من قتل المحامي؟

عباس سرحان..

لم ينتظر قتلة أحد المحامين في قضية صدام حسين طويلا قبل أن يزرعوا رصاصات غادرة في رأس سعدون الجنابي فيردوه قتيلا بعد اختطافه بوقت قليل.. ومع تسجيل إدانة مباشرة وصريحة لهذه الجريمة لابد من إخضاعها للتساؤلات قبل اتهام هذا الطرف العراقي أو ذاك، سيما وأن بعض الأحكام المتسرعة قد اتهمت الشيعة بقتله، طالما هم ـ الشيعة ـ يريدون الحكم بالإعدام لصدام حسين.. ومن هذه الرغبة الأخيرة للشيعة يبدأ التساؤل الأول: هل من مصلحة من يريد الإسراع بمحاكمة صدام أن يقتل سعدون الجنابي؟..

بعد هذه الحادثة مباشرة ارتفعت أصوات عراقية وغير عراقية تطالب بنقل المحكمة إلى خارج العراق، بحجة أن محاميٍ صدام وأعوانه لايمكنهم الدفاع عنه بطريقة أفضل وهم عرضة للاغتيال، كما أعلن باقي المحامين أنهم يمتنعون عن حضور المحاكمة المقبلة احتجاجا على قتل زميلهم الجنابي.. وعلى خط آخر اتهمت جهات أخرى الحكومة العراقية بالوقوف وراء عملية الاغتيال.. هذه أبرز تداعيات العملية، فأي جهة تحصد ثمارها ومن يخسر فيها أكثر حين يكون محور الحادثة صدام نفسه..

كل الخطابات التي ألقيت في المحاور التي ذكرت أعلاه تجعل الشيعة في الخانة الأضعف، فانسحاب المحامين ابتداء يعني تأجيل آخر لموعد المحاكمة لحين قبول محامين آخرين الترافع عنه، أو إلى أن تكلف المحكمة سواهم للقيام بالمهمة، وحين تقوم بهذا الإجراء الأخير ستجد نفسها أمام اعتراضات من نوع آخر.. إذا سيصرخ آخرون أنها محكمة صورية..

وأما الافتراض الآخر المترتب على عملية الاغتيال وهو نقل المحاكمة إلى الخارج فهذا يعني إفلات صدام وإلى الأبد من العقوبة التي يريد الشيعة والكرد إيقاعها به ..

وهناك سؤال يتعلق بآلية الاغتيال، فهي لاتشبه العمليات التي كان يقوم بها الشيعة في زمن المعارضة.. هي لا تحمل بصماتهم كونها جاءت منظمة بدرجة كبيرة وتحمل بصمات مخابراتية لم تتهيأ للأحزاب والمجاميع الشيعية التي عملت ضد صدام، طالما أن المتهم الرئيس بالاغتيال في نظر البعض في هذه القضية هي تلك الأحزاب والحركات، فالمتابع لتاريخ الحركات الشيعية خلال العقد الأخير من القرن الماضي لايجد بينها هذه الدرجة من التخطيط، إنما كانت تعبوية تعتمد العنصر البشري والمواجهة المسلحة وإلى الحد الذي يمكن وصفها بالعشوائية والفوضوية أحيانا.. بينما عملية اغتيال سعدون الجنابي تشبه إلى حد كبير منهج المخابرات العراقية في زمن صدام.. مجموعة رجال بملابس أنيقة وسيارات حديثة، يقتحمون مكتب الرجل بهدوء وأدب طالبين منه اصطحابهم لبعض الوقت.. ربما قالوا له: " تعال معنا لخمس دقائق فقط ".. لا أدري.. ربما قالوا ذلك، وهي العبارة الشهيرة التي سمعها أغلب الذين وجدت رفاتهم في المقابر الجماعية، والعراقيون يعرفون" قيمة" الخمس دقائق هذه..

والتساؤل الآخر الأكثر أهمية هو عن جدوى إلصاق هذه الجريمة بوزارة الداخلية من قبل الأشخاص الذين قاموا بها، فمن غير المعقول أن تنسب الأحزاب الشيعية أو وزارة الداخلية لنفسها عملية كهذه.. كان بالإمكان تنفيذ جريمة القتل بشكل آخر.. رصاصة من كاتم للصوت.. حادث سير مفتعل..أو مجهول يطلق عيارات من مسدسه على الرجل ويلوذ بالفرار ولن يمسك به أحد في شوارع بغداد المليئة بأحداث كهذه، وحتى لو افترضنا أن الشرطة قد أمسكت به، أفلا يمكنها إطلاق سراحه فيما بعد طالما أن وزير الداخلية شيعي وان الأحزاب الشيعية متنفذة في الوزارة بحسب أقوال الذين اتهموا الوزارة والشيعة بتلك الجريمة؟!

 ولكن يبدو ان من قام بالجريمة يريد أن يوصل رسالة تسهم في خلط الأوراق بغية الوصول إلى الأهداف التي أعلنت من البعض في أعقاب عملية الاغتيال،فهناك دائما فرصة لقول المزيد طالما أحيطت محاكمة صدام بكثير من الضباب،وهذا مايريد الساعون لتخليصه من حكم وارد بإعدامه، الوصول إليه خلال المرحلة الراهنة على الأقل، سيما وأن المحامي المغدور لم يتلق تهديدا في وقت سابق، ولم يعلن أنه تلقى مضايقات من أطراف عراقية شيعية أو غير شيعية، وهو أمر يبدو بديهي، فالشيعة يعتقدون أن الفضائع التي ارتكبت في زمن النظام السابق كافية لإصدار حكم بإعدام صدام وبالتالي فليس هناك من مبرر لقتل محام في قضيته طالما لايجد ذلك المحامي سبيلا لإعاقة ذلك الحكم، وهذه القناعة موجودة لدى الغالبية من العراقيين، وحتى لدا الحكومة العراقية، هذا فضلا عن أن المغدور ليس محامي صدام بل هو محام لأحد أعوانه، الأمر الذي يتطلب الوقوف طويلا عند هذه القضية قبل اتهام الشيعة أو الكرد أو الحكومة العراقية..

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية -الثلاثاء 24/ تشرين الأول/2005 -  21/ رمضان/1426