قوى أخرى تمنع
وتعرقل وتتدخل في عمل هذه السلطة.
2. إن المادة 136/ب أصول جزائية تلزم قاضي التحقيق باستحصال موافقة
الوزير المختص حينما يكتمل التحقيق وتتوفر أدلة الإحالة، أي ان الشبهات
تكون قد توفرت على ارتكاب ذلك المتهم للفعل الذي جرمه القانون وبعد أن
قطعت محكمة التحقيق مراحل مهمة في جمع الأدلة والتحري عنها وقد تمتد
هذه المدة إلى اشهر إن لم تكن بالسنوات، وحينما يكتمل التحقيق قد يأتي
الوزير المختص الذي ينتسب المتهم إلى دائرته فيرفض الإحالة ويهدم كل
ذلك الجهد ويصبح ذلك المتهم طليقاً لا يخضع لسلطة القانون.
3. إن الأثر القانوني الذي يترتب على عدم موافقة الوزير بموجب
المادة 136/ب أصول جزائية يكون بمثابة إلغاء التوصيف الجرمي للفعل
وإلغاء العقوبة، وهذا اقرب إلى التدخل في عمل السلطة التشريعية لأننا
نعلم أن لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص أو بناء على نص، وكذلك إلغاء
العقوبة والجريمة يكون أما بنص أو بناء على نص.
4. ستكون هناك خروقات كبيرة لمبادئ حقوق الإنسان وتقاطع مع كافة
المواثيق والعهود الدولية التي تطالب بضمان حق الإنسان في العيش
والحياة وسواها من الحقوق، حيث أن حقوق الإنسان لا تعني فقط حق المتهم
بتوفير الضمانات الأساسية له، بل أيضا يشمل حق الأفراد الذين يقعون
ضحايا لأعمال المجرمين والإرهابيين، وأسوق مثلاً، قد حصل ما يماثله في
ساحة القضاء العراقي في الوقت الحاضر، فيما إذا لو إن إرهابيا اعترف
بكل جرائمه وقرر قاضي التحقيق إحالته إلى القضاء وكان هذا الإرهابي ممن
يعملون في أحدى الدوائر الحكومية، وأراد قاضي التحقيق أن يطلب موافقة
مرجعه ورفض ذلك الوزير إعطاء الموافقة، فماذا سيحصل؟ إن الذي يحدث
سيكون وقف الإجراءات القانونية بحقه وإخلاء سبيل ذلك الإرهابي، فعند
ذاك ستضيع دماء الضحايا وسيفقد المجتمع ثقته بالسلطات جميعاً وقد يسعى
الضحايا أو ذووهم إلى الانتقام ومن ثم تشيع الفوضى.
5. إن وجود هذا النص وبهذا الإطلاق يشكل عائق كبير في دعم مسيرة
واستقلال القضاء ولا توجد جهة طعن من الممكن أن يطعن بها بأمر الوزير
في حاله عدم منح الموافقة على إحالة المتهم، بل يكون الأمر لازماً
ناجزاً ولا يحق لأحد ان يقاطعه إلا إذا تحمل المسؤولية الشخصية.
6. إن قضايا الفساد الإداري بمجملها تتعلق بالسلطة التنفيذية
المتمثلة بالوزارات والدوائر التابعة لها وإنها طالت رؤوس قيادية مهمة
في تلك الوزارات مما يعطي السبيل والفرصة للوزير بالنجاة مع معيته
وحاشيته، حينما يمنع ويعطل القضاء بأمر منه في عدم الموافقة على
الإحالة، وللمرء أن يتصور مقدار الضرر الذي سيصيب المجتمع والأمة.
7. المواطن يعتقد إن ضمانته الحقيقية تتمثل بوجود قضاء مستقل لا
سلطان عليه إلا القانون فكيف ستتعزز الثقة بقضاء يعجز من أن يطبق
القانون بحق متهم امتنع وزيره من الموافقة على إحالته الى المحاكم
لينال جزاءه العادل.
لذلك ومما تقدم أرى أن نسارع إلى المناشدة بإصدار تشريع يعطل العمل
بالمادة 136/ب من قانون أصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971
المعدل، أو إصدار أمر من مجلس الوزراء بإلغاء الأمر المرقم 14 لسنة
2005 الذي أصدرته الحكومة المؤقتة السالفة والتي استورثها بقراراتها
وتعليماتها، وذلك من اجل الحفاظ على استقلال القضاء وضمان وحدة المجتمع
وسلامة أمنه وسيادته. |